الإعجاز العلمي في سورة "الروم"

إسلاميات

بوابة الفجر


الموضوع الرئيسي حول قضية العقيدة شأنها في ذلك شأن كل القرآن المكي‏ ومن قضايا العقيدة الأساسية الإيمان بوحدانية الخالق سبحانه وتعالى وبوحدة الرسالة ووحدة الخلق‏,‏ والإيمان بالآخرة وأهوالها‏ ومنها هول البعث‏,‏ وهول الحساب‏,‏ وهول الميزان‏,‏ وهول الصراط‏,‏ وحتمية الجزاء‏,‏ وحتمية الخلود في الحياة القادمة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏...!!‏
وقد ابتدأت السورة الكريمة بالتنبؤ بحدث غيبي قبل وقوعه بعدة سنوات ألا وهو انتصار الروم علي الفرس بعد هزيمتهم أمامهم قبل نزول هذه السورة المباركة بعدة سنوات‏.‏ وتزخر السورة بالأمر بتسبيح الله‏,‏ وتنزيهه وحمده‏,‏ وبالاستشهاد بعدد كبير من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة قدرته وشمول علمه‏,‏ وعدل قضائه‏...!!‏
وتنصح السورة النبي والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بأن يقيم وجهه لدين الإسلام الحنيف‏,‏ الذي لا يرتضي ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من عباده دينا سواه‏,‏ لأنه دين الفطرة التي فطر الله‏(‏ تعالي‏)‏ الناس عليها‏,‏ والتي لا تبديل لها‏,‏ وإن كان أكثر الناس لا يعلمون ذلك‏,‏ وتأمر المسلمين بالإنابة إلي الله وتقواه‏,‏ كما تأمرهم بإقام الصلاة‏,‏ وبالحذر من الوقوع في دنس الشرك بالله‏,‏ لأن الذين أشركوا قد فرقوا دينهم‏,‏ وكانوا شيعا عديدة حسب أهوائهم‏,‏ وكل حزب منهم فرح بما لديه‏...!!!‏
وتحدثت السورة الكريمة عن شيء من التقلب في طبائع النفس البشرية‏,‏ والذي لا تستقيم معه الحياة السوية‏,‏ مثل اللجوء إلي الله تعالي في الشدة‏,‏ والإعراض عنه في الرخاء‏,‏ والإيمان به‏(‏ تعالي‏)‏ في لحظات الضيق‏,‏ والشرك أو الكفر به‏(‏ تعالي‏)‏ وبما أنزل في لحظات السعة والرحمة‏,‏ وتضرب السورة مثلا للناس من حياتهم علي سخافة فكرة الشرك بالله إذا ناقشها العقل بشيء من الموضوعية والحيدة‏.‏

ومن مكارم الأخلاق التي تدعو إليها السورة الكريمة‏:‏ الأمر بإخراج الزكاة وإيتاء ذي القربى‏,‏ والمساكين وأبناء السبيل‏,‏ والنهي عن أكل الربا‏,‏ علي أن ينطلق ذلك كله من الإيمان بأن الله تعالى هو الخالق‏,‏ الرزاق‏,‏ المحيي‏,‏ المميت‏,‏ وتربط السورة بين ظهور الفساد في البر والبحر وبين أعمال الناس وما كسبت أيديهم‏,‏ وتأمر بالسير في الأرض لاستخلاص العبر من سير الأولين‏,‏ومصائر الظالمين‏.‏

وتؤكد السورة مرة ثانية لخاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ضرورة الاستقامة علي الدين القيم من قبل أن تأتي الآخرة فيصدع بها كل الخلائق ثم يجزي كل بعمله‏.‏ ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها سورة الروم علي طلاقة القدرة الإلهية‏:‏ خلق السماوات والأرض‏,‏ وخلق الأحياء‏,‏ وخلق الإنسان‏,‏ كل ذلك في زوجية تشهد للخالق وحده‏(‏ سبحانه‏)‏ بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ ومنها اختلاف ألسنة الناس وألوانهم‏,‏ وإعطاء الإنسان الاستطاعة علي النوم بالليل أو في النهار‏,‏ وعلي ابتغاء فضل الله‏,‏ ومن آياته الرعد والبرق‏,‏ وإنزال المطر‏,‏ وإحياء الأرض بعد موتها‏,‏ وقيام السماوات والأرض بأمره‏,‏ وخضوع كل من فيها أو عليها بأمره‏,‏ وبعث الموتى بأمره‏,‏ وأنه هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده‏,‏ وله المثل الأعلى في السماوات والأرض‏.‏

