مى سمير تكتب : ثروة تونى بلير من «بيع السلام» فى الشرق الأوسط

مقالات الرأي

بوابة الفجر


■ رئيس الوزراء البريطانى السابق ثروته وصلت إلى 80 مليون جنيه إسترلينى
■ حصل على 5 ملايين دولار بعد اجتماع واحد مع رئيس وزراء قطر 
■ يقدم الاستشارات للعديد من قادة وزعماء العالم
■ زوجته تقدم استشارات قانونية لشركة


كتاب جديد عنه يحمل عنوان «رجل خلف القناع»

كيف تتحول من رجل سياسة إلى مليونير؟ كيف تصنع من علاقاتك السياسية مصدرا لثروة لا تنتهي؟ كيف تستغل منصبك بعد أن تغادره؟ كل هذه الاسئلة يمكن تلخيص إجابتها فى اسم واحد وهو تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى السابق الذى تحول إلى واحد من أهم رجال الأعمال فى العالم ونجح فى تحويل علاقاته السياسية إلى وسيلة لتحقيق ملايين الدولارات.

فى 19 مارس الماضى صدر فى بريطانيا كتاب حمل عنوان (الرجل خلف القناع) لثلاثة من الصحفيين البريطانيين هم فرانسيس بيكيت، ديفيد هينكى، ونيك كوشن، الكتاب يتناول كواليس تلك الامبراطورية المالية التى صنعها تونى بلير الزعيم السابق لحزب العمال ورئيس الوزراء البريطانى.

منذ أن غادر منصبه كرئيس وزراء بريطانيا فى عام 2007،ويبدو الأمر وكأن إمبراطورية تونى مستمرة فى النمو على نحو متزايد. كرجل أعمال حقق بلير نجاحاً كبيرا باعتباره موظفا عاما سابقا، ينعكس هذا النجاح فى قائمة كبيرة من العقارات التى يمتلكها بلير إلى جانب أرباح وصلت إلى 80 مليون استرلينى حققها خلال عدة سنوات.

يبدو أن بلير نجح فى تحقيق كل هذه المكاسب بفضل لقبه كرئيس وزراء سابق، وأيضا بفضل فريق عمل كبير على درجة عالية من التميز، هذا إلى جانب امتلاكه شبكة من العلاقات عالية المستوى، ولعل هذه الشبكة هى سر النجاح الكبير الذى يحققه تونى بلير. قائمة طويلة من الزبائن الذين يتعاملون مع تونى بلير الذى تحول إلى مستشار دولى يقدم خبرته وعلاقاته لخدمة مختلف القادة والزعماء إلى جانب أهم الشركات الدولية.

1

ثروة ضخمة

بحسب الكتاب فإن تونى بلير عندما غادر منصبه كرئيس للوزراء قرر أن حياته لا يجب أن تتغير ولا يجب أن يشعر أنه لم يعد ذلك الرجل المهم ولهذا كان مهتما أن يظل محافظا على تلك المكانة التى وصل إليها على الرغم من مغادرته للمنصب الذى منحه هذه المكانة، ولهذا كان حريصا أن تظل السيارة التى تنتظره فى الشارع افضل سيارة. ومن غير المعلوم متى اتخذ بلير مثل هذا القرار ولكن المؤكد أن بلير اتخذه فى وقت مبكر والدليل أنه منذ أن غادر منصبه حقق أموالا أكثر من أى رئيس وزراء سابق فى تاريخ بريطانيا. لقد جمع ثروة تصل على أقل تقدير إلى 60 مليون استرلينى إلى جانب امبراطورية عقارية تصل قيمتها إلى 25 مليون استرلينى تضم أربعة منازل فى لندن، ومزرعة فى باكينجهامشير، منزل لابنته كاثرين بقيمة 975 ألف استرلينى، ومنزل لابنه نيكى بقيمة 1.35 مليون استرلينى، منزل لشقيقته بقيمة 600 ألف استرلينى ، وغيرها من المنازل التى تم شراؤها نقدا. وفى نهاية العام الماضى اشترت شيرى زوجة تونى بلير عشرة شقق فى مانشستر بقيمة 650 ألف استرلينى، ثم اشترت 14 شقة فى ساوث بورت بقيمة 1.3 مليون استرلينى. هذا إلى جانب المكتب الأنيق الذى يستأجره تونى بلير بما يعادل 550 ألف استرلينى فى العام، وهو المكتب المزين حوائطه بصور بلير مع قادة العالم. باختصار، حافظ بلير على تفاصيل حياته عندما كان رئيس الورزاء يدير شئون بريطانيا ويشارك فى إدارة العالم. كما حرص على أن تحمل حياته نفس تفاصيل الرفاهية التى تحملها حياة المليارديرات.

