الأسباب الحقيقية لعدم مشاركة "الجزائر" في عاصفة الحزم

عربي ودولي

أرشيفية
أرشيفية



نشر المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة، دراسة بحثية للكاتب أبو الفضل الإسناوي، باحث أول مشارك متخصص في الشئون المصرية، تتناول الأسباب الحقيقية التي دفعت الجزائر إلى عدم المشاركة في عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية وتشارك بها مصر.

وقال: إشارات خافتة وحسابات غير معلنة يلوح بها الموقف الجزائري الرافض للأعمال العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، الذي يعبر عن اتجاه ثابت في السياسة الخارجية الجزائرية في تعاملها مع بؤر الصراع والتوتر العربية الآخرى. فتحفظها من قبل على فكرة انشاء قوة عربية مشتركة، واصرارها على دعم الحوار بين كافة الأطرف الليبية دون تدخل عسكري، بالإضافة إلى مطالبتها بتدوير منصب الأمين لجامعة الدول العربية- يطرح عدة تساؤلات، هي: هل هذا التوجه يكشف عن دور اقليمي تبحث عنه الجزائر خلال الفترة المقبلة أم أن هناك ثوابت دستورية وقانونية تحد من تحركات السلطة؟، وما هي تداعيات ذلك عليها خارجيا وداخليا، وهل سيشهد موقفها الرافض للمشاركة العسكرية في "عاصفة الحزم" تغييرا ولو على المستوى السياسي؟


مبررات الرفض:

الموقف الجزائري الرافض للأعمال العسكرية كمبدأ سواء في اليمن أو في غيره من المناطق العربية الملتهبة، يقوم على مبررات معلنة، ويعبر عن توجهات غير معلنة تخص طموحات قيد التشكيل، يمكن توضيحها كالتالي:

 (أ) مواقف معلنة، تعني أن السلطة الجزائرية تلجأ لتبرير موقفها وفقا لما يعرف بـ"تصدير الدساتير"، وهو يعني أن الحكومة الجزائرية تلقي مسئولية موقفها على دستور دولتها، وهو ما تم استخدامه على هذا النحو:

• العقيدة القتالية، التي تعني أن الجيش الجزائري لا يقاتل خارج حدود الدولة، وفقا للمادة "25" التي تنص على أن "تنتظم الطاقة الدفاعية للأمة، ودعمها، وتطويرها، حول الجيش الوطنى الشعبي، وتتمثل المهمة الدائمة للجيش الوطنى الشعبى فى المحافظة على الاستقلال الوطنى، والدفاع عن السيادة الوطنية، كما يضطلع بالدفاع عن وحدة البلاد، وسلامتها الترابية، وحماية مجالها البرى والجوى، ومختلف مناطق أملاكها البحرية". 

• خصوصية الداخل، وهو مبرر دستورى أيضا تم الترويج لاستخدامه، باعتباره يمنع السلطة في الجزائر عن اللجوء إلى الحرب، والمساس بسيادة الدول الآخرى، وحسم الخلافات الخارجية سلميا. ورغم أن الحكومة تصدر للخارج (الدول المشاركة في عاصفة الحزم) هذا النص الدستور المتضمن في المادة "26 "، إلا أن ذلك يشير إلى أن السلطة الجزائرية تريد أن تؤكد على هذا المبدأ تفاديا لمخاطر داخلية قد تتطور مستقبلا نتيجة اضطراب الوضع في الجنوب الجزائري بسبب المواجهة بين سكان وأحزاب الجنوب والسلطة، رفضا "مشروع الغاز الصخري".

