أول عملية نصب على الحكومة باسم السيسى

أخبار مصر

بوابة الفجر


عندما حل الرجل المهم على العمارة التى أسكن فيها بشارع عدلى بوسط القاهرة، تغير الحال بين يوم وليلة، عمال يقومون بدهان «الأسانسير» وتغيير واجهته، لافتات تحمل اسما لمشروع قومى دعا إليه الرئيس السيسى عن إنتاج اللمبات الموفرة.. أضواء مقر شركة «نيازا» التى تنفذ المشروع تضوى، حالة انضباط وترقب لم تشهدها العمارة ومدخلها من قبل رغم أنها تضم عشرات العيادات للأطباء الكبار والمحامين ومقراً للجهاز المركزى للمحاسبات وكان يعيش فيها الفنان منير مراد.

حرص حارس العقار أن يلفت كل السكان بشكل مباشر أو غير مباشر، أن هناك شخصية مهمة فى العمارة، «إنه مستشار ومساعد الرئيس» و«شقيقه يعمل فى إحدى الجهات الأمنية السيادية»، هكذا أخبرنى البواب، ذات مرة عندما سعى بطريقة مستترة أن يحثنى ألا استقل «الأسانسير» مع الضيف المهم ليأخذه منفرداً ولا يضايقه أحد من السكان بحكم أنه «الباشا».

ووصلت التحذيرات المستترة من البواب وأصدقائه من أصحاب محال وصنايعية، أن آخذ حذرى، فى التعامل مع «الباشا»، الذى بدأ يغدق وعوده عليهم لحل مشاكل ومصالح لهم بحكم عمله مستشاراً للرئيس، وهو ما جعل كل من يتعامل مع «الباشا» يشعر أنه صاحب سطوة، ولم يدر بخاطرهم- ببالهم- أن «الباشا» ما هو إلا مسجل خطر يقوم بعملية نصب غير تقليدية.

ولم يقع ضحية لوهم النصاب العمال وبواب العمارة والعاملين فى الشركة بمقرها بشارع عدلى فقط، بل وصلت لأعلى المستويات بعد أن استطاع النصاب المحترف أن يوهم أربعة وزراء، وهم الكهرباء والاستثمار والبيئة، وزير الإنتاج الحربى، ومحافظ البحر الأحمر، ورئيس جهاز حماية المستهلك، ورئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية ورئيس الشركة القابضة للبترول ورئيس الشركة القابضة التابعة لها شركة النصر للإلكترونيات، وجيش جرار من الموظفين فى الحكومة، بأنه يعمل مستشاراً لرئيس الجمهورية للشئون الاقتصادية والتجارية، بعد أن زور خطاباً رسمياً صادراً من الرئاسة يحمل هذه الصفة.

حالة الاهتمام بـ«الباشا» لم تعر اهتمامى كثيرا، لكن بحكم أننى كنت أضطر كل يوم أن استقل الأسانسير الذى يقف فى الدور السادس، حيث مقر الشركة «نيازا»، أن اصطدم يومياً بمقر الشركة التى تدور فيها عملية نصب محترفة على الحكومة باسم الرئيس السيسى، جعلتنى أكون شاهد عيان على أول عملية نصب تتم على ثلث مجلس الوزراء باسم الرئيس السيسى.

واعترف أننى فى البداية لم يكن لدى أى شك، أن ما يحدث فى بيتى، من عملية نصب غير تقليدية، حتى عندما «طفحت» المجارى فى العمارة وكادت تغرق الأسانسير، قبل ما يزيد على أسبوعين، تهكمت على البواب قائلاُ له «معقولة العمارة ف ولكن واضح أن ذكاء النصاب الذى استطاع أن يوهم كل هؤلاء المسئولين فى الحكومة، جعل من الصعب أن يكتشف أمره بسهولة، خاصة أنه اختار مجال عمليته بطريقة احترافية، بداية من مقر الشركة التى يتواجد فيها أمن مكثف ليلا ونهاراً لحراسة المعبد اليهودى واختياره شركة قطاع أعمال تابعة للحكومة تدير المشروع الذى أعلنت عنه أثناء حملة الرئيس الانتخابية وبالطبع مشروع كبير باسم الرئاسة كان طبيعيا أن يسارع المسئولون أن يقدموا الخدمات والتسهيلات لإنجازه.

ولم يسأل أحد من المسئولين عن طبيعة الشخص الذى حمل معه خطابات وكارنيهات مزورة من الرئاسة، مما يدل أن غياب عملية التنسيق بين الحكومة والرئاسة.. كما أن النصاب سعى أن يرسخ صورة ذهنية عنه بأنه شخص ذو كيان كبير وقام بإجراء حوارات له مع بعض الصحف عن خطته الهادفة لإنتاج اللمبات الموفرة، مما يساعد فى حل أزمة انقطاع الكهرباء.

