تخلق بأخلاق القرآن

إسلاميات

بوابة الفجر


يمثل القرآن الكريم أصل الأخلاق الإسلامية، والتي تعتبر قاسم مشترك على مختلف أوجه الحياة، سياسية واجتماعية وقانونية، وغايتها بناء مفهوم "التقوى"، الذي يجعل أداء العمل الطيب، وتجنب العمل الضار واجبًا محتمًا، والخوف من الله أقوى، فالإسلام يربط بين القول والعمل والقيمة والسلوك.

فقيم الإسلام ثابتة لا تتغير، صالحة لكل زمان ومكان، وليست الأخلاق والعقيدة والشريعة من صنع الإنسان، فهي قائمة على الزمان ما بقي الزمان على اختلاف البيئات والعصور، وإن الحق سيظل هو الحق لا يتغير.

ولذلك فإن أبرز قواعد الإسلام "ثبات القيم"، وبالتالي "ثبات الأخلاق"، والالتزام الخلقي هو قانون أساسي يمثل المحور الذي تدور حوله القيم الأخلاقية، فإذا زال الالتزام قضي على جوهر الهدف الأخلاقي، إذ أنه إذا انعدم الالتزام انعدمت المسؤولية، فضاع كل أمل لوضع الحق في نصابه.

وقد وردت في النص القرآني كلمة "خُلُق" مرتين :
1) في رد قوم هود -عليه السلام- عندما دعاهم لعدم التعلق بالدنيا، وأن يعبدوا الله، فذلك أفضل لهم، فأجابوه بـ "إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ"، أي أن الذي جئتنا به، هو سنة وعادة قوم سبقوك في الظهور، وادّعوا مثل دعواك، بالدعوة إلى الأخلاق المتكاملة.

2) في قوله -تعالى- "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ":
جاء الخطاب من الله -تعالى- إلى نبيه محمد -صل الله عليه وسلم-، من كانت سيرته سنة يقتدى بها، وتؤكدها كتب السيرة أنه لم يكن لبشر ما كان للنبي محمد -صل الله عليه وسلم- من الأخلاق، فقد كان أحسن الناس خلقاً، وأكثرهم محبة ورأفة ورحمة.

فدلت الآية على أن المتصف بما في القرآن من مكارم الأخلاق، من يكون على خلق عظيم، لعظم ما في القرآن من مكارم الأخلاق، فمن ذلك قوله -تعالى-:"وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"،ففي هذه الآية حث على مكارم الأخلاق من الأمر بالعفو والنهي عن نسيان الفضل.

وقال -تعالى-: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"، "وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ".

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ما يدعو إليه القرآن من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، فعنوان الأخلاق استمد منه الرحمة، من الإنسان لأخيه الإنسان، من الإنسان للحيوان فلا يجهده أو يحمله فوق طاقته، فالرحمة تكون من الإنسان للطبيعة، فلا يعبث بثرواتها التي هي خيرات أمده الله بها.

فالأخلاق الإسلامية ينبوع رحمة يوصل إلى الفضيلة، مما يثمر سعادة عامة شاملة لكل أبناء المجتمعات، فالخلق كلهم عباد الله، وتبدو الحاجة اليوم أكثر منها في أي وقت مضى للالتزام بالخلق القرآني.