هل "Facebook" قاتل وسائل الإعلام؟

منوعات

بوابة الفجر


ما هي "المقالات الفورية" من الفيسبوك، من يحتاجها وأين يمكن العثور عليها.

أعلن فيسبوك الأسبوع الماضي عن إطلاق "المقالات الفورية" كسلسلة منشورات لعدد من وسائل الإعلام بما فيهم The New York Times و BuzzFeed. النصوص ستحفظ على خوادم فيسبوك وتظهر في تطبيقه ما سيسرع من ظهورها بعشر مرات. لا يضطر مستخدمو الإنترنت الجوال أن ينتظروا حتى ثماني ثوان، إذ كانت هذه المدة هي الوسطية لفتح مواد كهذه.

إذا ستنجح هذه الخطة سيحسن الفيسبوك من وضعيته في نشر الأخبار على الإنترنت وهذا سيعزز اعتماد الناشرين على المنصة الخارجة عن تحكمهم. لكن مخاوف كهذه لم تمنع مشاركة الشركاء الأوائل في المشروع الجديد.

سيشارك في المشروع من بدايته 10 دور نشر: The Times, BuzzFeed,The Atlantic, National Geographic, NBC News, The Guardian, BBC News, Bild, Der Spiegel. حتى الآن هذه الميزة متاحة لتطبيقات iOS، الإعدادات الجديدة لأندرويد ستكون متاحة بعد فترة. حسب الإعدادات الأساسية لن تختلف "المقالات الفورية" عن الروابط العادية التي تظهر في شريط الأخبار. لكن فيسبوك صمم أدوات تسمح لهذه الشركات بجعل مقالاتها أكثر جاذبية، بما في ذلك غلاف فيديو بتشغيل تلقائي الذي سيبدأ بالظهور بعد تمرير شريط الأخبار.

إذا ضغطت على الرابط ستظهر المقالة فعلا فوريا، على الأقل هذا ما شوهد أثناء العرض في مقر فيسبوك. كما تستعمل الشركة ذات التقنية للظهور السريع للصور والفيديو، يبدأ تحميلها أثناء اقتراب المستخدم منها في في الشريط. عندما ستجذب المقالة القارئ بدايتها تظهر فوريا على الشاشة. وهذه المقالات خالية من كل ما يضيفه الناشرون على موادهم، فهي لا تحتوي على العشرات من جداول الإعلانات والشيفرات التي تحصى عدد المشاهدات.

تتوقعون أن تروا نصوص مختصرة وغير جذابة؟ لا تقلقوا. سيوضع على المقالة في أعلى الصفحة شعار الجريدة أو المجلة، ويوجد هناك زر لتتبع صفحة الناشر على الفيسبوك. ستوضع فوق المقالة صفحات الكتاب والمصورين الذين عملوا على هذه المقالات ومن يريد يستطيع الانتقال إلى صفحاتهم والحصول على معلومات منها. كما بإمكان المقالة أن تكون مصحوبة بصور أو بمعارض صور أو حتى بفيديو. وهناك إمكانية لأضافة عناصر أخرى مثل التغريدات ورسوم بيانية تفاعلية.

مبرمجو فيسبوك قاموا بتطوير إعدادات أخرى ويعتقدون أن عددها سيزيد. يمكن إضافة تسجيلات صوتية إلى الصورما يمكن أن يساعد على إنشاء رواية مصورة. وستتاح العلامات الجغرافية وعند الضعط على اسم مكان ما ستُفتح خريطة تفاعلية. يمكنك أن تضغط زر الإعجاب والتعليق على الصور، كل كبسة إعجاب ستزيد من حظوظ أصدقائك أن يروا ما أعجبت به في شريط أخبارهم.

هذا ليس نوع جديد من المدونات في شبكة اجتماعية شعبية هذا نمط جديد من أنماط وسائل الإعلام ويضع المصممون عليه آمالا كبيرة.
التأثير ينمو

استراتيجية فيسبوك في زيادة دوره في نشر الأخبار لم تظهر مؤخرا. حسب معطيات مركز الأبحاث Pew تقريبا ثلث الأمريكيين اليوم يحصلون على الأخبار من تطبيق فيسبوك. أصبح فيسبوك للعديد من وسائل الإعلام وسيلة للانتشار. بعض وسائل الإعلام الحديثة نجحت في استخدام الفيسبوك لكسب الجماهيرية لدرجة أنها قيمتها نمت إلى مليارات الدولارات.

