انطلاق عرس "القاهرة الدولي للكتاب" فى دورته الـ46

الفجر الفني

بوابة الفجر


 

مع افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب اليوم "الأربعاء" في دورته السادسة والأربعين يكون اهم حدث ثقافي مصري على مدار العام قد بدأ ويكون "عرس الكتاب" قد انطلق، فيما تتوالى أسئلة القراءة التي لا تخلو من سؤال مؤرق مثل: "هل المصريون لا يقرؤون حقا؟!".

 

وإذ يشارك 850 ناشرا من مصر و 26 دولة أخرى في هذا المعرض الذي يستمر حتى الثاني عشر من شهر فبراير المقبل تحت شعار "ثقافة التجديد"، فإن أي مثقف مصري يأمل في أن تمتد صفوف الزوار طويلا أمام بوابات الدخول والأجنحة المختلفة برهانا على عدم صحة المقولة التي يرددها البعض حول انقراض عادة القراءة في مصر والادعاء بأن المصريين لا يقرؤون ولا يحبون القراءة!

 

وكان الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب قد أوضح أن هناك 550 ناشرا مصريا قرروا المشاركة في المعرض إلى جانب 250 ناشرا عربيا و50 ناشرا أجنبيا، منوها بأن المعرض هذا العام يتضمن محفزات ومستحدثات للمساعدة على انتشار الكتاب وتشجيع القراءة من بينها مشروع "الكتاب هديتك".

 

وفي دورة العام الماضي كان لافتا توافد حشود على معرض الكتاب وبخاصة من الشباب في ظاهرة استوقفت المعنيين بعالم الكتاب والنشر بصورة تدعو عمليا لعدم التسليم المطلق بمقولات باتت أشبه بالمسلمات دون محاولة للتمحيص أو التحقق من صحتها مثل مقولة ان عصر القراءة والكلمة المطبوعة قد انتهى واصبحنا في عصر الصورة ومقاطع الفيديو والفرجة!

 

ونوه احمد مجاهد إلى أن الإمام المستنير الراحل محمد عبده هو "شخصية المعرض هذا العام"، بينما المملكة العربية السعودية هي ضيف الشرف، موضحا أن أجنحة المعرض زادت من 36 جناحا في العام المنصرم الى 48 جناحا في الدورة الحالية للمعرض الذي يوصف بأنه "ثاني اكبر معرض دولي للكتاب على مستوى العالم".

 

وإذا كان من المطلوب والمفيد أن تبقى اسئلة القراءة مطروحة مصريا وعربيا وعالميا مع تحديات تبحث عن حلول وطموحات بإعلاء قيمة الكلمة والكتاب، فينبغي ملاحظة ظاهرة دالة في معرض الكتاب عام 2014 وهي الاقبال الكبير على الكتب ذات المحتوى الثقافي الجيد.

 

ورغم تنويه الدكتور احمد مجاهد بمشاركة اربع دول افريقية في الدورة الحالية، فإن هذا الرقم قد لا يرقى لمستوى الروابط المصرية-الافريقية والآمال المعقودة على تحقيق المزيد من الدعم لهذه الروابط عبر المدخل الثقافي الذي يعد من افضل المداخل على هذا الصعيد.

 

وفيما أشار عادل المصري نائب رئيس اتحاد الناشرين في مصر وعضو اللجنة التنفيذية لمعرض الكتاب إلى استحداث قاعدة بيانات لتمكين الرواد عبر الهواتف المحمولة من معرفة أماكن عرض الكتب التي يريدونها، فإن "مكتبة الأسرة" بإصداراتها الجيدة وأسعارها الميسرة تحظى هذا العام بجناح خاص في المعرض.

 

 

ويتجه معرض هذا العام اتجاها إيجابيا بتخصيص "سرايا للكتب المخفضة الأسعار" إسهاما في مواجهة ظاهرة الارتفاع الكبير في أسعار الكتب ، فيما تشير دراسات إلى أن العامل الاقتصادي أو القدرة الشرائية تنطوي على أهمية كبيرة في مسألة القراءة.

 

وحسب دراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، فإن 48 فى المائة من الشباب المصرى فى الفئة العمرية من 15-29 عاما تأتى القراءة فى المرتبة الثالثة ضمن هواياتها، كما أظهرت أهمية المكتبات العامة لأن نسبة تصل إلى 61 فى المائة من بين هذه الفئة تعتبر الاستعارة من المكتبات هى المصدر الأساسى لقراءة الكتب.

 

وفسر الشباب مسألة عدم الإقبال على القراءة الحرة بشكل عام إلى عدم تشجيع الأسرة وكثرة القنوات التلفزيونية ثم كثرة الأعباء المدرسية، وتبين أن 27 فى المائة من الشباب الذين يقومون بالقراءة يخصصون جزءا من دخلهم الشهرى لشراء الكتب ويبلغ المتوسط نحو 34 جنيها شهريا.

