ما حكم تقبيل قبر الرسول وقبور الأولياء الصالحين ؟

إسلاميات

بوابة الفجر


أجابت لجنة أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن سؤال حول حكم تقبيل قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقبور الأولياء الصالحين.

فقالت "دار الإفتاء": شيئان لا بد من التأكيد عليهما قبل الجواب على هذا السؤال:

1) أن الخلاف الوارد في هذه المسألة ونظائرها من جنسها خلافٌ سائغ لا يترتب على الأخذ برأي معين منه كفر وإيمان، فما آل إليه الخلاف في مثل تلك المسائل إلى صحة أحد الأقوال وضعف المقابل، وهذا شأن الظنيات، والغفلة عن هذا الضابط تؤدي إلى خطأ التصور والحكم.

2) أن مجرد التسليم بكون تلك المسألة من قبيل الظنيات التي لا تتمخض الأقوال فيها إلى الكفر والإيمان، مع عدم بحثها في إطارها الخلافي الذي بُحِثَت فيه بين الفقهاء؛ يؤدي أيضًا إلى خطأ في الحكم.

وتقبيل قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقبور صالحي الأمة نوع من التبرك بهم، وأجازه غير واحد من العلماء إن قُصِد به التبرك، لا إن قُصِد التعظيم، وهذا هو المعتمد عند الشافعية، نصَّ عليه غير واحد من علمائهم.

والدليل على جواز تقبيل قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقبور الأولياء الصالحين: ما ورد من جواز تقبيل الحجر الأسود واستحباب ذلك، فقد بوَّب البخاري: باب تقبيل الحجر، وأورد فيه حديثين عن عمر بن الخطاب وابنه، وبوَّب مثله أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والدارمي وغيرهم، فعن عمر أنه جاء إلى الحَجَر فقبَّله فقال: إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك.

فقد استنبط بعض العلماء من مشروعية تقبيل الأركان جواز تقبيل كل من في تكريمه وتشريفه تعظيم لله -عز وجل- ويرجى البركة والمثوبة بتوقيره ومحبته، من آدمي وغيره، ودخل في ذلك كتب العلم والمصحف الشريف وقبور الصالحين، وقد ذكر الحنفية -وهو المذهب عند الحنابلة- جواز تقبيل المصحف، تكريمًا له، لما روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يأخذ المصحف كل غداة ويقبِّله، ويقول: عهد ربي ومنشور ربي -عز وجل-، وكان عثمان -رضي الله عنه- يقبِّل المصحف ويمسحه على وجهه.

ولا يقال: إن جواز التقبيل لابد فيه من توقيف، لأن قول عمر -رضي الله عنه-: ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك معارَض بما روي عنه من تقبيل المصحف، وبما روي عن غيره كما سبق، ولا توقيف فيه، ولعل ما قاله عمر -رضي الله عنه- رأي له وأنه لا توقيف في مثل ذلك، فالأمر واسع، وقد رد الإمام الذهبي على مَن قال: لِمَ لَم ينقل عن الصحابة تقبيل قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال معلِّلًا: "لأنهم عاينوه حيًّا، وتملوا به، وقبَّلوا يده، وكادوا يقتتلون على وضوئه، واقتسموا شعره المطهَّر يوم الحج الأكبر، وكان إذا تنخَّم لا تكاد نخامته تقع إلا في يد رجل فيدلك بها وجهه، ونحن فلما لم يصح لنا مثل هذا النصيب الأوفر ترامينا على قبره بالالتزام والتبجيل والاستلام والتقبيل، ألا ترى كيف فعل ثابت البناني؟، كان يقبِّل يد أنس بن مالك ويضعها على وجهه ويقول: يد مست يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

وقد يوجَّه النهي عن تقبيل القبر النبوي بأن النهي عنه تأدبًا، فليس له علاقة من قريب أو بعيد بمسائل الإيمان والكفر، وقد نقل ابن حجر عن الحليمي عند الكلام على آداب زيارة القبر النبوي قوله: "يكره إلصاق البطن والظهر بجداره، وكذا مسحه بيده وتقبيله والسجود عليه، بل من الآداب أن يبعد عنه كما كان يبعد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لو كان حيًّا"، فالنهي عن ذلك من قبيل الآداب فلا مدخل للكفر والشرك.

وعلى ذلك فتقبيل القبر الشريف وقبور الأولياء الصالحين جائز تبركًا، ونهيب بالمسلمين عدم التفرق بسبب الأخذ برأي معين في هذه المسائل، فالعمل على لمِّ الشمل آكد وأوجب، والله -تعالى- أعلم.