2

عالم سرى

يضيف الكتاب أن بلير حريص على إخفاء كافة التفاصيل المتعلقة بأعماله، وكان بلير قد أسس شركة بلير فى عام 2009، لإدارة الصفقات التجارية التى يعقدها بفضل علاقاته الدولية المتشعبة. ولكن صفقات هذه الشركة تتم إدارتها من خلال 12 كيانا قانونيا يجعل من الصعب معرفة من أين تأتى الأموال وإلى أين تذهب. هذه الكيانات القانونية مقسمة بين ما يعرف باسم شركات ويندرش وشركات فيررش وهى الشركات التى يديرها مجموعة من أكبر المحامين. تقدم هذه الشركة فى المقام الأول استشارات سياسية واقتصادية للعديد من الدول والأنظمة، كما يلعب بلير دور الوسيط بين الجهات الدولية المختلفة فى مقابل قدر كبير من الأموال. على سبيل المثال، وبحسب الوثائق الرسمية لمصلحة الضرائب البريطانية، فإن حجم أرباح شركة ويندرش فى عام 2011 وصلت إلى 12 مليون دولار.

ويشير صناع الكتاب إلى أنهم حاولوا التواصل مع المتحدثين باسم بلير إلى جانب عدد من العاملين الحاليين والسابقين، ولكنهم وصلوا إلى طريق مسدود، فكل من يتعامل مع بلير يوقع اتفاقية الحفاظ على السرية بما فى ذلك المتدربين. ويضيف صناع الكتاب أن أبسط المعلومات يتم التعامل معها باعتبارها أسرارا. غياب الشفافية والحرص على إخفاء كافة المعلومات المتعلقة بأعمال تونى بلير تزيد من حجم الشكوك حول طبيعة هذه الأعمال.

وإلى جانب شركته الخاصة ومؤسساته الخيرية، عين بلير، بعد ثمانية أشهر من مغادرته لمنصبه فى 10 يناير 2008، كعضو فى مجلس إدارة بنك جى بى مورجان الأمريكى العريق ووصل مرتبه الشهرى إلى 2 مليون دولار.

لكى يحقق هذه الثروة الضخمة، تحول تونى بلير إلى آلة لتصنيع الأموال، هو يدرك تماما أنه لا يخالف القانون ولا يرتكب خطيئة عندما يستغل العلاقات التى صنعها عندما كان فى منصبه لكى يحقق مكاسب مالية. وقد اعتادت الشخصية السياسية الغربية أن تحقق المكاسب المالية بعد مغادرتها لمنصبها. جون ميجور رئيس الوزراء البريطانى الأسبق بعد أن غادر منصبه التحق للعمل كمستشار فى الشركة الأمريكية مجموعة كارليلى. بعد مغادرتها لمنصبها عملت مارجريت تاتشر المرأة الحديدة ورئيس الوزراء البريطانية فى الثمانينيات كمستشارة مع شركة التبغ فيليبس موريس مقابل 500 ألف دولار سنويا.

3

كنز الشرق الأوسط

خلال تكوين هذه الثروة الضخمة، حرص بلير على أن يرسم صورة مثالية دولية سواء كمبعوث خاص للسلام فى الشرق الأوسط أو كمسئول عن عدد من الجمعيات والمنظمات الخيرية مثل مؤسسة تونى بلير للإيمان.

لقد قبل منصب مبعوث السلام الخاص فى الشرق الأوسط وهو المنصب الذى لا يتلقى عنه أى مرتب، ولكن بفضل هذا الاختيار، وعلى الرغم من دوره المحدود أو غير الملموس فى عملية السلام، إلا أن هذا المنصب أتاح له فرصة التواصل بشكل مستمر مع قادة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربى.

وفى 2010، وقع اتفاقا سريا مع شركة بترول السعودية من أجل الترتيب على تقديم الشركة إلى الشخصيات الهامة التى يعرفها فى الصين فى مقابل 41 ألف استرلينى شهريا، إلى جانب نسبة تقدر بـ2% من أى صفقة يتم عقدها. بحسب الشركة السعودية استمر هذا العقد لخمسة شهور.

وكان أوليفير مايلز السفير البريطانى السابق فى ليبيا قد طلب ضرورة قيام تونى بلير بالكشف عن طبيعة المصالح التجارية الخاصة به فى المنطقة. ويعد مايلز واحدا من مجموعة سفراء طلبوا استبدال بلير كمبعوث للسلام لأن منصبه يتعارض مع الصفقات التجارية التى يعقدها. لقد تحدث صناع الكتاب مع الناشطة السياسية الفلسطينية حنان عشراوى التى أشارت إلى أن الفلسطينيين عبروا عن احتقارهم للسيد بلير فى زيارة قام بها إلى الخليل فى عام 2009، عندما ألقوا بالأحذية فى وجهه، وأضافت أن بلير غير مفيد لعملية السلام فهو على حد وصفها لا طائل منه.

