لفظ السلام في القرآن الكريم

إسلاميات

بوابة الفجر



 إن الإسلام يصنع السلام أولاً في ضمير الفرد، ثم في محيط الأسرة، ثم في وسط الجماعة، وأخيراً يصنعه في الميدان الدولي بين الأمم والشعوب ، إنه ينشد السلام في علاقة الفرد بربه وفي علاقة الفرد بنفسه وفي علاقة الفرد بالجماعة، ثم ينشده في علاقة الطائفة بالطوائف، وعلاقة الأفراد بالحكومة ، ثم ينشده في علاقة الدولة بالدول بعد تلك الخطوات، وإنه ليسير في تحقيق هذه الغاية الأخيرة في طريق طويل يعبر فيه من سلام الضمير إلى سلام البيت، إلى سلام المجتمع، إلى سلام العالم في نهاية المطاف.

فهذا هو السلام في القرآن : عبارة عن فكرة شمولية متكاملة ، وأن الإسلام هو دين السلام : فهو سلام في اسمه، وسلام في تحيته ، وسلام في ليلة نزوله ، وسلام في اسم ربه ، وسلام في عقيدته، وسلام فيما بينه وبين أصحاب الأديان ، وسلام وإحسان في مطالب الحياة الخاصة ، وسلام وبر فيما بين الآخذين بمبادئه وبين سائر الناس ما لم يقاتلوهم في الدين أو يخرجوهم من الديار أو يعتدوا عليهم أو يقفوا في سبيلهم ؛ فإنه عندئذ فقط حرب على الظلم والعدوان، وذلك أيضاً  في سبيل الله  تعالى: وهو سلام في الحكم وعدل في الحق ما بين العرب وغير العرب وما بين المسلمين وغير المسلمين فهو بجملة واحدة :

سلام في سلام في سلام …

وإن من أعظم الوسائل لتحقيق السلام : الاطلاع على سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو بحق رسول السلام والأمن والأمان، وهو صلى الله عليه وسلم الصورة الحية لتطبيق جميع معاني سلام الفرد وسلام الأسرة وسلام المجتمع والسلام مع غير المسلمين .

لفظ "الإسلام" مأخوذ من السلام، والسلام غاية كل عاقل؛ ولهذا كان من دخل في الإسلام في سلام وأمان، إن لم يكن في هذه العاجلة على التحقيق، فهو في تلك الآجلة على التأكيد.

ولفظ السلام في أصل اللغة  كما يقول اللغويون يدل على الصحة والعافية، فالسلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى.

 ومن أسمائه تعالى: السلام؛ لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء.

 ومن لفظ السلام أيضاً اشتق لفظ الإسلام، وهو الانقياد؛ لأنه يسلم من الإباء والامتناع.

ولفظ السلام ورد في "القرآن الكريم" بصيغ مختلفة في أربعين ومائة موضع، ورد في اثني عشر ومائة موضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله عز وجل: "ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا" "النساء:94"، وورد في ثمانية وعشرين موضعاً بصيغة الفعل، منها قوله سبحانه: "لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" "النور:27" .

ولفظ السلام ورد في "القرآن الكريم" على سبع معان رئيسة، هي: اسم من أسماء الله، الإسلام، التحية المعروفة، السلامة من الشر، الثناء الحسن، الخير، خلوص الشيء من كل شائبة. وفيما يلي تفصيل ذلك:

السلام بمعنى"اسم من أسماء الله" ، من ذلك قوله تعالى: "هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام""الحشر:33"، فـى السلام في الآية اسم من أسمائه سبحانه؛ ومن هذا القبيل قوله عز وجل: {لهم دار السلام عند ربهم"  "الأنعام:127"، قال السدي: الله هو السلام، والدار الجنة. وأكثر المفسرين على أن السلام في هذه الآية هو الله، وداره الجنة.

السلام بمعنى "الإسلام" ، من ذلك قوله سبحانه: يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام "المائدة:16"، قال السدي: سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه، وابتعث به رسله، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملاً إلا به، لا اليهودية، ولا النصرانية، ولا المجوسية؛ ونحو ذلك قوله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" "البقرة:208"، يعني: الإسلام، كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره.

السلام بمعنى "التحية المعروفة"، من ذلك قوله تعالى: "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم""الأنعام:54"، قال عكرمة: نزلت في الذين نهى الله عز وجل نبيه عن طردهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام. وقال ابن كثير: فأكرمهم برد السلام عليهم، وبشرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم؛ ونحو هذا قوله سبحانه: "فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم" النور:"61" .

السلام بمعنى "السلامة من الشر"، من ذلك قوله سبحانه: "قيل يا نوح اهبط بسلام منا" هود:"48"، أي: بأمن منا أنت ومن معك من إهلاكنا، قال القرطبي: أي بسلامة وأمن؛ ومن هذا القبيل قوله سبحانه: "ادخلوها بسلام آمنين" الحجر:"46" ، أي: سالمين من عقاب الله.

السلام بمعنى "الثناء الحسن" ، من ذلك قوله سبحانه: "سلام على نوح في العالمين" الصافات:"79" ، قال ابن كثير: مفسِّر لما أبقى عليه من الذكر الجميل والثناء الحسن، أنه يُسلَّم عليه في جميع الطوائف والأمم؛ ونحو ذلك قوله تعالى: "سلام على إبراهيم" الصافات:"109"، قال الشوكاني: السلام: الثناء الجميل. وقد يراد بـ "السلام" في هاتين الآيتين ونحوهما: السلامة من الآفات والشرور، وهو قول في تفسير الآيتين ونحوهما.

السلام بمعنى "الخير" ، من ذلك قوله تعالى: "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" الفرقان:"63"، قال الطبري: إذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول، أجابوهم بالمعروف من القول، والسداد من الخطاب.

 وقال مجاهد: قالوا سداداً من القول؛ ونحو هذا قوله سبحانه: "فاصفح عنهم وقل سلام" الزخرف:"89" ، قال ابن كثير: لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السيء، ولكن تألفهم واصفح عنهم فعلاً وقولاً.

السلام بمعنى "خلوص الشيء من كل شائبة"، وذلك في قوله تعالى: "ورجلا سلما لرجل" الزمر:"29"، أي: رجلاً خالصاً لرجل. رُوي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وليس غيره في القرآن على هذا المعنى.

ولا يخفى، أن المفسرين قد يرجحون معنى على معنى، لدليل شرعي، أو نقل لغوي، أو مقتضى سياقي، ولا غرابة في ذلك، ما دام اللفظ يحتمل هذه المعاني المتعددة.