(ب) توجهات غير معلنة تتعلق بطموحات قيد التشكيل، من المرجح أن يكون اتباع السلطة الجزائرية في تقديم الحلول السلمية للنزاعات الإقليمية يعبر عن طموح جزائري للعب دور إقليمي يعتمد فقط على الوساطة المفقودة بين الأطراف المتصارعة. وهذا الدور قد لقي دعما من واشنطن، حيث تضمن البيان المشترك الذي صدر عقب الدورة الثالثة للحوار الاستراتيجي– الجزائري المنتهي منذ أيام على "إدراك" واشنطن بالدور الذي تقوم به الجزائر في اللجوء للحلول السلمية والتقريب بين الأطراف المتنازعة في المنطقة بما في ذلك نتائج وساطتها بين الحكومة المالية والجماعات المسلحة في شمال مالي، وكذلك محاولة التقارب بين الأحزاب الليبية، واتفاق الجزائر والولايات المتحدة على أن حكومة وحدة وطنية في ليبيا تمثل ضرورة لوضع حد للتهديدات الليبية، بالاضافة إلى التزام الطرفين بمساعدة طرفي النزاع حول الصحراء الغربية من أجل التوصل إلى حل سياسي يقبله الطرفان.

تداعيات الموقف:

تتشكل ملامح تداعيات موقف الحكومة الجزائرية الرافض للمشاركة العسكرية في "عاصفة الحزم" سواء على مستوى علاقتها بالأطراف في الداخل، وعلاقتها بالأطراف العربية المشاركة في الضربة العسكرية، ويمكن تحديدها على النحو التالي:

أ- تداعيات الداخل، وهنا نشير إلى أن دعم أحزاب السلطة لموقفها، في ظل رفض قوى المعارضة التي تتمثل في ما يعرف بـ"تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي"، التي تجمع ما بين أحزاب الإسلام السياسي الستة (حركة مجتمع السلم حمس، وحركة النهضة، والاصلاح الوطني، والبناء الوطني، العدالة والتنمية، جبهة التغيير)، وبين أحزاب القوى المدنية المعارضة التي منها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية- سيؤدي ذلك إلى:

• مزيد من التقارب بين تيار الاسلام السياسي والتيار المدني في الجزائر خاصة بعد انفصال حركة حمس عن التحالف الرئاسي وتقدمها لصفوف المعارضة، ومزيد من ضغوطها على السلطة بمطالبتها بانتخابات رئاسية مبكرة، وتطبيق المادة "88" من الدستور، وهو الأمر الذي قد ينتهي إلى مضاعفة مستوى معارضة النظام، خاصة بعد تهديد الرئيس "بوتفليقة" لتلك الأحزاب باستخدام الصرامة والحزم في مواجهتها منذ أيام.

• مزيد من التقارب بين حركات الإسلام السياسي السلمية التي تحولت إلى ما يشبه خلية انشطارية تفرخ كل بضعة أشهر تشكيلة سياسية جديدة، حيث اعتبروا أن عاصفة الحزم "حربا مقدسة" وأن رفض السلطة المشاركة فيها هو دعما لـ"الذراع الإيراني الصفوي".

(ب) تداعيات الخارج، من المرجح أن تقتصر تداعيات الموقف على مستوى مكانة الجزائر عند دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، ويرجع ذلك إلى أن الجزائر بالاضافة إلى موقفها من المشاركة، أكدت على اعتبار الحوثيين طرف أساسي في المعادلة السياسية اليمنية. فقد تتعرض الجزائر في حالة ثباتها على موقفها لعزلة سياسية من دول الخليج، تنتهي بتغييرات محدودة في مسارات وشكل التحالفات الجزائرية مع دول الإقليم، فمن المحتمل أن تكون الجزائر خلال الفترة المقبلة أكثر انسجاما مع إيران.

حدود التغيير:

ثوابت تحركات السياسية الخارجية الجزائرية في الفترة الأخيرة، وتبنيها سياسة تمكين التوسع في دائرة الحوار لجعله هيكلا يقوم على تنمية العمل السياسي، بالإضافة إلى احساس السلطة الجزائرية الدائم بنجاح تجربتها في مكافة الإرهاب وتصديرها للسلم قد يجعلها تحاول أن تلعب دورا في سياق دبلوماسية الحوار بين المملكة العربية السعودية وإيران لمحاولة تقريب وجهات النظر. وبالتالي يمكن القول أن الموقف الجزائري الرافض للمشاركة في العمل العسكري لن يتغير على المدى القريب، وأنه في حالة الفشل في تحقيق هذا التقارب، والذي قد يمتد نطاقه إلى ما بين الأطراف المتصارعة في الداخل اليمني، فستضطر الجزائر إلى أن تتزحزح يمينا في موقفها السياسي من الضربة العسكرية.