ومن آياته إرسال الرياح برحمة منه وفضل‏,‏ وجري الفلك بأمره‏,‏ وإثارة السحاب‏,‏ وما يستتبعه من أحداث بأمره‏,‏ ومرور كل حي بمراحل من الضعف‏,‏ ثم القوة‏,‏ ثم الضعف والوفاة‏,‏ ومن آياته أنه يحيي الموتى وأنه علي كل شيء قدير‏...!!‏ وتذكر السورة خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم‏ بشيء من قصص من سبقه من الأنبياء والمرسلين‏,‏ وما أصاب أقوامهم من انتقام من الظالمين‏,‏ ونصر للمؤمنين‏,‏ كما تذكره‏ صلوات الله وسلامه عليه‏ بأن ما عليه إلا البلاغ‏.‏

وتختتم السورة الكريمة مرة أخري بالحديث عن البعث وأهواله‏,‏ وعن مصير أهل الكفر والشرك والضلال في هذا اليوم العصيب‏,‏ ومصير أهل الإيمان والتقوى‏,‏ وتكرر الإشارة إلي شيء من طبائع النفس البشرية‏,‏ وقد ضربت لها آيات القرآن الكريم من كل مثل‏,‏ ولكن الذين كفروا لا يؤمنون‏,‏ فالله‏ تعالى قد طبع علي قلوب الذين لا يعلمون‏.‏

وتنتهي السورة بتثبيت خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم‏ بوصية من الله‏ تعالى له بالصبر علي استخفاف الكفار والمشركين بدعوته‏,‏ والاطمئنان بأن وعد الله حق‏,‏ وهو واقع لا محالة‏...!!‏
والآيات الكونية الواردة في سورة الروم تحتاج إلي مجلدات لتفصيل دلالاتها‏,‏ ولإظهار جوانب الإعجاز العلمي فيها‏,‏ ولكني سأقتصر في هذا المقال علي الإشارة القرآنية إلي الموقع الذي هزمت فيه جيوش الروم علي أيدي جيوش الفرس بالتعبير‏:‏ أدني الأرض‏,‏ وقبل الدخول في ذلك لابد من عرض الدلالة اللغوية لهذا التعبير ولأقوال المفسرين فيه‏.‏

أدني الأرض في اللغة العربية:
يقال في اللغة‏:(‏ دنا‏)(‏ يدنو‏)(‏ دنوا‏)‏ بمعني قرب بالذات أو بالحكم‏,‏ ويستعمل في المكان‏,‏ والزمان‏,‏ والمنزلة‏,‏ كما يعدي فيقال‏(‏ أدني‏)(‏ يدني‏)(‏ أدناءة‏),‏ ويقال‏:(‏ دانيت‏)‏ أو‏(‏ أدنيت‏)‏ بين الأمرين أي قاربت بينهما‏,‏ حتي صارت بينهما‏(‏ دناوة‏)‏ أي‏:‏ قرب أو قرابة‏..‏ و‏(‏الدني‏)‏ القريب‏,‏ و‏(‏الدنئ‏)‏ بمعني الدون‏,‏ الخسيس‏,‏ وقد‏(‏ دنأ‏)(‏ يدنأ‏),‏ وفيهما‏(‏ دناءة‏),‏ ويقال‏:(‏ دنؤ‏)‏ بمعني انحط‏,‏ و‏(‏الدنيئة‏)‏ هي النقيصة‏.‏

وقال‏(‏ سبحانه‏):‏ {ثم دنا فتدلي‏.‏ فكان قاب قوسين أو أدني‏}..[‏ النجم‏:9,8].‏ وفي الحديث الشريف‏:‏ إذا أكلتم فادنوا أي كلوا مما يليكم‏.‏ ويعبر بـ‏(‏ الأدني‏)‏ تارة عن الأقرب فيقابل بالأبعد‏(‏ أو الأقصي‏)‏ من مثل قوله‏ تعالى :{إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوي‏.}..[‏‏ الأنفال‏:42].‏

وتارة ثانية يعبر بها عن الأخفض‏(‏ أو الأحقر‏)‏ فيقابل بالأعلي‏(‏ أو الأعز‏)‏ وذلك من مثل قوله‏ تعالى :‏ ‏{يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين‏.}..[الأحزاب‏:59].‏

وتارة ثالثة تأتي بمعني الأقل في مقابل الأكثر من مثل قوله‏ تعالى :{ ولا أدني من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم‏.}..[‏ المجادلة‏:7]‏.

وتارة رابعة يعبر بها عن الأرذل فيقابل بالذي هو خير‏,‏ وذلك من مثل قوله‏ تعالى‏ :‏{ قال أتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير‏.}..[ البقرة‏:61]‏.