وحتى بداية الأسبوع الماضى كانت تسير خطة النصاب، كما رسمها، اجتماعات دورية تعقد فى مقر الشركة «نيازا» الذى يديرها اللواء المتقاعد عبدالعاطى والذى قام بتعيين شقيق النصاب الأصغر بالشركة مسئولاً عن توزيع اللمبات الموفرة، بل تعاقد مع موردين من الصين على استيراد 5 ملايين لمبة موفرة كمرحلة أولى فى العملية، على أن يتم استيراد 8 ملايين لمبة أخرى، والعمل على توفير ما يزيد على 25 مليون لمبة، بعد أن يتم التعاقد مع شركات خاصة بالإضافة لإنتاج شركة نيازا، وذلك بإجمالى تكلفة تصل إلى 625 مليون جنيه يتم تمويلها عن طريق البنوك، بعد أن يحصل على تسهيلات كبيرة فى تمويل العملية بمنحه قروضاً بفائدة فقط 1٫5% سنوياً..! كما حصل النصاب على وعود من وزارة البيئة ومحافظ البحر الأحمر على منحه تبرعات للمشروع القومى..

وخطط النصاب أن تقوم شركة نيازا بعملية بيع اللمبات الموفرة للجماهير وطرحها فى جميع المنافذ على أن يتم توزيعها على البطاقات التموينية، حتى يستفيد منها جميع المواطنين لأنه كان سيطرح اللمبة الواحدة كما أوهم المسئولين بسعر جنيه ونصف الجنيه، بينما تصل تكلفتها إلى 25 جنيها.. ! ووعدهم أن الفرق فى التكلفة سوف يتم تحصيله من تبرعات عدة جهات مثل وزارة البيئة وجهاز حماية المستهلك.

وكانت الأمور تسير كما خطط النصاب بعد أن تم تعيين شقيقه مسئولا عن التوزيع بشركة نيازا، مما يضمن أن حصيلة بيع اللمبات ستذهب إليه، وبعد أن يجمع حصيلة البيع يهرب.

ولم يشك أحد من المسئولين فى حقيقة الرجل، حتى وقع النصاب فى خطأ أدى إلى كشفه، وهو أن قام بإدخال صاحب شركة خاصة فى عملية توريد اللمبات، صاحب شركة فينوس ماجد أحمد، الذى اكتشف منفردا عملية النصب، وربما يرجع ذلك أن صاحب الشركة الخاصة تختلف عقليته عن الموظف الحكومى، فى أنه يدير ماله، وليس مالاً عاماً.

ويحكى لنا صاحب شركة «فينوس» بعد أن تم القبض على النصاب كيف اكتشف حقيقة النصاب، بعد أن تم تعيينه عضواً فى مجلس إدارة شركة نيازا، بعد التعاقد معه على توريد 10 ملايين لمبة موفرة.

ويسرد صاحب شركة فينوس الخاصة أن الشك بدأ يتسرب إليه فى أداء النصاب ومبالغته فى علاقته بالمسئولين بالدولة ويضيف: «لكنى لم أوقف العمل معه خاصة أننى كنت أتعامل مع شركة قطاع عام وكان اللواء عبدالنبى عبدالعاطى مسئول الإدارة فيها، يؤكد لى دائما الثقة فى المدعو رضا مبارز، لكن فى أحد الاجتماعات فى مقر الشركة بشارع عدلى فقد مبارز جهاز المحمول الخاص به، وجهاز التابلت، فطلبت منه أن يقوم بإبلاغ الشرطة وعمل توصية لدى المسئولين حتى يتم تتبع الجهاز والكشف عن سارق الموبايل، لكنه ارتبك ورفض القيام بأى إجراء».

يقول صاحب شركة فينوس: «زادت الواقعة من شكوكى حوله، فقمت بالتواصل عن طريق أحد معارفى مع المخابرات الحربية خاصة أن النصاب كان يدعى دائما أنه على صلة بالجهاز. وعلمت أن من نقوم بالتعامل معه نصاب محترف، وقام بتقديم بلاغ رسمى ضده للجهات المختصة ليتم الكشف عن اسمه. وبالكشف عن اسمه وجد أنه مسجل خطر نصب سبق اتهامه والحكم عليه فى 11 قضية ما بين اختلاسات تبديد أموال وشيكات بدون رصيد».

بعد بلاغ صاحب الشركة الخاصة بدأت الجهات والأجهزة الأمنية التحقيق والتحرك.. وفى مقر الشركة حيث يقع بيتى، لاحظت أن مقر الشركة مغلق والأضواء خافتة، ولافتات المشروع القومى اختفت، وكأن هناك مأتم..

سألت البواب ماذا حدث؟ فأجاب: «الباشا طلع نصاب يا أستاذ» وحكى لى قيام قوات خاصة باقتحام الشركة والقبض على المسئول فيها وأنه جار البحث عن النصاب رضا»، نظرت للبواب بحالة شماتة من أنه مقتنع أن النصاب مستشار للرئيس، فرد على بغيظ: «مش أنا بس اللى اتخميت فيه ده أربعة وزراء ونصف الحكومة اتخمت فيه»!!.

بعد الكشف عن عملية النصب تم القبض على المتهم رضا محمد مبارز وشقيقه، وتم حبسهما 15 يوماً على ذمة التحقيقات بتهمة النصب، وأفرج عن المسئول عن شركة نيازا.. ولم يسأل أى من المسئولين والوزراء عن الواقعة، حسب المعلومات المتوافرة لدينا.. !