بحسب الكتاب، لم يسهم بلير فى حل الصراع الفلسطينى الاسرائيلى، لكنه فى المقابل نجح فى جلب عدد من الصفقات التجارية فى المنطقة. من أهم تلك الصفقت توفير تمويل لشبكة التليفون المحمول الثانية بقيمة 350 مليون دولار، ومصنع استخراج غاز لمجموعة بى جى. أصبح مشروع الوطنية لشبكة المحمولة الثانية فى وقت لاحق جزءا من صفقة إعادة تمويل بواسطة الشركة القطرية كيه-تل التى أخذت قرضا بقيمة 2 مليار دولار من بنك جى بى مورجان الذى يعمل فيه تونى بلير. ووصل حجم استفادة الاقتصاد الفلسطينى بما يعادل 250 مليون دولار. وقد كتب تونى بلير خطابا عن مشروع الوطنية إلى هيلارى كلينتون، التى كانت تشغل منصب وزير الخارجية الأمريكية، وتضمن الخطاب إشارة لحماسه الشديد للمشروع باعتباره جزءا من أجندة التغيير التحولى فى الأراضى الفلسطينية. وكتب بلير أن المشروع سوف ينتج أكبر استثمار فى الاقتصاد الفلسطينى، وأن فشل المشروع قد يرسل إشارات خاطئة عن احتمالات التحول وسوف يؤخر الاستثمارات الأجنبية فى فلسطين.

على ناحية أخرى فى بداية الفصل الخامس من هذا الكتاب، يشير الصحفيون البريطانيون إلى أن تونى بلير يقدم خدمات استشارية إلى الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى. وفى نفس إطار الحديث عن مصر، أشار الكتاب إلى أن الشركة القانونية (أمنيا استراتيجى) التى تملكها شيرى بلير زوجة تونى بلير تقدم الاستشارات القانونية لحكومة ألبانيا والبحرين، وكذلك لجماعة ضغط فى نيجيريا وشركة بترول فى مصر. تقدم هذه الشركة استشارات لمساعدة زبائنها فى إدارة المخاطر الأمنية والسياسية من وجهة نظر قانونية.

كما يخصص الكتاب الفصل التاسع للحديث عن علاقة تونى بالعديد من الأنظمة العربية. يركز هذا الفصل على علاقة تونى بلير بالنظام القطرى. بحسب الكتاب فإن رجل أعمال أمريكيا أكد لصناع الكتاب أن تونى بلير حصل على خمسة ملايين دولار فى مقابل اجتماع واحد عقده مع رئيس الوزراء القطرى ، وقد بدأت علاقة تونى بلير مع قطر عندما عرف حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطرى السابق فى عام 2010 مع رجل الأعمال الايرلندى باتريك ماكلين والذى كان يرغب فى مجموعة فنادق مايبورين فى مقابل 70 مليون دولار، وأكد له تونى بلير أنه من الممكن أن يتواصل مع قادة أبوظبى ، قطر، الكويت وعمان من أجل الحصول على تمويل يدعم هذه الصفقة. وبالفعل التقى رجل الأعمال الايرلندى مع جاسم ابن رئيس الوزراء القطرى السابق، وفى هذا الاجتماع أكد جاسم أن تونى بلير هو الذى اقترح على والده فكرة هذا الاستثمار. ويعد جون واتس المستشار السابق لتونى بلير عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء هو كلمة السر فى العلاقة القوية التى تربط تونى بلير بالنظام القطرى. يشغل جون واتس منصب المدير التنفيذى لشركة ال بى جيه للعلاقات العامة والمسئول عن أعمال الشركة فى العالم العربى والشرق الأوسط، وقد لعبت هذه الشركة دورا رئيسيا فى فوز قطر بتنظيم كأس العالم، وبحسب الموقع الرسمى للشركة فإن دورها تمثل فى قيادة حملة الاتصالات الدولية التى ساعدت قطر على الفوز بتنظيم كأس العالم.

