"السنة النبوية" المصدر الثاني للتشريع

إسلاميات

بوابة الفجر


ما أجمل سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي نقلت لنا أقواله وأفعاله واعتقاده وأخلاقه وسلوكه وتعاملاته مع الناس، ليكون لنا فيه أسوة حسنة، لمن كان يرجو الله واليوم الآخر.

وللأسف ظهر في عصرنا الحديث من يهاجم سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وينكر الكثير من الأحاديث الصحيحة التي وضع العلماء لها ضوابط صارمة لإثبات صحتها وقبولها، لتصبح بذلك المصدر الثاني للتشريع في الإسلام.

ولاشك أن السنة المشرفة والقرآن الكريم لا يتم الدين والتشريع إلا بهما، فالسنة هي المبينة لكتاب الله عز وجل وشارحة وموضحة ومفسرة له، تفصل مقاصده وتتم أحكامه. فهي التطبيق العملي لما في كتاب الله تعالى، توضح معانيه، وتشرح ألفاظه، وتفصل أحكامه، بل جاءت بأحكام ليست في كتاب الله ولم يُنَص عليها فيه، وهي لا تخرج عن قواعده وغاياته، فلا يمكن الاستغناء عنها بحال وذلك لأهميتها العظمى في فهم دين الله تعالى.

ويقول الدكتور عبد الحليم محمود: (كان بيان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ - يشتمل على بيان ما أجمل في كتاب الله، أجمل القرآن الصلاة. “والزكاة والحج وفَصَّلَهَا رسول الله. بين ما فرض من الصلوات ومواقيتها وسُنَنِهَا وعدد ركعاتها، والزكاة ومواقيتها وكيف عمل الحج والعُمرة، كان يُبَيِّنُ كيفية الصلاة بقوله: " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "، وفي الحج: " خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ "، وفرض الله سبحانه الزكاة ولم يُبَيِّنْ مقاديرها ولم يذكر بالتفصيل الزروع والثمار والأموال التي تجب فيها، وقد بَيَّنَتْ السُنَّةُ أَنَّ القاتل لا يرث وأَنَّ الوصية لا تكون في أكثر الثلث وأَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ على الوصية".

لذلك جاءت الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة تأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتمسك بسنته، وأجمعت الأمة على ذلك، والأدلة كثيرة على ذلك لقوله تعالى: (وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً)، وقوله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)، وقوله تعالى: (وَمَا آتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ).

وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وآلخ وسلم ونبأنا بأقوام سينكرون السنة ويدعون للعمل القرآن فقط، فقال صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال؛ فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام؛ فحرموه، ألا وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله".

وقد نفت الآية الخامسة والستون من سورة النساء الإيمان عن كل من لا يعمل بحديث رسول الله وسنته وما جاء فيها من أحكام شرعية لأن الأمر يقتضي الوجوب، وقد أمرنا بطاعة الرسول، فما علينا إلا أن نعمل بكل ما ورد إلينا عنه عليه الصلاة والسلام من سنة صحيحة، يقول تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

حجيَّة السنة، ووجوب اتباعها، والتحذير من مخالفتها:
وقد انعقد الإجماع بين العلماء على أن السنة أصل من أصول الدين، وركن فى بنائه القويم، فيجب اتباعها، وتحرم مخالفتها، وعلى ذلك أجمع المسلمون، وتعاضدت الآيات على وجه لا يدع مجالًا للشك، وهى - بذلك - تعتبر المصدر الثاني للتشريع.

ومن المعلوم بالضرورة أن كل ما ورد عن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يوصف بأن فيه اختلافًا، والمعلوم أن كلا من القرآن والسنة موحًى به من عند الله عز وجل لقوله تعالى في حق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى .. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى).

ولهذا لم تأت سنة صحيحة واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تناقض كتاب الله - تعالى - وتخالفه، كيف ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المبين لكتاب الله، وعليه أنزل، وبه هداه الله؟! فهو مأمور باتباعه، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده، فلا يوجد تخالف، وإن حصل مخالفة فى ظاهر اللفظ؛ فيكون ذلك لخفاء المعنى والحكمة على المجتهد.