وتارة خامسة يعبر بها عن الأولي‏(‏ الدنيا‏)‏ في مقابلة الآخرة وذلك من مثل قوله‏ تعالى :{منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة‏}..[آل عمران‏:152].

وسميت‏(‏ الدنيا‏)‏ بهذا الاسم لدنوها‏,‏ والجمع‏(‏ الدنا‏),‏ وأصله الدنو فحذفت الواو لاجتماع الساكنين‏,‏ والنسبة إليها‏(‏ دنياي‏),‏ وقيل‏(‏ دنيوي‏)‏ ودني‏,‏ ويقال‏:(‏ تدني‏)‏ فلان أي‏(‏ دنا‏)‏ قليلا قليلا‏,‏ و‏(‏تدني‏)‏ المستوي بمعني هبط‏,‏ و‏(‏تدانوا‏)‏ أي‏(‏ دنا‏)‏ بعضهم من بعض‏.‏

ثم جاءت النبوءة الصادقة الخاصة بغلبة الروم في بضع سنين‏....‏ وأضاف رواية عبدالله بن مسعود‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ مؤكدا أن هذا الحادث قد وردت فيه روايات كثيرة‏,‏ تتفق كلها في المعني والدلالة‏,‏ وتختلف في الألفاظ وطرائق التعبير‏.‏ وجمع الكاتب‏(‏ رحمه الله‏)‏ من هذه الآيات القرآنية الكريمة عددا من الإيحاءات منها‏:‏ الترابط بين الشرك والكفر في كل مكان وزمان أمام دعوة التوحيد والإيمان‏;‏ ومنها الثقة المطلقة في وعد الله كما تبدو في قولة أبي بكر‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ في غير تلعثم ولا تردد‏,‏ والمشركون يعجبون من قول صاحبه‏,‏ فما يزيد علي أن يقول‏:‏ صدق‏,‏ ويراهنونه فيراهن وهو واثق‏,‏ ثم يتحقق وعد الله‏,‏ في الأجل الذي حدده‏:‏ في بضع سنين‏...‏

ويوم بدر وقع في السنة الثانية من الهجرة‏(‏ الموافق سنة‏624‏ م‏),‏ وعلي ذلك فإن هزيمة الروم علي أيدي الفرس لابد وأنها كانت قد وقعت في حدود سنة‏614‏ م إلي‏615‏ م‏.‏ وجاء في أطلس تاريخ الإسلام‏(‏ علي واضعه رحمة الله‏)‏ ما نصه‏:...‏ وعندما تولي هرقل عرش الروم سنة‏610‏ م‏(‏ وهي سنة البعثة المحمدية‏)‏ كان الفرس قد اجتاحوا بلاد الشام ومصر وهزموا البيزنطيين سنة‏613‏ م عند أنطاكية‏,‏ واستولوا علي فلسطين والقدس سنة‏614‏ م‏,‏ وغزوا مصر ودخلوا الإسكندرية سنة‏618‏ م أو‏619‏ م‏,‏ وبعد أن أقام هرقل دولته بدأ قتال الفرس سنة‏622‏ م‏,‏ وفي سنة‏627‏ م أنزل بهم هزيمة قاصمة قرب نينوي‏,‏ واسترد منهم أراضي الدولة البيزنطية في أرمينيا والشام وفلسطين ومصر‏,‏ وفي سنة‏630‏ م استعاد بيت المقدس‏.‏

ومن استقراء كل هذه التواريخ السابقة يتضح أن هزيمة الروم الحقيقية علي أيدي جيوش الفرس كانت في حدود سنة‏614‏ م إلي‏615‏ م‏,‏ وأن استعادتهم النصر علي الفرس كانت في حدود سنة‏624‏ م‏,‏ واستمر تقدم الروم علي أرض الفرس حتي تم لهم استعادة بيت المقدس‏.‏ وواضح من شروح المفسرين أن المقصود بالتعبير القرآني في أدني الأرض الذي يصف أرض المعركة التي تمت فيها هزيمة الروم أمام جحافل جيش الفرس هو أقرب الأرض إلي مكة المكرمة أو إلي الجزيرة العربية أو إلي أرض الفرس‏..‏ ولكن الدراسات الحديثة تؤكد أن منطقة حوض البحرالميت‏,‏ بالاضافة إلي كونها أقرب الأراضي التي كان الروم يحتلونها إلي الجزيرة العربية هي أيضا أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا‏,‏ حيث يصل منسوب سطح الأرض فيها إلي حوالي الأربعمائة متر تحت متوسط مستوي سطح البحر‏,‏ وان هذه المنطقة كانت من مناطق الصراع بين امبراطوريتي الفرس والروم‏,‏ وأن المعركة الحاسمة التي أظهرت جيوش الفرس علي جيوش امبراطورية روما الشرقية‏(‏ الامبراطورية البيزنطية‏)‏ لابد أنها وقعت في حوض البحرالميت‏,‏ وان الوصف بـ أدني الأرض هنا كما يعني أقربها للجزيرة العربية‏,‏ يعني ايضا أنها أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا‏,‏ وهذه الاشارة القرآنية العابرة تعتبر من السبق العلمي في كتاب الله‏,‏ لأن أحدا لم يكن يعلم هذه الحقيقة في زمن الوحي بالقرآن الكريم‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعده‏.‏

