ثَقِّل ميزانك بهذه الأعمال الصالحة

إسلاميات

بوابة الفجر


بالرغم من أن الإنسان كلما فكر في مشاهد يوم القيامة، تشّده أهوالها العظيمة، وأحوالها المخيفة، لكن ما يُشغل باله حين يقف للعرض على الله يوم الفزع الأكبر، هو : "هل سيكون من الفائزين؟ أم من المُبْعدين؟".

لا شك أن الإجابة ستظهر عند الميزان عندما ستوزن أعمال العباد، فمن ثَقُلت حسناته كُتبت له السعادةُ والنجاة، ومن ثقلت كفّة سيّئاته، فيا ويل صاحبها من الخزي المهين، والعذاب الأليم، إن لم يمنّ الله عليه بعفوه وغفرانه.

فإذا كانت النجاة يوم القيامة، تتفاضل في وزن الأعمال الصالحة عند الله، فإن أصحاب العقول الكاملة، والعقول الراجحة سيبحثون عن هذه الأعمال التي تُثقل الميزان؛ ليجعلوا لها الأولويّة المطلقة والمساحة الأكبر من أعمالهم الصالحة.

فعل العبد أن يعلم أن كلّ حسنةٍ لها مكانها في الميزان، فلن يضيّع الله عملاً مهما كانت ضآلته وحقارتُه: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة"، "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره"، ولربما كانت نجاة العبد في ذلك العمل الذي احتقره، فكان الميلُ اليسير لكفّة الحسناتبسببه، لكن لا بد من السعى في تحصيل الأعمال العظيمة عند الله -سبحانه وتعالى-، مثل: أداء الفرائض والواجبات، بنصّ حديث النبي -صل الله عليه وسلم- كما رواه عن ربّه -تبارك وتعالى-: "وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه" أخرجه البخاري، ثم يأتي بعدها في المرتبة، ما يكون من النوافل والمستحبّات.

وعلى أية حال، فإن أوّل ما يثقل في الميزان، شهادة أن لا إله إلا الله؛ كلمةُ الحق التي قامت بها السماوات والأرض، وأُنزلت الكتب، وأُرسلت الرسل من أجلها، وبلغ من عِظمها، وجليل وصفها، وليس الأمرُ تمثيلاً مجرّداً، لما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صل الله عليه وسلم- قال: "إن الله سيُخلص رجلًا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشُر عليه تسعة وتسعين سجلاًّ، كل سجِلٍّ مثل مدِّ البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول لا يا رب! فيقول: ألك عذر؟ فيقول: لا يا رب! فيقول: بلى! إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب! ما هذه البطاقة مع هذه السجلاّت؟ فقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفّة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلاّت، وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء، رواه الترمذي وابن ماجه.

ومن مثاقيل الأعمال، التسبيح والتحميد، والتهليل والتكبير، لما ورد في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صل الله عليه وسلم- قال: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"، متفق عليه.

ويذكر ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن جويرية زوجة رسول الله ، أنه -صل الله عليه وسلم- خرج من عندها لصلاة الفجر وهي في حجرتها تذكر الله، ثم رجع وقت الضّحى، وهي جالسة، فقال لها: "ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، فقال لها: لقد قلتُ بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنتْ بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته"، رواه مسلم.

ويتأكّد الذكر بعد الصلوات المكتوبة، لقوله -صل الله عليه وسلم-: "خصلتان، لا يحافظ عليهما عبدٌ مسلم إلا دخل الجنة، هما يسير، ومن يعمل بهما قليل: يسبّح في دبر كل صلاة عشراً، ويحمد عشراً، ويكبّر عشراً، فذلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمس مائة في الميزان، ويكبر أربعًا وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويسبح ثلاثًا وثلاثين، فذلك مائة باللسان، وألف في الميزان"، رواه أصحاب السنن.

ومكارم الأخلاق ومحاسنها، لا يكاد يعدلها غيرها من الأعمال الصالحة، بما جاء في حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه-، عن النبي -صل الله عليه وسلم- أنه قال:"ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجةَ صاحب الصوم والصلاة"، رواه الترمذي، ويشهد لمعناه ما جاء عن عائشة -رضي الله عنها-، أنها سمعت رسول الله -صل الله عليه وسلم- يقول: "إن المؤمن ليُدْرك بحسن خلقه، درجة الصائم القائم" رواه أبو داود، وهذا الرفعةُ الحاصلة لصاحب الخلق الحسن إنما ترتّبت على مثقال الخلق الحسن في الميزان.

ولمن فقد ولداً صالحاً، فعزّ عليه ذلك الفراق، أعظمُ سلوى وأكبر بشارة، حين يصبر على مرّ هذا الابتلاء، فعن أحد موالي رسول الله -صل الله عليه وسلم-، أنه قال: "بخٍ بخٍ! ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، والولد الصالح يتوفى فيحتسبه والده"، رواه أحمد.

بل إن اتباع الجنائز والصلاة عليها، لهما أعظم الأجر وأثقلُه، فعن أبيّ بن كعب -رضي الله عنه-، أن النبي -صل الله عليه وسلم- قال: "من تبع جنازةً حتى يُصلّى عليها، ويفرغ منها، فله قيراطان، ومن تبعها حتى يصلى عليها، فله قيراط، والذي نفس محمد بيده لهو أثقل في ميزانه من أحد" رواه أحمد، والقيراط هو مقدارٌ من الأوزان، ويعدلُ يوم القيامة جبل أحد.

فبمثلِ هذه الباقيات الصالحات، ترتفع درجة العامل في أعالي الجنان، ويزداد قدره، ويزكو عمله، ولمثلِ هذا فليعملِ العاملون.