تهديدات إقليمية تفرض على السعودية إبرام مصالحة بين السيسي والإخوان

أخبار مصر

بوابة الفجر


قال الكاتب الصحفي الألماني، ماتياس زايلر، ان العلاقات بين دول الخليج ومصر شهدت إعادة تنظيم مؤخرا، فالسعودية مستمرة في دعم القاهرة ولكن بشروط، مضيفا: سيتحتم على مصر التكيف مع المتغيرات الإقليمية، التي ستجعل الرياض تدفع مصر إلى الحد من قمع الإخوان.
 
وأضاف زايلر  فى مقال له على موقع "قنطرة": حتى فترة غير بعيدة كان الموقف الأساسي لدول الخليج الثرية تجاه مصر واضحًا، حيث كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتَّحدة والكويت تدعم النظام العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي دعمًا غير مشروط تقريبًا، وفي المقابل كانت دولة قطر تقف إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين بمصر، التي تم في شهر  يوليو 2013 خلع رئيسها المنتخب ديمقراطيًا، محمد مرسي، واعتقاله من قبل الجيش.
 
وتابع: منذ ذلك الحين قدَّمت الدول الداعمة الثلاث - وخاصة السعودية ودولة الإمارات العربية المتَّحدة - ثلاثة وعشرين مليار دولار أمريكي على الأقل بشكل مساعدات مالية وقروض وإمدادات نفطية إلى النظام العسكري المصري.
 
وأوضح زايلر فى مقاله، ان الواقع أثار الانتباه خلال تصريح أدلى به في مقابلة في شهر فبراير 2015 وزير الخارجية السعودي سعود بن فيصل الذي يشغل هذا المنصب منذ فترة طويلة، جاء فيه: "لا توجد لدينا مشكلة مع جماعة الإخوان المسلمين، مشكلتنا مع مجموعة صغيرة ترتبط بهذه الجماعة"، موضحا ان هذا جدير بالاهتمام من هذه الناحية، وذلك لأنَّ السعودية قد اعتبرت جماعة الإخوان في بداية عام 2014 تنظيمًا إرهابيًا، تمامًا بحسب مفهوم القيادة الجديدة في القاهرة، متسائلا: فما الذي حدث وماذا يعني هذا الترتيب الجديد بالنسبة للنظام العسكري في مصر، الذي يعتمد ماليًا على مساعدات دول الخليج؟.
 
 
وواصل: رأت السعودية أنَّ استقرار مصر بات في خطر منذ نهاية عام 2012 بناءً على تزايد الاستقطاب بين أنصار مرسي ومعارضيه. وأخيرًا وجدت المملكة العربية السعودية التهديد الثالث في تقارب الرئيس محمد مرسي من منافس السعودية اللدود إيران - على الرغم من أنَّ هذا التقارب كان حذرًا للغاية.
 
واستدرك زايلر: مع ذلك فإنَّ الوضع في مصر تغيَّر منذ عام 2013. إذ تم إضعاف جماعة الإخوان المسلمين المصرية كثيرًا من خلال القمع الواسع النطاق من قبل إدارة السيسي، كما فقدت بالإضافة إلى ذلك قدرًا كبيرًا من شعبيتها. ولذلك فإنَّ خطر "عدوى" المعارضة السعودية من خلال الإخوان المسلمين بات في الوقت الراهن ضئيلاً جدًا.
 
أمَّا فيما يتعلق بالخطر الثاني المتمثِّل في زعزعة استقرار مصر، أوضح زايلر ان إسقاط محمد مرسي لم يؤدِّ مع ذلك من وجهة نظر السعوديين إلى النجاح، بل على العكس من ذلك، حيث ازداد العنف المدفوع بدوافع سياسية ضدَّ نظام السيسي زيادة واضحة، مضيفا: التهديد الثالث ياتى فى ان إيران، تتعامل مصر على نحو ملائم لمصلحة السعودية: فحتى الآن لم يتم اتِّخاذ أية خطوات من الجانب المصري من أجل التقارب مع إيران.
 
وتابع: مع تنظيم داعش في العراق وانهيار الأوضاع في اليمن نشأت في الوقت نفسه بالإضافة إلى ذلك تهديدات جديدة مباشرة على الحدود السعودية، حيث أدَّى في اليمن الاستيلاء على السلطة من قبل الحوثيين المدعومين من إيران أيضًا إلى اتِّساع آخر لمجال نفوذ المنافس اللدود إيران، وبالإضافة إلى تأثيرها في العراق وسوريا ولبنان باتت إيران الآن تمارس تأثيرًا قويًا في اليمن أيضًا.
 
وأشار زايلر انه نتيجة لذلك فإنَّ السعودية باتت تنظر بشكل أكثر عصبيةً أيضًا إلى دور الولايات المتَّحدة الأمريكية التفاوضي في المحادثات النووية مع إيران، وذلك لأنَّ التوصُّل إلى اتِّفاق بين إيران والولايات المتَّحدة الأمريكية لا يعتبر في مصلحة السعوديين.
 