ويشير الكتاب إلى أن شركة ال بى جيه قدمت استشارات لنظام بشار الأسد فى عام 2012، المثير أن الخطاب الذى أرسلته الشركة إلى نظام الأسد يشير إلى أن إدارة أوباما تريد استمرار نظام الأسد. ويعلق الكتاب أنه من غير المعروف كيف توصلت شركة تونى بلير لمثل هذا الاستنتاج، وتوقع الكتاب أن شركة العلاقات العامة فى بعض الأحيان تقدم لزبائنها ما يريدون أن يسمعوه. والأكثر إثارة للدهشة، بحسب الكتاب، أن بلير قد عبر استيائه من زعيم حزب العمال إى ميليباند بسبب اعتراضه على القيام بتدخل عسكرى فى سوريا للقضاء على داعش، مع العلم أن هذا التدخل قد يؤدى فى النهاية إلى ضرب القواعد العسكرية للأسد أيضا.

ويخصص الكتاب الفصل السابع من أجل الحديث عن علاقة تونى بلير مع الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى. يبدأ الفصل بالإشارة إلى أن بعض الوثائق التى تم العثور عليها فى منزل القذافى بعد الإطاحة بنظامه فى أعقاب ثورات الربيع العربى عام 2011، قد أشارت إلى أن بلير عقد، على الأقل، ستة اجتماعات خاصة مع تونى بلير منذ مغادرة الأخير لمنصبه فى عام 2007. بحسب الكتاب فإن أغلب هذه الاجتماعات تعلقت بصفقات البترول أو عمليات التفاوض من أجل رفع العقوبات عن نظام القذافى.

ويشير الكتاب إلى أن الرجل خلف القناع، هو رجل الأعمال الذى يرتدى قناع رجل السياسة، أو رجل الصفقات السياسية الذى يرتدى قناع رجل السلام.



3

جنرال خاض التجربة ويطرح السؤال الصعب:

لماذا خسر الجيش الأمريكى فى العراق وأفغاستان؟

تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دور القوة العظمى التى تتحكم فى مقاليد الشعوب، وتعتمد فى تأكيد هذه القوى على جيشها الذى تصل ميزانيته السنوية إلى ما يقرب من 500 مليار دولار سنويا. لكن بإلقاء نظرة سريعة على الحروب التى خاضها الجيش الأمريكى فى العقود الأخيرة، سنجد أن الفشل كان الحليف الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية. آخر حربين خاضتهما الولايات المتحدة تحت شعار الحرب على الإرهاب هما خير دليل على هذا الفشل. الحرب الأولى فى أفغانستان كانت تستهدف القضاء على تنظيم القاعدة، وقد دخلت أمريكا أفغانستان فى 2001 ولم يكن هناك سوى تنظيم واحد للقاعدة، اليوم تحول التنظيم فى أفغانستان إلى تنظيم مركزى له العديد من الفروع مثل تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية، القاعدة فى شمال إفريقيا، تنظيم جبهة النصرة فى سوريا، وكان تنظيم بوكو حرام فى نيجيريا يعد فرعا لتنظيم القاعدة قبل أن يعلن مؤخرا ولاءه لتنظيم داعش. أما الحرب الثانية فى العراق التى بدأت فى 2003، فقد أسفرت بالفعل عن إسقاط نظام صدام حسين ولكنها أفرزت عالم تنظيم داعش الارهابى الذى يعد نتيجة منطقية لسياسة الجيش الأمريكى فى العراق ويأتى على رأسها سياسة الصحوة السنية التى أطلقت سراح الارهابيين من السجون العراقية.

ما السر وراء خسائر الجيش الأمريكى، لم يستطع الأمريكان تحقيق انتصارات حقيقية على الرغم من الامكانيات الضخمة التى يمتلكونها، سؤال حاول الجنرال السابق بالجيش الأمريكى دانيال بى بولجير الإجابة عنه فى كتاب صدر فى نهاية عام 2014 فى الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان (لماذا خسرنا؟). خدم الجنرال المتقاعد مرتين فى العراق، كما تولى قيادة بعثة الناتو التدريبية فى أفغانستان من 2011 إلى 2013.

يرى الجنرال الأمريكى أن جذور هذا الفشل العسكرى الذى يعانى منه الجيش الأمريكى ترجع فى المقام الأول إلى الثقة المبالغ فيها التى شعر بها الجيش الأمريكى بعد إسقاطه السريع للأنظمة الحاكمة سواء فى أفغانستان أو العراق. كتب الجنرال دانيال بى بولجير (نحن تعثرنا بسبب نقص واضح فى التواضع)، وأضاف أنه واثق من قدرات الجيش الأمريكى ولكنه يرى أنه محاصر فى دائرة من الفشل والتى سوف تستمر لفتر طويلة من وجهة نظره.

