عادل حمودة يكتب : رسالة إلى الملك سلمان بن عبدالعزيز

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


عودوا إلى العروبة تنقذوا الإسلام.. وارفعوا أيديكم عن سوريا تنقذوا السعودية
عادل حمودة يعيد ترتيب المشهد العربى فى مواجهة الفوضى الأمريكية
■ يمكن أن تقدم مصر دعما للجيش الليبى بإعادة التدريب.. وبالمعلومات المخابراتية.. لكن.. الأهم هو دعمها للشرعية.. بأن تتبنى حواراً بين الأطراف المختلفة على غرار مؤتمر الطائف الذى أنهى الحرب الأهلية فى لبنان


تعشق السياسة الأمريكية اللعب بالألوان.

تلخص عدوها فى لون واحد تسعى جاهدة لمحوه من علبة الألوان.

اختصرت الشيوعية فى اللون الأحمر.. والصين فى اللون الأصفر.. والإسلام فى اللون الأخضر.

ولو كانت العروبة حضانة الإسلام ومقر طقوسه المقدسة فإن القضاء عليها إضعاف لقوته الروحية.

لكن.. الملفت للنظر أن أجهزة التآمر الأمريكية استخدمت الإسلام لضرب العروبة.. كانت خطتها الأولى فرض «حلف بغداد» على الرقعة الإسلامية الممتدة من العراق إلى باكستان.. لكن.. المشروع القومى الذى استيقظ برعاية جمال عبدالناصر أجهض الخطة.

بعد هزيمة يونيو نشطت قوى «استعمال الإسلام» من جديد.. سيطرت الخلايا السرطانية على عقول الحكام قبل أن تمتد إلى أجساد الشعوب.. وحققت الرأسمالية الغربية انتصارا مجانيا على الإمبراطورية السوفيتية فى أفغانستان.. الدماء إسلامية من شرايين الأفغان.. والتمويل إسلامى من خزائن السعودية.. والسلاح أيضا جاء من مخازن دولة إسلامية.. مصر.

لكن.. القوة الإسلامية التى خرجت منتصرة فى أفغانستان لم تستخدم ضد إسرائيل -العدو الرئيسى للدول العربية والإسلامية- وإنما استخدمت ضد الدول العربية الإسلامية.. فقد سادت فى تسعينيات القرن الماضى حرب النظم والتنظيمات وكانت الرايات المرفوعة على أسلحة الطرفين كلها خضراء.

انشغلت مصر بمواجهة الإرهاب مبتعدة عن محيطها العربى وهو فى الوقت نفسه المجال الحيوى لأمنها القومى تاركة دول المواجهة مع إسرائيل تواجه مصيرها بمفردها.. احتل العراق وسرح جيشه.. وخرجت حماس من رحم المخابرات الإسرائيلية مبتسمة فى سعادة بعد اغتيال ياسر عرفات بالسم.

ورغم نجاة مصر من موجة الإرهاب السابقة فإن تدهور المشروع القومى فرض عليها مواجهة موجة جديدة.. أشد وأصعب.. ولحقت بها سوريا وليبيا واليمن.

فى مصر نجح الإخوان فى إقناع واشنطن بأن الإسلام المعتدل الذى يمثلونه سيضرب الإسلام المتطرف فى حالة من الغباء السياسى وقعوا فيه أملاً فى البقاء فى الحكم.. لم ينتبهوا إلى أن واشنطن صنعت وحشاً شرساً اسمه داعش.. بعد تجنيد قائده (البغدادى) فى مكان خفى لمدة ثلاثة شهور.. خرج بعدها ليعلن الجهاد ضد المسلمين.. داعيا للخلافة.. طارحاً مشروعاً «إيديولوجيًا» جذب إليه الشباب من جميع أنحاء الأرض.. مستفيداً من غياب مشروع مضاد.. بعد ضرب المشروع القومى.

فى الفراغ الذى تركه الأزهر وباقى الجامعات الإسلامية «الرسمية» أمسكت داعش بناصية الفتوى بلا مقاومة من المشايخ والعلماء.. وجددت شباب القاعدة التى خرجت منها وملأت الفراغ السياسى والدينى بشعارات براقة ومواقف حادة أغرت أجيالاً جديدة للانضمام إليها جاءوا يحملون خبرات العصر فى التكنولوجيا والميديا وحروب الجيل الرابع.