ولافت زايلر فى مقاله، أنَّ التهديدات الأمنية على حدود السعودية وزيادة نفوذ إيران بقوة تمثِّلان في الوقت الراهن بالنسبة للأسرة المالكة في السعودية أولويات أعلى بكثير من جماعة الإخوان المسلمين بمصر التي تم إضاعفها إلى حدّ كبير، مضيفا: لكن هذا في الواقع لا يغيِّر أي شيء في حقيقة أنَّ السعودية ما تزال تُصنِّف جماعة الإخوان على أنَّها تهديد، وفي المقابل على الأرجح أنَّ العنف السياسي المتزايد وأيضًا الوضع الاقتصادي الكارثي المرتبط به في ​​مصر يشكِّلان مصدر قلق كبير بالنسبة للسعوديين .
 
 وأكد الكاتب الصحفى، ان هذا التغيير في نظرة المملكة العربية السعودية إلى التهديدات التي تواجهها له نتائج مباشرة بالنسبة لمصر، إذ إنَّ المملكة العربية السعودية تسعى من أجل التعامل مع الأولويات الجديدة بما تستحق إلى جمع ما يمكنها من الحلفاء الإقليميين، مؤكدا: من أجل ذلك كان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز المتوفى في شهر يناير 2015 قد بدأ التقارب مع قطر، وهذا يعني التقارب مع ألد أعداء إدارة السيسي، وكذلك ينطبق الشيء نفسه على تركيا، التي تتَّخذ - مثل قطر - موقفًا معاديًا من النظام العسكري المصري: وهنا أيضًا بدأت السعودية عملية تقارب.
 
وتابع زايلر: هذا يعني بالنسبة لمصر من ناحية أنَّ عليها أن تقلل من حدّة خطابها العدواني ضدَّ قطر وتركيا، طالما كانت تريد الاستمرار في اعتمادها على الدعم السخي من السعودية، قائلا: لقد تبلور لدى مصر انطباع حول ذلك في شهر فبراير 2015 عندما اتَّهم السفير المصري لدى جامعة الدول العربية دولة قطر بدعم الإرهاب، وبعد ذلك بفترة قصيرة نشر مجلس التعاون الخليجي على موقعه على الإنترنت ردًا شديد اللهجة ينفي هذه الاتِّهامات، وقد صدر هذا الرد باسم الأمين العام لهذا المجلس - الذي تنتمي إليه بالإضافة إلى قطر كلّ من السعودية والإمارات العربية المتَّحدة والكويت.
 
 
واعتبر زايلر ان نظام السيسي في أمسِّ الحاجة لأن يثبت وجود نجاح في الاستراتيجية التي يتَّبعها من أجل الاستقرار السياسي وما يرتبط به من استقرار اقتصادي، مشيرا ان هناك تقارير غير مؤكَّدة حول لقاءات جمعت أشخاصًا مقرَّبين من الملك السعودي الحالي سلمان بن عبد العزيز مع سياسيين من المعارضة المصرية، من الممكن أن تكون - إذا كانت حقيقية - بمثابة دليل على أنَّ السعودية تشكّ منذ فترة طويلة في استراتيجية الاستقرار المتَّبعة من قبل السيسي.
 
 
وزعم زايلر ان العلاقات الشخصية بين عبد الفتاح السيسي والقيادة السعودية أقرب ما تكون في الوقت الراهن إلى كونها فاترة، قائلا: الأحاديث بين عبد الفتاح السيسي ورئيس مكتبه السابق، التي تم نشرها في شهر فبراير 2015 -ويبدو أنَّه تم تسجيلها بشكل سرِّي- تثبت احتقارهما وازدراءهما لدول الخليج. وعلى الرغم من أنَّ مصر قد نفت صحة هذه التسجيلات، لكن توجد العديد من المؤشِّرات التي تشير إلى صحَّتها، وعلى الأرجح أنَّ القيادة السعودية الجديدة لم تكن وبكلِّ تأكيد متحمِّسة وراضية عن ذلك.
 
وفى نهايه مقاله، اشار زايلر ان السعودية سوف تستمر أيضًا في دعم النظام العسكري المصري، وذلك بسبب مصالحها الخاصة، لكن مع ذلك يتعيَّن على السيسي أن يتكيَّف مع حقيقة أنَّ قطر وكذلك تركيا قد اكتسبتا المزيد من الأهمية بالنسبة للسعودية، وكذلك ازداد الضغط على مصر من أجل نجاحها في تحقيق الاستقرار، قائلا: إذا لم يتمكَّن السيسي هنا من تحقيق هذا الاستقرار، فمن الممكن حينها أن تدفع الرياض جنرالات مصر إلى إجراء تغيير في استراتيجية الاستقرار الخاصة بهم، وربما تدفعهم إلى الحدِّ من قمع الإخوان، على حد قوله.