"الحياء" بوابة العبور إلى الجنّة

إسلاميات

بوابة الفجر


الحياء خلق يبعثُ على فعل كل حسنٍ وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة، وهو رأس مكارم الأخلاق، وزينة الإيمان، وشعار الإسلام، كما في الحديث: "إن لكل دينٍ خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء". 

الحياء حياة القلب، وبدونه يكون القلب ميتًا لا حياة فيه ولا خير يُرجى منه، فقد حثنا -صلَّى الله عليه وسلم- على التحلي بالحياء في حياتنا وسلوكنا لأنه خلق يحبه الله -تعالى-، والحياء يقود إلى الجنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنَّة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النَّار".

والذي يتحلى بخلق الحياء يكف عن ارتكاب القبائح، ودناءة الأخلاق، ويحث على العمل بمكارم الأخلاق، فهو من خصال الإيمان، وقد روي عن سيدنا عمر -رضي الله عنه- أنَّه قال: من استحيى اختفى، ومن اختفى اتقى، ومن اتقى وُقي". 

والحياء لا يأتي إلا بخير كما قال -صلى الله عليه وسلم-، وأعظم الحياء شأنًا وأعلاه مكانة، وأولاه بالعناية والاهتمام هو الحياء من الله -تعالى-، الحياء ممن يراك أينما تكون، ولا تخفى عليه منك خافية -سبحانه- "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور"، "والله بما تعملون بصير".

فعلى العبد أن تستحي من الله المطلع على سره وعلانيته، وغيبه وشهادته، الذي لا تخفى عليه منه خافية، فاستشعار نعم الله -تعالى- الجليلة عليه وآلاءه، والتفكر في تلك النعم من شأنه أن يولِّد حياء عظيمًا من الله، إذ كيف نفعل ما يغضبه وهو الذي أنعم علينا بنعم لا تحصى، فليس من شكر نعم الله أن نأتي بالقبيح من الأفعال.

ولما غاب الحياء من الله عن كثير من الناس، تجرؤوا على محارم الله، فعن ثوبان -رضي الله عنه-: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لأعلمنَّ أقوامًا من أمَّتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله -عزَّ وجلَّ- هباءً منثورًا"، قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: "أمَّا إنَّهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنَّهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".

فحين يستقر في نفس العبد أن الله -تعالى- يراه، وأنه -تعالى- معه في كل حين، فإنه يستحيي منه -عز وجل- أن يراه مقصرًا في فريضة، أو مرتكبًا لمعصية، أو داعيًا إلى شرٍّ وفتنة، قال -تعالى-: "أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى"، "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ".

فمن دعته نفسه إلى معصية الله، فليختبئ في مكان لا يراه الله فيه، وأنى له ذلك، وهو -سبحانه- لا تخفى عليه خافية، قال -تعالى-: "يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا"، ولله در القائل:

وإذا خـلـوت بـريبــة فـي ظلمـــة *** والـنفـس داعـية إلى الـطغيـان

فاستحي من نظـر الإلـه وقل لها *** إن الـذي خـلق الـظـلام يـراني

ومن أراد أن يعصي الله فلا يعصه فوق أرضه ولا يأكل من رزقه، لأن كل ما في الكون لله -سبحانه-، فكيف لا يستحيي من يعصي الله ويسكن فوق أرضه ويأكل من رزقه ونعمه، فكل الخيرات والنعم من عنده -سبحانه-، قال -تعالى-: "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ".