أحمــد متــولى يكــتب: "هـلاهُطــة" والأستــاذ أحمــد زكــى

الفجر الفني

بوابة الفجر


لم أتوقع أن يمر العمر سريعاً ويسدل الستار على أول 10 سنوات على رحيل "ملك التمثيل" أحمد زكى، والذى تربع على عرش الإجادة منفرداً بعيداً عن أبناء جيله من الفنانين الكبار، ليصبح أيقونة خاصة يضرب به المثل فى الاجتهاد والالتزام داخل الوسط الفنى وخارجه، لشدة تقمصه الشخصيات التى يقوم بتجسيدها ومعايشته لها للدرجة التى تجعلك تؤكد أن الذى تراه أمامك هو الرئيس "السادات" أو الزعيم "عبدالناصر" أو مجرد "بواب" من الصعيد الجواني.

 

الحظ لم يحالفني فى مقابلة أحمد زكى نهائياً خلال رحلته الفنية التى امتدت لـ38 عاما، ولكنه كان من نجومي المفضلين والذى كنت أحرص دائما على متابعتهم ومتابعة أخبارهم الفنية دوماً لشدة تعلقي بالوسط الفني وقتها، أملاً فى أن أصبح نجم سينمائى يوماً ما، قبل أن أكتشف أنني ليس لي علاقة بالتمثيل من قريب أو بعيد وأنني مجرد ممثل فاشل.

 

خلال دراستي بالثانوية كان التلفزيون المصرى هو الشاشة الوحيدة والعامل الترفيهي لجيلى، جيل الثمانينات، خاصة سهرات يوم الخميس والتى كان يعرض فيها دوماً إما حفلات ليالي التلفزيون أو عروض مسرحية كان أبرزها بالصدفة البحتة :"هاللو شلبي"، "العيال كبرت"، "مدرسة المشاغبين" أبرز 3 أعمال مسرحية للفنان الراحل، للدرجة التى جعلت أغلب جيلنا يحفظها عن ظهر قلب ويرددها، قبل الانطلاقة الرهيبة للتكنولوجيا وظهور الفضائيات والسموات المفتوحة والأقمار الصناعية المختلفة وتنوع مواقع التواصل الاجتماعي.

 

العروض المسرحية التى كانت تقدم على التلفزيون جعلتني أربط ما يفعله النجم الرحل أحمد زكي بما يقوم به "هـلاهُطــة"، وهو صديق قديم من أيام مرحلة الثانوية العامة اسمه الحقيقي أحمد عبدالرازق، والذى كان يجيد تقليد أحمد زكى فى كل شئ حتى فى ملامحه السمراء والشعر المجعد، وكان يحرص على مشاهدة كل مسرحياته وأفلامه ويقدمها فى فقرات مفتوحة بين تبديل الحصص للترفيه فقط على أصدقاءه لاستعراض موهبته فى تقليد الفنانين.

 

عقب انتقالي للجامعة، كان أول قرار اتخذته لتنفيذ حلم الطفولة هو الالتحاق على الفور بفريق مسرح كلية آداب عين شمس حتى أصبح ممثل مشهور مثل أحمد زكى لشدة إعجابي بتمثيله، هو و"العندليب الأسمر" عبدالحليم حافظ، والحظ كان حليفاً لي لأن أتعلق بنجمين لهما باع طويل فى النجومية والشهرة بحجم "النمر الأسود" و"العندليب"؛ فهما الاثنين من مواليد "الشرقية" نفس المحافظة التى انتمى لها، كما أنهما أصحاب بنيان جسمانى هزيل وضعيف مثلي تماماً، وما زاد الأمر تعلقاً بـ"أحمد زكى متولى" هو أسمه الكامل الذى يتشابه مع اسمى إلى حد كبير.

 

لم أكن أدرك أن التمثيل شئ مجهد ومتعب لهذه الدرجة، خاصة الوقوف على المسرح ورؤية الجمهور ورد فعلهم المباشر عليك، ولكني تعلمت وقتها أن التمثيل موهبة من الله يهبها لمن يشاء من عباده، وليس له علاقة بتشابهه الأسماء أو تشابهه الصفات، وأن أحمد زكي من القلائل الذى منحهم الله هذه النعمة، والتى رفض أن يكّون منها ثروات طائلة مثل باقى النجوم، مبتعداً عن حياة القصور والفلل والأسوار العالية المحاطة بالبودي جاردات وظل يعيش حتى قبل وفاته داخل أحد الفنادق الشهيرة بالقاهرة، قبل أن يفارق الحياة على سرير المرض داخل مستشفى دار الفؤاد.

 

أتمني مع حلول الذكرى العاشرة لرحيل "النجم الأسمر"، والتى تتزامن مع اليوم العالمي للمسرح، أن تفاجئنا وزارة الثقافة بتكريم يليق باسمه، أو يخصص رجل أعمال جائزة باسمه داخل أحد المهرجانات الدولية للسينما فى مصر، أو يطلق اسمه على ميدان داخل شوارع القاهرة، أو أقل شيء نفعله بمساعدة وزارة التربية والتعليم هو البحث عن الأطفال الموهوبين داخل المدارس مثل صديق دراستي "هـلاهُطــة"، وتنميتهم ودعمهم بمهرجان أو بمسابقة تخليداً لاسم الفنان الراحل لخلق جيل جديد هدفه تقديم فن جيد بعيد عن الابتذال والإسفاف.