العديد ممن شملهم استطلاع الرأي أشاروا أنهم لا يستخدمون الفيسبوك للحصول على أخبار. على أية حال لا تظهر الأخبار عشوائيا، ظهورها ينعكس إيجابيا على زيادة مدة استخدام الخدمة. وكلما زاد عدد نقراتنا على روابط الأخبار كلما زاد "وضعها" من قبل فيسبوك في شريط أخبارنا. لكن من وجهة نظر الشركة يوجد في هذه الطريقة مشكلة. يستغرق فتح الرابط في المتوسط ثماني ثوان وهذا بطيء جدا بحسب معايير برامج الواجهات. يقول كريس كوكس مدير المنتجات في الشركة:

    “السرعة هي الصفة الأهم لأي نظام تشغيل نقال. إذا لا تظهر الصور والنصوص والفيديو فورا يضيع جزء كبير من معنى هذه التقنية".

لهذا السبب احتاج فيسبوك إلى "المقالات الفورية". يعتقد فيسبوك أنه عندما يتقلص الزمن بين الضغط على الرابط وبدء القراءة سيمضي المستخدمون وقتا أطول في شريط الأخبار. حتى الآن لم تجر دراسة لتغير نمط سلوك المستخدم بسبب الإعدادات الجديدة لكن التجارب على الموظفين أعطت نتائج جيدة.

بدأ العمل على النسخة الجديد منذ ستة أشهر. ترأست المشروع مجموعة Paper في محاولة لتجسيد رغبة فيسبوك في إنشاء واجهة مستخدم مستقلة للأخبار. التحكم بـ Paper اعتمد على الإشارات والحركات. مثلا كان يجب تمييل الهاتف وتمريرالإصبع على الشاشة. في النهاية بقي التطبيق تجربة ولم يحظ على شعبية كبيرة.

لكن كوكس يوكد أنه من خلال العمل على هذا التطبيق تم تشكيل مبادئ استعملت فيما بعد في تصميم "المقالات الفورية".

" Pixar يبذل جهودا كبيرة لتصوير الأفلام القصيرة ويجرب فيها التكنولوجيا التي تستخدم لاحقا في الأفلام. كان Paper بالنسبة لنا فيلما قصيرا. كان بوسعنا أن نجرب بحرية دون أن نشعر بالمسؤولية تجاه مليار المستخدمين".
وماذا بعد؟

بنمو تأثير الفيسبوك كمصدر أخبار جديد تظهر أساليب جديدة لكسب المال؟ منذ إطلاق الخدمة الجديدة يمكن للناشرين أن يسمحوا لفيسبوك نشر الإعلانات في "المقالات الفورية" والحصول على جزء من العوائد. أو بإمكانهم بيع الإعلانات والحصول على المكاسب كلها، إذ حتى الآن تعرض شروط كهذه. يقول جاستن أوسوفسكي نائب رئيس فيسبوك للعلاقات مع وسائل الإعلام، ردا على ما إذا ستختلف الشروط مع مرور الزمن وما إذا سيأخذ فيسبوك 20-30% لنفسه:

    "نرغب في أن نوفر للناشرين فرصا لتطوير أعمالهم".

أحد السيناريوهات المحتملة هو كالتالي: "المقالات الفورية" تصبح شعبية وتوفر لشركاء فيسبوك تسجيلا ومكسبا أعلى. يزداد عدد من يبدأ التعاون مع المنصة الجديدة، البعض ينشئ أدوات خاصة ليتمكن الصحفيون من إعداد النص مباشرة "للمقالات الفورية". الروابط التقليدية المنتشرة في الفيسبوك تصبح تدريجيا أقل فائدة. "بتعويد" المستخدمين على "المقالات الفورية" والناشرين على المكاسب منها سيبدأ فيسبوك بكسب الجزء الأكبر من عائدات الإعلانات. لا شيء مجانا!