فى فيديو ذبح المصريين فى ليبيا بررت داعش ما فعلت بأنه انتقام لزعيم القاعدة أسامة بن لادن فى حالة من الحول السياسى والدينى لا يحمل مفاجأة.. فقد تعودوا على القصاص من الأمريكيين والإسرائيليين بقتل المسلمين.. وآخر مثال على ذلك أنهم ألقوا بجثث المصريين فى البحر كما ألقيت جثة بن لادن.

وكان واضحا أن ضرب المشروع القومى باستعمال الإسلام هدفه المباشر حماية إسرائيل.. أهم بند فى قائمة الأمن القومى الأمريكى خارج الحدود.. إن تيارات سياسية متنوعة فى الولايات المتحدة ترى أن الدولة العبرية تتجاوز الكيان السياسى الاستعمارى إلى ما هو أبعد.. إنها موقع استقبال المسيح المخلص فى آخر الزمان.. فى حالة إيمانية خاصة يصعب الاستهانة بها.

بدا واضحاً أن إسرائيل فى العين قبل القلب عندما سارع البنتاجون بتسريح الجيش العراقى بعد الغزو الأمريكى.. ولم يستغرق الأمر سوى ساعات.. وعاشت البلاد فى فوضى.. ولا تزال.

وسجن صدام حسين وأعدم فى عيد الأضحى بإحياء رمزى يصعب تخطيه.. لكنه.. قبل أن يشنق حذر الحكام العرب من نفس مصيره.. لكن.. لا أحد تعلم الدرس.

وجاء الدور على ليبيا.. وتولت المهمة قوى عسكرية شكلت من 40 دولة بقرار من مجلس الأمن هدفه حماية المدنيين.. لكن.. بعد 30 ألف غارة جوية يخدمها 17 قمراً صناعياً ويدعمها أربعة أساطيل بحرية سقطت ليبيا بعد مقاومة استمرت سبعة شهور.. أما المدنيون الذين وجبت حمايتهم فقد قتل منهم نحو خمسة آلاف شخص.. بجانب سجن 40 ألفاً آخرين منهم 4 آلاف امرأة.. يحملن سفاحا من مقاتلى داعش وأخواتها.

لقد كانت الطائرات القطرية تنقل مقاتلى القاعدة إلى مطار قرية غزالة فى العلمين قبل نقلهم إلى ليبيا براً.. وجاءت أفواج منهم من ناحية تونس بعد هبوط الطائرات القطرية فى قواعد عسكرية هناك.. نفذت الدوحة أكبر عملية زرع للخلايا الإرهابية فى أكثر من دولة عربية.

ودون وعى برؤية بعيدة لما يجرى على الأرض دعمت السعودية التنظيمات الإرهابية فى سوريا.. متصورة أنها ستساندها فى ضرب الشيعة.. وإسقاط النظام الذى وصف حكاما عربا باشباه الرجال.. لكن.. السيناريو الشهير تكرر.. الوحش الذى جرى تسمينه أصبح يهدد بالتهام من يقدم له الطعام والسلاح والدعم السياسى.. وعندما فاقت السعودية كان اليمن قد سقط.. وأصبحت حدودها الجنوبية مهددة بالقاعدة من ناحية والحوثيين من جهة أخرى.

وبصراحة شديدة.. لو سقطت سوريا فإن الأردن سوف يسقط.. والسعودية ستكون أكثر انكشافا ولن تصمد سوى عدة أسابيع.. ربما لا تزيد على أربعة.. ليصبح الطريق أمام السيطرة على المقدسات الإسلامية فى مكة والمدينة مفتوحا.. ولن تقدر على حمايتها كما فعلت من قبل عندما احتل المسجد الحرام جيهيمان العتيبى.

وبسقوط السعودية ستجد دول الخليج نفسها بين فكى الأسد.. وربما فقد بعضها عروبته.. لتجد الغالبية العظمى من شعبها هنودا وإيرانيين.

وربما يكون هناك من يرى فى سقوط الأسد انتصارا للديمقراطية على سلطة ديكتاتورية.. ولكن.. ما جرى فى العراق وليبيا واليمن ينفى ذلك.. فقد كان سقوط النظم الديكتاتورية فيها بداية تفكك دولها وتقسيمها وتفجير النعرات الطائفية والحروب الأهلية والخلافات المذهبية والثقافية.

ويثير السخرية أن دولة مثل قطر ساهمت فى الدعم المالى لضرب ليبيا بدعوى الديمقراطية وحقوق الإنسان التى لا تعرف عنها شيئا.. لكنها.. وفرت على قوى التآمر التمويل اللازم لتنفيذ خططها الشيطانية.. دون أن تدرك أن سقوط الخليج ولو كان الخطوة الأخيرة لن ينجيها من السفينة الغارقة بعد تحطمها.

