بذكر الله.. تطمئن القلوب

إسلاميات

بوابة الفجر


دعا القرآن الكريم العبد المؤمن إلى ذكر الله -سبحانه وتعالى-، خوفاً من عقابه، وذكراً لنعمهِ وآلائه، وطمعًا في رحمته وغفرانه. 

وحقيقة الخوف من الله هو خوف الإنسان من أعماله السيئة التي توجب إمساك الرحمة وانقطاع الخير من الله سبحانه، فالمؤمن المتقي بروحيته الشفّافة وعقله النيّر لا يملك إلّا أن يرتجف قلبه ويتحرك ضميره إذا ذُكِرَ الله، ذكراً يكشف جبروت الله وغضبه وانتقامه، -قال تعالى-: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ"، "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ".

هذا الوجل وتلك القشعريرة إنّما تنبع من ذكر يوم القيامة، والأجواء الرهيبة التي تحيط بالمذنبين في ذلك اليوم الحاسم، وموقف الخالق -عزّ وجلّ- وحكمه العادل بين جميع البشر الذين خلقهم على مرّ السنين.

وأمام هذه الصورة "الوجل والقشعريرة"، تقف صورة مقابلة للإنسان الذاكر لله، صورة الإنسان المطمئنُّ القلب، صورة الإنسان الذي لا يفتأ عن شكر الله، وذكر النِعَم الإلهية، الإنسان الذي لا تغادر شعوره فكرة الاطمئنان إلى رضا الله -سبحانه وتعالى-، قال -تعالى-: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَئابٍ".

فالإنسان المؤمن الذي أناب ورجع إلى الله بجوارحه وقلبه وشعوره، هو الإنسان الذي ينشر ذكر الله -عزّ وجلّ- على قلبه ظلالاً من الرحمة والحب والطمأنينة، فالإيمان بالخالق العظيم لا يفرز إلّا السكون والاستقرار في قلب ذلك المؤمن، ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب.

إنّ القلوب المعذّبة في الأرض لا تجد لها بلسماً يشفيها من معاناة الحياة ومشقّتها غير ذكر الله، والتلذذ بالاتصال به -سبحانه- عن طريق القلب، فإذا كان القب سليماً، مؤمناً، كان الاتصال بالخالق متواصلاً، متيناً، قوياً، وإذا زاغ القلب عن ذكر الله، لم يبق من القاعدة الإيمانية للإنسان أرضاً يستند عليها، فيزيغ قلب الإنسان من الهدى إلى الضلال، قال -تعالى-: "فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ"، وقال -تعالى-: "فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ".

إنّ السكون والطمأنينة التي تغمر قلب الإنسان المؤمن، وهو في حرارة الاتصال بالله، ترمز إلى أن ذكر الله، عملية تتوافق مع الطبيعة الفطرية للإنسان، وأنّ الذكر الكثير إنّما هو عملية رجوع المخلوق الضعيف لخالقه القوي، فذكر الله إنّما يمنح الإنسان المؤمن شيئاً لو اجتمعت الدنيا كلها بعلمها وقدراتها، لما وفرته لذلك الإنسان، تلك هي طمأنينة القلب، وسكون النفس، وهدوء الخاطر. 

وبين القشعريرة والاطمئنان، وبين الوجل والسكون، يتقلب الإنسان المؤمن بين الرجاء والأمل، بين رحمة الخالق وبين عدالته، بين القشعريرة لذكر الله وذكر العذاب، وبين الطمأنينة لرحمة الله ورأفته.