زواج عرفى بعقود مضروبة على يد مأذون

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


«الفجر» تكشف سماسرة الزواج فى القرى والنجوع

■ المأذون المزيف بعد النصب على ضحاياه.. «فص ملح وداب»

انتشرت أخيراً فى القرى والنجوع الريفية ظاهرة شائنة، تتعلق باحتراف بعض الأشخاص لمهنة " المأذون"، والكارثة أن هؤلاء هم من يقدمون على تزويج الفتيات القاصرات بعقود وهمية، وبمجرد أن تفشل الزيجة لأى سبب من الأسباب لا يمكن للفتاة أن تحصل على أى من حقوقها، لعدم وجود ما يثبت زواجها.

"المأذون المزيف" تجده فى عمر الصبية، لا علم له بالأصول الشرعية والقانونية التى تحكم "عقد الزواج" كل ما عليه أن يرتدى جلبابه وعمامته، ممسكاً بدفتر فى يده، ثم يتوجه إلى بيت العروس القاصرة، ليعقد قرانها فى دفتره المزيف، دون الإشهار.. "الفجر" تفتح ملف وقائع الزواج العرفى على يد المأذونين المزيفين.

فتاة فى عمر الزهور دفعتها الظروف والتقاليد التى فرضها عليها المجتمع للزواج مبكراً على أيدى سماسرة الزواج، وبعد أشهر قليلة توفى زوجها ونتيجة عدم توثيق عقد القران تم التعامل مع هذه الزيجة على أنها زواج عرفى من قبل الدولة غير معترف به رسمياً ليصبح زواجاً رسمياً لكن على يد مأذون.

لم تكن تلك الفتاة هى الحالة الأولى والفريسة الوحيدة لسمسار المأذون، فضحايا المأذون المزيف لاينتهون، فهذه فتاة أخرى بعد زواجها بفترة أرادت الانفصال عن زوجها ونظراً لعدم توثيق عقد الزواج لاستعانتهم بمأذون مزيف تم التعامل مع هذه الزواج على أنه عرفى، واضطرت إلى عقد الزواج من جديد على يد مأذون رسمى لتتمكن من الانفصال عن زوجها.

حالة ثالثة لفتاة أخرى بعد زواجها غير الموثق وإنجابها لم تتمكن من تسجيل طفلها بدفاتر المواليد الرسمية، نظراً لأنها لا تمتلك عقد زواج موثقاً ومعترفاً به من قبل الدولة، فقامت بعمل إثبات زوجية والتصديق على عقد القرآن واستدعاء الشهود لإثبات هذه الزيجة.

كذلك من ضمن هذه الحالات، شاب وفتاة ذهبا لمأذون، من غير المتخصصين، ولسوء الحظ قام هذا المأذون المزيف بكتابة اسم أم العريس خطأ، واسم الجدة  للعروس خطأ، وعندما ذهبا لاستلام وثيقة الزواج، واكتشفا هذا الخطأ الفادح وطلبا منه إصلاحه، فقال لهما: ليس أمامكما ألا حل واحد أن تطلقا ونكتب الكتاب مرة أخرى، وتدفعاً رسماً جديداً قدره 1500 جنيه، لكنهما ذهبا لمأذون شرعى آخر، وأفادهما بضرورة أن يثبتا كل ما حدث فى المحكمة الخاصة بدائرة المأذون من خلال عنوانه سواء كان مختصاً أو غير مختص، وعندما علم بذلك المأذون المزيف ما سيحدث أصابه الخوف وذهب إليهما ليصلح ما اقترفه، ويعقد عقداً صحيحاً بدون أى رسم فهو لا يريد الدخول فى دوامة المحاكم ويخاف أن يحكم عليه بتعويض كبير يعرضه للخسارة، ففضل أن يعتذر خوفاً من الفضيحة.

فى هذا السياق، قالت أمل سليمان عفيفى، أول مأذونة شرعية فى مصر إنه فى بعض الحالات نظراً لكبر سن المأذون، يلجأ إلى مساعديه الذين قد يرتكبون بعض الأخطاء الشرعية، التى قد تصل إلى بطلان عقد الزواج  نتيجة عدم درايتهم الكافية بأحكام الشريعة، مضيفة أن هناك فرقاً بين بطلان الزواج من الناحية القانونية فقط بسبب وقوع أخطاء أثناء كتابة عقد الزواج، وبين الوقوع فريسة للبعض الذين يدعون أنهم يعملون بهذه المهنة فيما يعرف بالمأذون "المزيف".

وأوضحت أن المأذون  المزيف يستعين ببعض العقود الوهمية بعد عقد القران ولا يتم اكتشاف ذلك إلا فى حال ضياعها أو عمل كشف العيلة، حيث تكتشف الأسرة أو الزوجة أن هذا العقد غير موثق بالشهر العقارى، وبالتالى غير معترف به، وفى هذه الحالة تلجأ إلى ما يسمى بـ"التصادق على الزواج" مثلما يحدث فى حالة الزواج العرفى.

