قصة رجل أعطى لـ"وجه الله" فأكرمه الله

إسلاميات

بوابة الفجر


سخر الله -سبحانه وتعالى- من خلقه أناسًا لهم قلوبٌ نديّةٌ، وأنفسٌ سخيّةٌ، لتكون عوناً للفقراء، وتزول على يدها ملامح البؤس والشقاء، فكانوا كالنهر المتدفّق عطاءً، يواسون الضعيف، ويهرعون لنجدته، ويتجاوزون عن المعسر، ويعينونه على دفع كربته، أولئك هم خيرة الخلق للخلق، وأحبّ الناس إلى الخالق.

فقد روى الإمام البخاري، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صل الله عليه وسلم- قال، "كان 
تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه". 

فلم تخلُ البشريّة يومًا من أصحاب الأيادي البيضاء، ممّن نذروا أنفسهم لقضاء حوائج الخلق وتفريج كرباتهم، فسيرتهم في الناس محمودة، وصفاتهم بالخير مسطورة، هذا حالهم في الأرض، فكيف بحالهم في السماء؟.

قال النبي -صل الله عليه وسلم، "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور يدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو يقضي عنه دينا"، رواه الطبراني، وفي حديث آخر : " إن لله أقوامًا اختصهم بالنعم لمنافع العباد"، رواه الطبراني.

ومن جملة هؤلاء الأخيار، رجلٌ أراد الله أن يخلّد ذكره في العالمين، فتمّ له ذلك من خلال ذكر رسول الله -صل الله عليه وسلّم- لقصّته، ليكون مثالاً يقتدي به الناس.

لم يكن لذلك الرجل كثير عبادة وصلاح، ولكنّ الله منّ عليه بالمال الوفير والعطاء الكثير، فوسّع عليه رزقه حتى غدا من كبار التجّار، وكلما زاد رزقه زاد لله شكره، بلسانه حمداً وثناءً، وبماله منحاً وعطاءً، ومن كثُرت نعمته انصرفت وجوه الناس إليه، فكانوا يقصدون بابه يقترضون منه المال، فإذا جاءه أحدهم نظر في حاله، إن كان موسراً لم يُعجّل في طلب ماله منه، وإن كان معسراً تجاوز عنه فأسقط عنه بعض الدين أو كلّه، واستمرّ على ذلك القانون الفريد الذي وضعه لنفسه طيلة حياته.

وعندما حانت لحظة الوفاة، وتلقّفته ملائكة الموت، سألته عن أرجى عملٍ يراه في حياته، فلم يستحضر شيئاً يرى أنه مُستحقّاً للذكر، فكرّر الملائكة عليه السؤال، فتذكّر صنيعه بالمقترضين، فأخبرهم بالطريقة التي عاملهم بها، وهو يرى في قرارة نفسه أن العمل أقلّ من أن يُذكر، لكنّ الله -سبحانه وتعالى- أكرم الأكرمين وأرحمهم، فكافأه على عمله، فتجاوز عنه وأدخله الجنة، فيا له من أجر، وياله من تكريم.

ففي هذه القصّة العديد من الدروس والوقفات التي يمكن أن نستشعرها للعظة والعبرة، أولها الرحمة الإلهيّة التي وسعت كلّ شيء، صفةٍ إلهيّةٍ عظيمة أرشد إليها الحديث، وما من أحدٍ إلا ويتقلّب في رحمة الله في ليله ونهاره، وقد تجلّت رحمته في ونعمه، ورزقه وتدبيره، وهدايته لمن شاء من خلقه، وقبوله لتوبة التائبين، وستره وإمهاله للعصاة والمذنبين، فسبقت رحمته غضبه، وجماع ذلك قوله -تعالى- : "ورحمتي وسعت كل شيء".

فالجزاء من جنس العمل، فالله -سبحانه وتعالى- قد تجاوز عن ذلك التاجر لتجاوزه عن الناس، وهكذا يجد كل عامل جزاء عمله، فإن عمل خيراً وجد مثله، وإن عمل شرّاً وجد عاقبة فعله، ومن زرع الشوك لن يجتني العنب.

كما تضمّنت القصّة رسالة عظيمة، هي الدعوة إلى التيسير على الناس وإقرار مبدأ التراحم، فمشاقّ الحياة كثيرة ينوء عن حملها الكثير من الناس، لا سيّما الضعفاء والمعسرين، واليتامى والمساكين،  ومن هنا جاءت تعاليم الإسلام لتحثّ الناس على السماحة في معاملاتهم، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- : " رحم الله عبدًا سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحًا إذا اقتضى" رواه البخاري، وكذلك بيّن النبي -صل الله عليه وسلم- أجر أهل السماحة فقال، "من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة " رواه مسلم.

وللأسف الشديد فإن المشاهد من أحوال بعض الناس خلاف ما دعت إليه القصّة، فهم لا يلتفتون إلى هذه المعاني السامية، حتى كأنهم وحوش في ثيابٍ آدمية، فيسحقون الضعفاء ويدخلونهم في دوّامة لا تنتهي من الديون الرّبوية التي يأخذونها من غير حق، ويدفعهم الجشع والطمع إلى زيادة الدين مقابل التأجيل، فأين ما يفعلونه من تعاليم الوحي، "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون".

وأخيراً: أيها المسلم، لا تحقرنّ من المعروف شيئاً مهما كان صغيراً، فلعله يكون عند الله كبيراً،
يغفر الله لك به، ويكون الطوق الذي تنجو به من عذاب النار.