حكم الجهر بـ "الذكر" في المساجد

إسلاميات

بوابة الفجر


أجابت لجنة أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن سؤال حول حكم الشرع في جلوس المصلين بعد صلاة العصر يوم الجمعة ليصلوا جميعًا على النبي -صلى الله عليه وسلم- بصيغة خاصة وبعدد محدد ويدعون الله عز وجل جميعًا!.

فقالت "دار الإفتاء" : مشروعية الجهر بالذكر ثابتة بالكتاب والسنة وعمل الأمة سلفًا وخلفًا، وقد صنف جماعة من العلماء في إثبات مشروعية ذلك.

وقد ورد الأمر الشرعي بذكر الله -تعالى- والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- مطلقًا، والذي يستلزم عموم الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال، فالأمر فيه واسع، وإذا شرع الله -سبحانه- أمرًا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثر من وجه، فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته، ولا يصح تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل.

قال -تعالى-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا"، فهذا خطاب للمؤمنين يأمرهم بذكر الله -تعالى-، وامتثال الأمر حاصل بالذكر من الجماعة كما هو حاصل بالذكر من الفرد.

وقال -تعالى-: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ"، وامتثال الأمر بمعية الداعين لله يحصل بالمشاركة الجماعية في الدعاء، ويحصل بالتأمين عليه، ويحصل بمجرد الحضور.

ومن السنة: عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: يَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-:" أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً"، رواه البخاري ومسلم.

ومن خصوص ما جاء في السنة من الجهر بالذكر جماعةً ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في التكبير في العيدين، فعن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد، وأن نضحي بأسمن ما نجد، والبقرة عن سبعة والجزور عن سبعة، وأن نُظهِرَ التكبير وعلينا السكينة والوقار"، رواه البخاري، الحاكم، والطبراني.

والثابت عن الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم جهروا في مواضع من الذكر، كما في تكبيرات العيد، سواء في ذلك التكبير المقيد الذي يقال بعد الصلوات المكتوبات، أو التكبير المطلق الذي يبدأ من رؤية هلال ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق، ففي صحيح البخاري "أن عمر -رضي الله عنه- كان يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج مِنًى تكبيرًا"، وهذا صريح في الجهر بالتكبير، بل وفي كونه جماعيًّا، فإن ارتجاج منى لا يتأتى إلا بذلك.

وهكذا جاء الأمر الإلهي بالصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"، وامتثاله حاصل بفعله في جماعة أو على انفراد.

وبناءً على ذلك: فالذكر الجماعي أمر مشروع في المسجد وفي غيره، وتبديعه في الحقيقة نوع من البدعة، لأنه تضييق لِمَا وسَّعه الشرع الشريف، ومخالفة لما ورد في الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح وعلماء الأمة المتبوعين.