ولو كانت مصر أنقذت مما دبر لها فإن عليها قراءة المشهد بوعى لا يخلو من الحذر.

إن على مصر العودة للمشروع القومى لسد الفراغ الذى يسده المشروع الداعشى القائم.. وليس ذلك رفاهية سياسية وإنما ضرورة استراتيجية.. دوائر الأمن القومى التى تبدأ من خارج حدوها (فى الشام وليبيا والسودان وفلسطين) تفرض عليها ذلك.. فاللؤلؤة المصرية تحتاج لتلك الصدفة المحيطة بها وإلا سحقت.

وما يدعم ذلك أن رئيسها يدرك ذلك بحكم خبرته العسكرية وبحكم فهمه لتجارب محمد على وجمال عبدالناصر ورمسيس الثانى.. فقد آمن هؤلاء أن خط الدفاع عن البلاد يبدأ من خارجها.

والمهمة الشاقة لتجديد المشروع القومى هى إقناع السعودية بأنه لا يتعارض مع توجهاتها الإسلامية.. يجب أن تستوعب السعودية أن العودة للعروبة لن ينقذها فقط وإنما ستنقذ الإسلام أيضا.. ولن ينجيها من الطوفان -الذى أصبح على أبوابها- الاستعانة بالولايات المتحدة بعد أن أدركت أنها منبع الشر عليها.

ولو لخصنا تلك الرؤية فى رسالة مختصرة ومحبة للعاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز لقلنا: « عودوا إلى العروبة لتنقذوا الإسلام وارفعوا أيديكم ولو مؤقتا عن سوريا تنقذوا السعودية».

ولابد أن تكون الخطوات المصرية محسوبة.. صحيح أن الضربات الجوية على مراكز داعش شفت غليل المصريين.. ولكن.. صحيح أيضا وجود ما لا يقل عن نصف مليون مصرى هناك.. يسهل الانتقام منهم.

كما أن التدخل العسكرى يجب أن يكون واعيا وحذرا ومدروسا بدقة حتى لا تجر مصر إلى مستنقع فى ليبيا يشبه المستنقع الذى جرت إليه قوى عظمى فى أفغانستان.. لم تستطع خلال سنوات طوال فى النجاح هناك.

والمؤكد أن الخطوات العسكرية الخارجية يجب أن تكون فى منظومة من التحالف العربى والدولى وتحت رعاية الأمم المتحدة وبقرار شرعى من مجلس الأمن.. وهو ما تسعى إليه مصر وتصر عليه.

إن ليبيا نظام اجتماعى وليس نظاما سياسيا.. نظام عشائرى مفاتيحه فى يد رموز القبائل.. ولم يحكم القذافى أكثر من 40 سنة إلا بفهمه لتلك الحقيقة.. يضاف إلى ذلك أن الشعب الليبى شعب مسلح.. يجيد القتال.. يمكن أن يشكل جيشا قويا من خمسين ألف جندى يختاروا من بين المليون لاجئ الذين يعيشون فى مصر.. لدعم السلطة الشرعية فى البلاد.

يضاف إلى ذلك أن الجيش الليبى كان جيشا قويا فقد كان هناك ألف طائرة وخمسة آلاف دبابة وأسطول متطور.. ويعنى ذلك أن العناصر البشرية الليبية يمكن أن تنفذ بنفسها ما يوكل إليها من مهام.. دون أن تحاسب على الآثار الجانبية.

ويمكن أن تقدم مصر دعما للجيش الليبى بإعادة التدريب.. وبالمعلومات المخابراتية.. لكن.. الأهم هو دعمها للدولة الشرعية فى ليبيا.. بأن تتبنى حواراً بين الأطراف المختلفة هناك على غرار مؤتمر الطائف الذى أنهى الحرب الأهلية فى لبنان.. وليبدأ الحوار بالاتفاق على حدود الدولة ورايتها ونشيدها الوطنى وليمتد بعد ذلك إلى ما هو أصعب وأشد.

لكن.. من جانب آخر على السلطة القائمة فى مصر إعادة النظر فى ضعف دور الأزهر.. وتركه القيادة الدينية لكل من هب ودب.. وإلا وجدنا اختيارا محدودا بين شبابنا.. إما التطرف أو الإلحاد.

على أن الأهم.. إعادة الروح للمشروع القومى.. ليس حماية للعالم العربى فقط وإنما حماية للإسلام أيضا.