أدني الأرض في العلوم الحديثة:
ثبت علميا بقياسات عديدة ان أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا هو غور البحرالميت‏,‏ ويقع البحرالميت في أكثر أجزاء الغورانخفاضا‏,‏ حيث يصل مستوي منسوب سطحه إلي حوالي أربعمائة متر تحت مستوي سطح البحر‏,‏ ويصل منسوب قاعه في أعمق أجزائه إلي قرابة الثمانمائة متر تحت مستوي سطح البحر‏,‏ وهو بحيرة داخلية بمعني ان قاعها يعتبر في الحقيقةجزءا من اليابسة‏.‏ وغور البحرالميت هو جزء من خسف أرضي عظيم يمتد من منطقة البحيرات في شرقي إفريقيا إلي بحيرة طبريا‏,‏ فالحدود الجنوبية لتركيا‏,‏ مرورا بالبحرالأحمر‏,‏ وخليج العقبة‏,‏ ويرتبط بالخسف العميق في قاع كل من المحيط الهندي‏,‏ وبحر العرب وخليج عدن‏,‏ ويبلغ طول أغوار وادي عربة ـ البحرالميت ـ الأردن حوالي الستمائة كيلومتر‏,‏ ممتدة من خليج العقبة في الجنوب إلي بحيرة طبريا في الشمال‏,‏ ويتراوح عرضها بين العشرة والعشرين كيلومترا‏.‏

ويعتبر منسوب سطح الأرض فيها أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا حيث يصل منسوب سطح الماء في البحرالميت إلي‏402‏ مترا تحت المستوي المتوسط لمنسوب المياه في البحرين المجاورين‏:‏ الأحمر والأبيض المتوسط‏,‏ وهو أخفض منسوب أرضي علي سطح اليابسة كما يتضح من الأرقام التالية‏:‏ منسوب سطح الأرض في وادي عربة‏=355‏ ـ‏400‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
منسوب أعمق نقاط قاع البحرالميت‏=794‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
منسوب سطح الماء في البحرالميت‏=402‏ تحت مستوي سطح البحر‏.‏
مستوي سطح الأرض في غور الأردن‏=212‏ ـ‏400‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
منسوب سطح الماء في بحيرة طبريا‏=209‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
منسوب قاع بحيرة طبريا‏=252‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
منسوب سطح الأرض في قاع منخفض القطارة في شمال صحراء مصرالغربية‏=133‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏

منسوب سطح الأرض في قاع وادي الموت‏/‏ كاليفورنيا‏=86‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
منسوب سطح الأرض في قاع منخفض الفيوم‏/‏مصر‏=45‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
والأرض في حوض البحرالميت ـ بصفة عامة ـ وفي الجزء الجنوبي منه بصفة خاصة والتي تعرف باسم الأرض المقلوبة تتميز بالحرارة الشديدة‏,‏ وبتفجر كل من العيون المائية‏,‏ والأبخرة الكبريتية الحارة فيها‏,‏ وبتناثر كتل الأسفلت التي كثيرا ما كانت تطفو علي سطح مياه البحرالميت إلي عهد غير بعيد‏.

وقري قوم لوط التي كانت تشغل أرض الحوض الجنوبي من البحرالميت‏,‏ والتي دمرت بالكامل بأمر من ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ لا علاقة لها بالحركات الأرضية التي شكلت تلك الأغوار من قبل حوالي‏25‏ مليون سنة مضت‏,‏ ولكن بعد تدميرها بالعقاب الالهي دخلت المنطقة برحمة من الله‏(‏ تعالي‏)‏ في دورة مطيرة غسلت مياهها ذنوب الآثمين من قوم لوط‏,‏ وغمرت منطقة قراهم لتحولها إلي الحوض الجنوبي من البحرالميت والذي يتجه اليوم إلي الجفاف مرة أخري ليصير أرضا يابسة‏.‏

وخلاصة القول إن منطقة أغوار وادي عربة ـ البحرالميت ـ الأردن تحوي اخفض أجزاء اليابسة علي الاطلاق‏ والمنطقة كانت محتلة من قبل الروم البيزنطيين في عصر البعثة النبوية الخاتمة .