وأوضحت أن عقد الزواج فى هذه الحالة يكون باطلاً من الناحية القانونية، وليست الشرعية.

وأشارت المأذونة إلى أن العديد من الحالات تقع فى هذا الخطأ خاصة فى حالة الزواج المبكر، ولكن أطراف العقد لا يقومون بإبلاغ الشرطة لأن الأطراف الموقعة على العقد تكون طرفاً فيه، بالتالى تكون معرضة للمساءلة القانونية ويلجأ الغالبية إلى التصادق على العقد هروباً وخوفاً من المساءلة القانونية.

وأضافت عفيفى أن  الفتيات اللائى يتزوجن مبكراً يتعرض غالبيتهن لفخ المأذون المزيف ولا يستوعبن الكارثة التى وقعن فيها بسبب التعجل على عقد القران دون بلوغ السن القانونية إلا فى حالة الانفصال أو الإنجاب والرغبة فى تسجيل أبنائهم رسمياً .

وفيما يتعلق بالفرق بين المأذون الشرعى والمزيف، قالت عفيفى إن المأذون الشرعى مسجل لدى وزارة العدل ويحصل على دفتر مسجل به عدد عقود الزواج

بأرقام مسلسلة، وفى حالة ارتكاب المأذون خطأ أثناء عقد القران يضطر إلى  رفع الأمر إلى رئيس المحكمة التابع لها للنظر فى الأمر وإعطائه عقد زواج آخر بعد إسقاط القسيمة الأخرى رسمياً .

من جانبه، أكد الشيخ محمد البنجى، المأذون الشرعى بدائرة عين شمس، أن بعض المأذونين يمارسون أفعالاً غير مسئولة يمكن أن تتسبب فى كوارث كبيرة حيث إنهم يسمحون لبعض أئمة المساجد بالعمل معهم دون علم بالقانون أو العقود والمشكلة الكبرى أن هؤلاء لا يقعون تحت طائلة القانون، متابعاً: المسئولية بأكملها تقع على صاحب القسيمة "المأذون الأصلى للدائرة".

وأضاف أن استغلال المأذونين لحاجة الناس يعد نوعاً من السمسرة وهذا الطمع واللهث وراء المال يقلل من قدر المأذون، كما أن سماسرة الزواج سلكوا المهنة كتجارة، فنجد عقدا مقابله ثلاثمائة جنيه فقط، وبالتالى فإن هؤلاء يأخذون المقابل ألف جنيه وهذا ما يقلل من قيمة المأذون الشرعى.

وأعرب "البنجى" عن قلقه الشديد إزاء ما وصفه بالكارثة من جراء ما يمكن أن يحدث فى الأيام القادمة نتيجة للقرار الذى أصدره رئيس نيابة استئناف القاهرة بتفعيل المادة 20 من لائحة المأذونين، التى تفرض على العريس أن يعقد قرانه فى موطن العروس وهذا سيؤدى إلى مشكلات لا حصر لها ويزيد من تكاليف الزواج الرسمى ثلاثة أضعاف ما هو متعارف عليه، وتلك المادة كانت موجودة فى اللائحة منذ عام 1955 ولكنها غير مفعلة وظل الحال هكذا إلى شهر فبراير 2015 الماضى مما دفع مأذونى القاهرة أن يجتمعوا ويرفعوا دعويين مستعجلتين بمجلس الدولة لوقف هذا القرار، ونحن جميعا على قلب رجل واحد ضد هذا القرار، وسنقوم بثورة قريبا ضد هذا التعسف ولن نسمح بتطبيقه.

وقال إن تفعيل القانون سيؤدى إلى رفض المأذون كتب كتاب العروس التى تسكن خارج موطنه لأنه إذا خالف القانون وعقد القران بالمخالفة للقرار سيطبق عليه عقوبة بالوقف عن العمل شهرين وغرامة مالية.

وحول الجشع الذى يمارسه المأذون على العريس، روى محمد خضر، 26 سنة –أحد المقبلين على الزواج- قائلاً: أحد المأذونين بدائرة المعادى يشترط الحصول على 10% عن كل ألف بالنسبة للمؤخر، بالإضافة إلى أتعابه الثابتة 1500 جنيه، مشيراً إلى أنه تناقش معه محاولا أن يثنيه عن طلبه، لكنه فشل، فاضطر الذهاب إلى مأذون آخر لعقد القران نتيجة لمبالغته فى الاتعاب.

أما محمد عبد الفتاح، المفتش القضائى بمجلس الدولة، فقد كان الاكثر تشاؤما حيث تحدث عن مركز أطفيح الذى يتم تزويج البنات فيه بشكل مخالف للقانون، ما يجعل تلك العقود باطلة.

ولفت عبد الفتاح، إلى أن الأخطر من ذلك انتشار زواج الأطفال ذات العشر سنوات، مستشهداً فى ذلك بطفلة عمرها اثنا عشر عاماً تزوجت، ثم حملت، وانتهت حياتها لأنها لم تتحمل، والسبب فى انتشار مثل هذه الظواهر زيادة أعداد المأذونين معدومى الضمير – على حد تعبيره.