جون هيرمان من The Awl في سلسلة مقالاته "الحرب من أجل المحتوى" (Content Wars) يتحدث بسلبية عن عرض فيسبوك الجديد. بدأ فيسبوك بعرض الأخبار على خوادمه ليس لمؤازرة حرية الصحافة بل ليمضي الناس وقتا أطول في شريط أخبارهم؟ يكتب هيرمان:

"حتى لو يعجبكم الفيسبوك احتمال تحوله من مصدر للمحتوى إلى مكان رئيسي لنشر نتاج وسائل الإعلام يقلق. هذا سيناريو لمدينة فاضلة في عالم الإنترنت. جيل جديد من أشخاص الفن يجب أن يتخلى عن الاستقلال والمكافأة المباشرة ويبدأ علاقات مع عملاق وسيط الذي يهتم فقط بالمكاسب من الإعلان".

يستحيل الآن توقع المكاسب المستقبلية وطرق نشر المقالات إذ أن هناك العديد من المتغيرات. لكن على كل ناشر أن يحل هذه المعادلة بنفسه. ولأن فيسبوك أصبح المصدر الأهم لنشر المعلومات والأخبار (تجاوز حتى جوجل) فإن أي خطأ في الحساب سيكون هزيمة.
يجب التجربة

ربما الأمر الذي يستحيل تجنبه في هذا التجديد هو عدم تحقيقه. انتقال المحتوى من المواقع الإلكترونية إلى تطبيقات الهواتف ليس مستقبلا بعيدا بل الواقع الحالي بالنسبة لوسائل الإعلام.

الخريف الماضي قام BuzzFeed بإنشاء قسم لإعادة هيكلة معطيات BFF. فريق من عشر خبراء يقوم بإنشاء صور وفيديو وتغريدات وأشكال أخرى من المحتوى لجميع الشبكات الاجتماعية الكبرى. ولا توجد في هذا المحتوى أي روابط بـ BuzzFeed. لا ينشر BuzzFeed أية إعلانات في صفحاته الاجتماعية. ولكن مع نمو الجمهور ودراسة المحيط ستظهر إعلانات بالأشكال المناسبة. استخدام عدة منصات يقلل من مخاطر الشركة إذا بدأ فيسبوك بفقدان شعبيته.

وهذا ليس المثال الوحيد. شركة الفيديو الناشئة NowThis التي استثمر فيها مؤسس The Huffington Post جذبت 15.6 مليون دولار. هذه وسيلة الإعلام لا تملك موقعا إلكترونيا أساسا. تتخصص الشركة على الفيديو لليوتيوب التي تبدأ التشغيل عند تمرير شريط الأخبار ودون صوت. ما يحدث بالفيديو يجب أن يجذب المستخدم لذلك تحتوي لقطات الفيديو على نصوص وصور مألوفة من الإنترنت. بدورها شركة First Look Media أنشأت في العام الماضي خدمة Reportedly الذي أعلن أن محتواه سينشر مباشرة في الشبكات الاجتماعية (بالدرجة الأولى يستخدم Medium).

بينما تظهر هذه الطريقة في وسائل الإعلام الأخرى تجريبية في فيسبوك لا مفر منها. مخاوف الناشرين مفهومة، إذ يعطون التحكم بمنشوراتهم إلى شركة غريبة. تلفت النظر جريدة The New York Times التي على الرغم من تاريخها الحافل بـ150 سنة أظهرت تعاونا وثقة وأصبحت أحد المشاركين الأوائل في المشروع. قال مارك تومبسون في فبراير عند مشاركته في مؤتمر Code/Media:

“تبين خبرتنا أن إنماء الجماهير على منصة خارجية تؤثر بشكل إيجابي على منصتكم الخاصة".

أشار تومبسون إلى أن صحيفته دخلت في علاقات مع الجيل السابق من عمالقة الإنترنت، بما في ذلك AOL و Yahoo واستمرت في تطورها. ظهرت مخاوف جديدة حول مستقبل وسائل الإعلان بعد عشر سنوات وهي المخاوف المتعلقة بجوجل. إذ بدأ جوجل بنشر عناوين المقالات وملخصها في Google News. فبدأ الكثيرون بالحديث عن غروب الصحف، ولكن لم يكن الأمر كذلك. في النهاية يبقى سير نظام وسائل الإعلام كما كان. الناس الأذكياء يروون قصصا ذكية أما المعلنين يدفعون لهم للوصول إلى الجمهور. ما يخص نشر المحتوى على منصات أخرى فهذه حالات خاصة، برأي تومبسون. يقول:" يمكنك على الأقل أن تجرب".