 

ولا جدال فى أن تحسن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع مستويات المعيشة أمر يمكن أن يسهم فى حل أزمة القراءة وزيادة قاعدة القراء والسؤال هنا: كيف يتأتى للمواطن محدود الدخل تلبية المتطلبات الأساسية لعائلته والحاجة للقراءة فى ظل ارتفاع أسعار الكتب؟! وهكذا أيضا يحق التساؤل: هل هى أزمة القراءة أم أزمة ارتفاع أسعار القراءة؟!

 

وسلم ناشرون بأهمية العامل الاقتصادى، مشيرين إلى أن سوء الوضع الاقتصادى لا يجعل الكتاب من أولويات الحياة ، فيما تنتج مصر أكثر من 85 فى المائة من الكتب فى العالم العربى ، واعتبر بعضهم أن السبيل لصنع "مجتمع قارىء" يتمثل فى قيام الأسر بتنمية عادة القراءة لدى الأبناء واهتمام مؤسسات التعليم بالمكتبات وتيسير سبل الاستعارة والتوسع فى إنشاء المكتبات العامة.

 

وفيما تفرض قضايا وأسئلة القراءة حضورها القوي في الصحافة الثقافية الغربية، لعله كان من المناسب أن يخصص معرض القاهرة هذا العام ندوة لمناقشة قضايا القراءة من الثقافة المكتوبة إلى الثقافة الرقمية بغرض تشخيص الوضع بدقة واقتراح حلول لأي إشكاليات على هذا المضمار.

 

وحسب كلمات لفرانسين بروس في طرح نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية مؤخرا، فإن من أهم العناصر المحببة في عملية القراءة لكتب واصدارات ورقية حتى بالنسبة إلى الأطفال تتمثل في الخصوصية ، وهي عنصر تزداد قيمته مع الانتهاكات الحادة والغليظة للخصوصية" في العصر الرقمي، والتلصص الالكتروني على عادات الآخرين وميولهم على شبكة الانترنت.

 

غير أن العصر الرقمي بدفقاته ونبضاته لن يتوقف تأثيره في شتى مناحي الحياة ومن بينها القراءة جراء الحنين للخصوصية والحميمية، كما يسلم فرانسين بروس، فيما تكشف دراسة حديثة حول ميول وتفضيلات قراء الكتب الرقمية في بريطانيا عن تفوق واضح للقصص الرومانسية تليها قصص الجريمة ثم كتب الغرائب.

 

ومن الطريف ان مسألة شراء البعض للكتب من قبيل المباهاة او التظاهر بالاهتمامات الثقافية دون قراءتها حاضرة في بريطانيا شأنها شأن مصر، كما يكشف هذا الطرح لفرانسين بروس حيث يرصد "ظاهرة شراء البعض للكتب كنوع من الزينة داخل المنازل".

 

وكان الدكتور أحمد مجاهد قد تمنى أن تقوم مؤسسة متخصصة بتقييم إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب أو إجراء استطلاع ثقافي، منوها في الوقت ذاته بأن مركز المعلومات في الهيئة يستطلع آراء رواد معرض الكتاب عبر استمارات، "ونحاول تحسين الأوضاع حسب ملاحظاتهم لكن هذا لا يكفي".

 

وحتى على مستوى الكتابة الرقمية، فثمة نصائح فى الصحافة الثقافية الغربية من أجل جذب المزيد من القراء، وهى نصائح موجهة للكتاب، مثل ضرورة استغلال جوانب القوة فى الوسيط الالكترونى والبحث عن الأفكار المتفردة والملهمة والاهتمام بجماليات الأسلوب والعرض والسعى لإحداث الانفعال المنشود لدى القارىء بكتابة متقنة ومفعمة بالمشاعر، مع اتفاق عام على ان الكاتب هو فى نهاية المطاف "محصلة ما يقرأه".

 

وثمة ظاهرة لافتة الآن بقوة فى مجال تغير الذائقة القرائية فى الغرب وهى "رواج كتب الكوميكس"، أو القصص الفكاهية المصورة التى تحظى بإقبال كبير من القراء، سواء كانوا من الكبار أو الصغار، حتى أن كتبا جديدة صدرت لتناول أبعاد هذه الظاهرة كما تحدثت عنها مجلات ثقافية مرموقة مثل "نيويورك ريفيو اوف بوكس".

 

فى زمن مضى كان جمهور كتب ومطبوعات الكوميكس من الأطفال والمراهقين ويخجل الكبار من مطالعتها علنا، أما الآن فهى مقصد الجميع دون أى شعور بالخجل أو محاولة التخفى من جانب الكبار، ولم تعد هذه النوعية من الكتب لصيقة "بالثقافة الهابطة" او يتأفف منها المثقفون الكبار، كما يقول كريس وير فى كتابه "بناء القصص".