فى محاولة لوضع إجابة محددة عن السؤال الصعب بشأن لماذا خسر الجيش الأمريكى؟ يقدم الكتاب ثلاث أطروحات. أولا، يرى الكاتب أنه مثل غيره من القيادات العسكرية التى شهدت ليس فقط حرب العراق وأفغانستان ولكن أيضا حرب البلقان والصومال وغيرهما من التدخلات العسكرية الأمريكية، فإن الجيش الأمريكى لم يكن يجب أن يتورط فى العراق وأفغانستان فى مسار إعادة بناء الدولة. فى تلك الأثناء يتحول الجنود إلى دبلوماسيين وفاعلى خير فى نفس الوقت، وهذه ليست مهمة الجنود، لا يستطيع الجندى أن يلعب هذه الأدوار ويساهم فى إعادة بناء دولة إلى جانب قيامه بمهمته العسكرية. كانت هذه المهمة بمثابة الورطة التى وجد الجيش الأمريكى نفسه فى مواجهتها دون أن يكون لديه القدرة على تخطيها أو مواجهتها، وليس من المفترض أن يكون لديه مثل هذه القدرة.

الأطروحة الثانية، تتعلق بسذاجة الإدارات الأمريكية فى قراءة الواقع وعدم قدرة الولايات المتحدة على فهم ما يحدث على نحو حقيقى سواء فى العراق أو أفغانستان، ويكتب الجنرال المتقاعد أن من الواضح للغاية أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أساءت إلى حد كبير فهم طبيعة المجتمعات فى كلتا الدولتين. وأكد أن الولايات المتحدة لم تستوعب حقيقة أن من المستحيل أن ينجح استخدام القوة العسكرية من أجل فرض نظام ديمقراطى على مجتمعات قائمة بشكل أساسى على مجموعة من العلاقات بين الفصائل والقبائل والطوائف الدينية المختلفة، وأضاف أن عدم قدرة أغلب الأمريكان فى الطبقة السياسية والدبلوماسية على فهم أن هذه المجتمعات مرتبطة بتاريخها وثقافتها ولا تريد التحرر منه وتطبيق النموذج الديمقراطى الأمريكى كان سببا فى تعرض الجيش الأمريكى لسنوات من الغضب والكفاح فى هذه الدول. وشدد الجنرال دانيال بى بولجير على أن مثل تلك الأهداف غير الواقعية للإدارات الأمريكية هى التى تؤدى إلى تورط الجيش فى مواجهات غير محسومة أو مؤكدة، ويضيف أن هذه السياسات وضعت الجيش الأمريكى فى وضع غير محتمل. فى أفغانستان والعراق، وجد الجيش الأمريكى نفسه فى موقف صعب ولم يكن قادرا على تحديد الجهات الصديقة من الفصائل المعادية له، وفى نهاية الأمر أدرك الجنود الأمريكان أن جميع المواطنين يشعرون بالامتعاض من هذا الدخيل الأجنبى الذى قام بغزو بلادهم. أكبر مثال على هذه الحقيقة، ما حدث فى العراق فى عام 2006 حيث دخلت البلاد فى حرب أهلية بين السنة والشيعة ووجد الجيش الأمريكى نفسه وسط هذه المعركة وكان يتلقى الضربات من جميع الاتجاهات.

الأطروحة الثالثة، تتعلق بتورط الجيش الأمريكى فى مكافحة التمرد أو مكافحة الجماعات المسلحة، ويرى الكتاب أن هذه المهمة غير مناسبة للقوات العسكرية التقليدية الأمريكية التى يلائمها التدخل والمغادرة السريعة.

ينتقد الكتاب سياسة الجيش الأمريكى الذى كان يجب أن يكتفى بالانتصار المبدئى الذى حققه ويغادر سريعا بدلا من السير فى طريق إعادة بناء الدولة ومكافحة التمرد. هذه الاستراتيجية تعتمد على الانتشار السريع وإسقاط الأهداف المستهدفة ثم المغادرة. ويضيف الكتاب أن الجيش الأمريكى كان يجب أن يغادر بسرعة، ولهذا فقد خسر الجيش لأن الجنرالات لم يدافعوا بقوة عن هذا التوجه ولكنهم فى المقابل تورطوا بشكل تدريجى ووجدوا أنفسهم فى وسط حرب طويلة ومنهكة وغير معتادة، والأهم أن حدود هذه الحرب غير محددة أو معروفة. بحسب الجنرال المتقاعد فإن الجيش الأمريكى لا يصلح سوى للحروب السريعة والتقليدية ولا تناسبه على الإطلاق الحروب غير التقليدية أو تلك الحروب التى تستهدف مكافحة التمرد أو القضاء على الجماعات المسلحة أو التنظيمات الإرهابية.