طارق الشناوى يكتب: "زوجة فرعون" وتحية للسينما الصامتة!!

الفجر الفني

بوابة الفجر



بلا أضواء صاخبة ولا بهرجة زائدة يتواصل مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية فى دورته الثالثة رغم تراجع الميزانية وتضاؤل عدد الضيوف، لكنه لا يزال قادرا على التنفس.

تصادف توقيت الافتتاح مع الحداد الإعلامى الرسمى للملك عبد الله، وخيّم الحزن على جنبات خشبة المسرح فى معبد الأقصر رغم أنه كان من الممكن إيجاد صيغة ثالثة، لا تجرح طقوس الحداد ولكنها أيضا لا تستسلم لبث روح الحزن للجمهور.

لم أعثر على حضور لنجوم السينما المصرية ولا أدرى سببا. أظن - والظن ليس مرادفا للإثم - أن إدارة المهرجان وجهت الدعوة وهم تقاعسوا فى وقت كان ينبغى لهم جميعا دعم المهرجان كحد أدنى بحضور الفعاليات. لم ألمح سوى لبلبة والوجه الجديد محمد فراج، مع الأخذ فى الاعتبار أن لبلبة تحضر باعتبارها مكرمة وعضو لجنة تحكيم.

الميزانية تقلصت فحالت دون ترجمة حتى أفلام المسابقة للغة العربية، وهو ما أراه قرارا خاطئا، عند توزيع بنود الميزانية ينبغى أن تصبح ترجمة الأفلام للغة البلد المضيف تحتل الأهمية رقم واحد لما تحمله من دلالة وطنية.

بعيدا عن ذلك فأنا أُقر وأعترف أمامك أننى عندما قرأت عن افتتاح المهرجان بفيلم زوجة فرعون الذى أخرجه الألمانى إرنست لوبيتش قبل نحو 93 عاما، اعتقدت أن إدارة المهرجان ماجدة واصف ويوسف شريف رزق الله والمخرج محمد القليوبى وجميعهم من السينمائيين العاشقين للبحث عن الحقيقة، أسعدهم الاكتشاف وهذا بالطبع من حقهم، ولكن أن يُصبح الفيلم هو العنوان فتلك بالتأكيد قضية أخرى. اعتقدت أن الجمهور لا يمكن أن يصمد كثيرا أمام فيلم صامت يصل زمنه على الشاشة إلى نحو 80 دقيقة، وتتابعت الفصول وفى كل مرة ألمح تصفيقا يعلو ولم أعثر مثلا على مشاهد يغادر موقعه، بل العكس هو الصحيح، كلما أوغل الفيلم فى تتابع الفصول ارتفع معدل التصفيق .

الفيلم تاريخيا لا يمكن أن يشعرك بأنه تم توثيقه، ولو حاكمته من تلك الزاوية مثلما حاكمت الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة المصرية الفيلم العالمى خروج ملوك وآلهة لريدلى سكوت، المؤكد أنها لن تسمح به، ورغم أن المهرجان يقام تحت مظلة الدولة فإنها تسامحت، بل وأمين عام المجلس الأعلى للثقافة د. محمد عفيفى الذى أناب عن وزير الثقافة د. جابر عصفور افتتاح المهرجان، هو الذى رأس اللجنة التاريخية التى أقرت باستبعاد فيلم ريدلى سكوت بسبب تلك الأخطاء، وهو ما سبق أن حذرت منه لأنه سوف يفتح الباب أمام عشرات من المصادرات القادمة لأسباب تاريخية وجغرافية وفكرية وسياسية، بل وأيضا فنية.

لو قرأنا الفيلم الصامت من خلال نسيجه الفنى المطروح سنكتشف أنه اتخذ من الأجواء الفرعونية إطارا يطرح من خلاله قضية الحب وكيف أن الجارية الحسناء ذات الأصول اليونانية جاءت مع ملك الحبشة إلى مصر الذى قرر أن يدفع عربون المحبة للملك الفرعون أمينس بأن يزوجه ابنته، بينما الفرعون لا يستطيع مقاومة سحر الجارية فيتزوجها وهى تحب منافسا له، ويضع الفيلم التاج الملكى فى كفة والحب فى الأخرى، ويتضاءل كل شىء أمام جنون الحب. هذه هى حقيقة الفيلم على الشاشة، أما لو أدرت قراءته سياسيا فسوف يعتبره المتربصون -وهم كثر- جريمة سياسية.

ويظل فى المعادلة التعبير الصامت عندما تقول الوجوه كل شىء، الصمت بالمناسبة عاد مؤخرا إلى السينما، فهو الآن وسيلة إبداعية بينما كان صمت السينما قبل دخول شريط الصوت بسبب عجز الآلة، ورغم ذلك فإننا مع زوجة فرعون عشنا الصمت إبداعا فى التعبير وليس عجزا عن التعبير!!