 

فالإنسان المعاصر فى الغرب يشعر بالعزلة والوحشة والضجر وكتب الكوميكس المصورة بجاذبيتها تقوم فكرتها على تقديم حياة مبهجة ولا تألو جهدا فى امتصاص أحزان هذا الإنسان، ومن هنا ليس من الغريب أن تحظى بإقبال كبير من القراء فى الغرب، والمهم أن القراءة مستمرة والتغيرات الذكية فى عالم النشر تحول دون موت الكتاب لأنها تدرس جيدا كل المتغيرات فى ذائقة الجمهور الذى تتوجه إليه.

 

وأسئلة القراءة متصلة على وجه العموم بقضايا وتساؤلات ثقافية اشمل مثل سؤال كبير يبدو المفكر المصري الدكتور جلال امين مهموما به وهو: "ماذا حدث للثقافة المصرية؟!"، معتبرا ان التحول الى سياسة الانفتاح بالصورة التي جرت في منتصف سبعينيات القرن العشرين، أثر تأثيرا سيئا على الثقافة المصرية رغم أن الانفتاح بالصورة الصحيحة على العالم له أثر إيجابي على الثقافة بما يؤدي إليه من تنشيط الذهن وتوسيع الأفق.

 

وفي الغرب، ثمة ملاحظة ساخرة منذ سنوات لإيفور براون حول أحد أسباب أزمة القراءة، وهى تلك النزعة الخاطئة من بعض الكتاب او المؤلفين وهي أنهم يكتبون ما يكتبون وعلى القارىء ان يجد التفسير بنفسه وتوهم أنه ليس من العبقرية أن تكون الكتابة واضحة.

 

وكان البعض فى مصر والعالم العربى قد جنح بعيدا لحد القول أنه غير معنى بالقارىء دون أن يكلف نفسه عناء الإجابة عن سبب نشر أعماله وطرحها فى المجال العام والتوجه لهذا القارىء مادام لا يعنيه؟!

 

وبلد مثل مصر له أن يفخر بتراثه الثقافي الثري وتأصل القراءة ، وهو بلد شهد منذ أكثر من قرن كامل تأسيس "لجنة التأليف والترجمة والنشر" التي قامت بأدوار فاعلة في رفد الثقافة المصرية بروائع الكتب.

 

فهذه اللجنة التي أسستها كوكبة من المثقفين المصريين وكان المفكر احمد امين في صدارتها أصدرت حتى عام 1953 ما يربو على الـ 200 كتاب وكانت إصداراتها تحظى بإقبال كبير من القراء في مصر والعالم العربي ككل وحققت أرباحا عامئذ بلغت أكثر من 60 ألف جنيه.

 

ولعل هذا النموذج التاريخي بنجاحاته يؤكد أهمية المضمون أو المحتوى الثقافي لجذب القراء بدلا من الركون لمقولة ان احدا لم يعد يقرأ واتهام المصريين بالعداء للكتاب، فيما كان مؤسسو "لجنة التأليف والترجمة والنشر" ينتمون الى مختلف التخصصات والميول والاتجاهات.

 

ولكن كانت تجمع بينهم سمتان مهمتان: الأولى هي الشعور القوي بالحاجة الى تقديم افضل ثمار الفكر الغربي الحديث باللغة العربية سواء بالترجمة او التأليف، والثانية أنهم كانوا يجمعون بين المعرفة الحميمة بالتراث العربي والإسلامي وبين الإطلاع على الثقافة الغربية الحديثة ويحملون تقديرا عميقا لكلتا الثقافتين.

 

وإذا كان المثقف المصري الكبير جلال امين يقول: "ما أشد تعاستنا اذا لم نتأمل تجربة ذلك الجيل الرائع من المثقفين المصريين ونكتشف أسباب نجاحهم الباهر، فيما فشل فيه جيلنا نحن فشلا مخزيا"، فإن تعليقات الرواد بين أجنحة معرض القاهرة الدولى للكتاب وجنباته في دورات سابقة تشير إلى أن أهم أسباب عدم الإقبال على القراءة هي "أولويات الحياة"، و"انخفاض مستوى الدخل"، و"ارتفاع أسعار الكتب".

 

وفى بلد كبريطانيا التى عرف شعبها بحب القراءة، لا تكاد المناقشات تتوقف عن تأثير الإنترنت على القراءة، فيما يقول جيمس بريدل فى صحيفة "الأوبزرفر" ان منتديات القراء تزدهر بالفعل على الشبكة العنكبوتية حيث تتردد باستمرار أسئلة مثيرة للارتياح بشأن حال القراءة مثل: "ما هو الكتاب التالى الذى تنصحونى بقراءته؟".

 

ثمة حاجة في هذا السياق لاستعادة صيحة الكاتب الراحل يوسف ادريس عن "أهمية أن نتثقف يا ناس!".. وإذا كان هناك من يتحدث عن "القارىء الجيد والقارىء السىء"، فالكلمة المكتوبة مسؤولية الكاتب والقارىء معا ، ولعل معرض القاهرة الدولي للكتاب يحمل البشارة هذا العام.. نافذة أمل وحلم يرتجى بكتاب لا يشكو الهجر!