وكانت هذه الامبراطورية الرومانية يقابلها ويحدها من الشرق الامبراطورية الفارسية الساسانية‏ وكان الصراع بين هاتين الامبراطوريتين الكبيرتين في هذا الزمن علي أشده‏ ولابد ان كثيرا من معاركهما الحاسمة قد وقعت في أرض الأغوار وهي أخفض أجزاء اليابسة علي الاطلاق‏ .

ووصف القرآن الكريم لأرض تلك المعركة الفاصلة التي تغلب فيها الفرس علي الروم ـ في أول الأمر بـ أدني الأرض ـ وصف معجز للغاية لأن أحدا من الناس لم يكن يدرك تلك الحقيقة في زمن الوحي ولا لقرون متطاولة من بعده‏ وورودها بهذا الوضوح في مطلع سورة الروم يضيف بعدا آخر الي الاعجاز التنبؤي في الآيات الأربع التي استهلت بها تلك السورة المباركة ألا وهو الاعجاز العلمي فبالاضافة إلي ما جاء بتلك الايات من اعجاز تنبؤي شمل الأخبار بالغيب وحدد لوقوعه بضع سنين‏ فوقع كما وصفته وكما حددت له زمنه تلك الآيات فكانت من دلائل النبوة‏ فان وصف ارض المعركة بالتعبير القرآني أدني الأرض يضيف إعجازا علميا جديدا‏ يؤكد أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق وأن النبي الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏.‏

وكما كانت هذه الايات الكريمة من دلائل النبوة في زمن الوحي لإخبارها بالغيب فيتحقق‏,‏ فهي لا تزال من دلائل النبوة في زماننا بالتأكيد علي ان المعركة الفاصلة قد تمت في اخفض اجزاء اليابسة علي الاطلاق‏ وهي أغوار البحرالميت وما حولها من أغوار ويأتي العلم التجريبي ليؤكد تلك الحقيقة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين‏.‏

وعلي كتاب التاريخ الذين تأرجحوا في وضع المعركة الفاصلة في هزيمة الروم علي أرض القسطنطينية‏ أو علي الأرض بين مدينتي أذرعات وبصري من أرض الشام‏ أو علي أرض أنطاكية أو علي أرض دمشق‏ أو أرض بيت المقدس‏ أو أرض مصر‏(‏ الاسكندرية‏)‏ ان يعيدوا النظر في استنتاجاتهم‏ لأن القرآن الكريم يقرر ان هزيمة الروم علي أيدي الفرس كانت علي الأرض الواقعة بين شرقي الأردن وفلسطين وهي أغوار وادي عربة ـ البحرالميت ـ الأردن التي أثبت العلم انها أكثر اجزاء اليابسة انخفاضا‏,‏ والتي ينطبق عليها الوصف القرآني بأدني الارض انطباقا تاما ودقيقا‏.‏

وعلي الذين قالوا ان معني أدني الأرض هو أقرب الأرض من بلاد فارس‏ أو من بلاد العرب‏ أو هي أطراف بلاد الشام‏,‏ أو بلاد الشام‏ أو انطاكية‏ أو دمشق‏ أوبيت المقدس أو غيرها أن يعيدوا النظر في ذلك لأن حدود الامبراطوريتين كانت متلاحمة مع بعضهما بعضا من جهة ومع بلاد العرب من جهة أخري‏.

وعليه فلايعقل ان يكون المقصود بتعبير أدني الأرض في هذه الآيات الكريمة هو القرب من بلاد فارس أو بلاد العرب‏ فقط‏ وان كانت ارض الاغوار هي اقرب الأرض الي بلاد العرب‏ بل هي في الحقيقة جزء من ارض شبه الجزيرة العربية‏.‏

فسبحان الذي انزل هذا التعبير المعجز أدني الأرض ليحدد أرض المعركة ثم ليثبت العلم التجريبي بعد أكثر من اثني عشر قرنا ان الأغوار الفاصلة بين أرض فلسطين المباركة والأردن هي أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا ومن هنا كانت جديرة بالوصف القرآني أدني الأرض وجديرة بأن تكون أرض المعركة التي هزم فيها الروم‏ وذلك لقول الحق‏(‏ عز من قائل‏):‏{ ألم‏.‏ غلبت الروم‏.‏ في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون‏ في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون‏ بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم‏.}..[ الروم‏:1‏ ـ‏5].