التقوى خير زاد للآخرة

إسلاميات

بوابة الفجر


الحياة نقطة الإنطلاق إلى رحلة الآخرة، نتزود فيها بما يعننا على عناء الرحلة ويخفف عنا ما قد نلاقيه، فالمسافر دائمًا ما يتزود بخير زاد من طعام وشراب وملابس وغيرها قبل انطلاقه في رحلته، أما المسافر إلى الآخرة فزاده مختلف .. فخير زاده التقوى.

يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ( [ سورة البقرة، الآية: 197].

لكن ما هي التقوى؟ ..
التقوى هي أن يجعل العبد بينه وبين مايخافه ويحذره وقاية تقيه منه، فتقوى الإنسان لربه أن يبعتد عن كل ما نهى الله عنه وأن يعمل بما يقيه من غضب الله وسخطه، ويقبل على ما أمر الله به.

وقد عرّف سيدنا الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- التقوى؛ فقال: "هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".

فالخوف من الله سبحانه وتعالى يدفع الإنسان إلى اجتناب ما حرم الله والابتعاد عن كل معصية، والعمل بما أنزل الله في كتابه الكريم وما جاء به النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله والتزام الشرع في كافة الأمور، وكذلك القناعة بالقليل فلا يمد الإنسان عينيه إلى ما أنعم الله به على أحد عباده ليحسده، بل يأخذ بالأسباب ويسعى إلى رزقه مع الرضا بما يقسمه الله له، وكل هذه الأمور تكون استعدادًا ليوم الرحيل حيث تجزى كل نفس ما عملت.
وقيل أن المتقي هو الذي يكون أشد محاسبة لنفسه من الشريك الصحيح لشريكه.

والتقوى كانت وصية الله -عز وجل- لعباده الأولين والآخرين؛ فقال -عز وجل-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].

والآيات في الحث على التقوى والترغيب فيها كثيرة وردت في كتاب الله عز وجل في أكثر من 280 موضعًا، ومن ذلك قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، وقوله تعالى: (وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللّهِ)، وقوله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً).

وهي أيضاً وصية رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- لأمته جميعاً حيث قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة". كما وصى أم المؤمنين السيدة عائشة، رضي الله عنها، فقال لها: ''يا عائشة، عليك بتقوى الله عزّ وجلّ، والرفق، فإن الرفق لم يك في شيء قط إلاّ زانه، ولم ينزع من شيء قط إلاّ شانه".

وقد وصى الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، الصحابي الجليل معاذ بن جبل -رضى الله عنه- بالتقوى؛ فقال: "اتق الله حيثما كنت، وَأَتبع السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالق الناس بخُلُق حَسَن"، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "التقوى هاهنا ويشير إلى صدره".

وروي أن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرَّ يومًا بالقبور؛ فقال: السلام عليكم أهل الديار الموحشة؛ والمحال المقفرة؛ أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع؛ وإن شاء الله بكم عما قليل لاحقون؛ يا أهل القبور: أما الأموال فقد قُسِمت؛ وأما الديار فقد سُكِنت؛ وأما الأزواج فقد نُكِحت؛ هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟.
ثم التفت إلى أصحابه وقال: أما إنهم لو تكلموا لقالوا: وجدنا أن خير الزاد التقوى.

فتزودوا للآخرة بالتقوى، فإنها خير زاد، اعملوا للآخرة، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، واتقوا الله في أنفسكم وأهليكم أموالكم وأعمالكم فإن التقوى خير معين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.