ملفات مراسلى الجزيرة فى المخابرات الأمريكية

العدد الأسبوعي



القناة والإرهاب إيد واحدة

■ مراسل الجزيرة علوانى اتهم بقضية غسيل أموال لجماعة إسلامية إرهابية ■ ووثائق أمريكية تصف مراسل القناة سامى الحاج بأنه عضو بتنظيم القاعدة ■ البورصة تمنع مراسل الجزيرة من دخول قاعتها لأسباب أمنية ■ رسائل أسامة بن لادن لمراسل الجزيرة أحمد زيدان

لم تكن واقعة الاشتباه فى صحفى بالجزيرة أو بالأحرى فى تورطه فى أعمال إرهابية هى المرة الأولى أو الواقعة الوحيدة فمع انتهاء قراءة هذا التحقيق ستكتشف أن الجزيرة والإرهابيين إيد واحدة. ووفقا لوثيقة استخباراتية سرية، تم الكشف عنها فى بداية هذا الأسبوع، صنفت الحكومة الأمريكية أحد صحفيى محطة الجزيرة القطرية باعتباره عضواً فى تنظيم القاعدة ووضعت اسمه على قائمة المشتبه فى تورطهم بأعمال إرهابية. تعد هذه الوثيقة جزءاً من الوثائق التى تسجل جهود المخابرات المركزية الأمريكية من أجل تتبع القاعدة عن طريق تحليل البيانات الوصفية للاتصالات أو ما يعرف باسم (ميتاداتا).

بحسب وسائل الاعلام الأمريكية، أشارت وثيقة يعود تاريخها إلى يونيو 2012 خاصة بوكالة الأمن القومى أن صحفى قناة الجزيرة ومدير مكتبها فى إسلام آباد أحمد موفق زيدان قد تم وضعه فى قائمة المشتبه فى تورطهم فى أعمال إرهابية حيث تم وصفه بأنه عضو فى تنظيم القاعدة وكذلك عضو فى جماعة الإخوان المسلمين. كانت هذه الوثيقة ضمن الوثائق التى تم تسريبها من قبل إدوارد سنودين الذى سرب الوثائق الخاصة ببرنامج التجسس الأمريكى برسيم.

فى حوار له مع موقع ذا انترسبيت الأمريكى أنكر الصحفى السورى الأصل أى علاقة تربطه بتنظيم القاعدة أو الإخوان المسلمين. وفى بيان قدمته قناة الجزيرة تم الإشارة إلى أن زيدان عمل لعدة سنوات فى مناطق خطرة سواء فى باكستان أو أفغانستان وأنه بحكم عمله ومثل أى صحفى التقى بعدد من الشخصيات المهمة فى المنطقة. وأشار زيدان إلى أن الصحفيين لكى يكونوا قادرين على نقل المعلومات للعالم يجب أن يكونوا أحراراً فى الاتصال بشخصيات عامة على صلة بالأحداث وأحراراً فى الحديث مع الناس على أرض الواقع، وكذلك فى جمع المعلومات المهمة. وأضاف أن أى إشارة بوجود رقابة حكومية تعوق هذه العملية يعد بمثابة انتهاك لحرية الصحافة. وكتب زيدان أن تصنيفه باعتباره ذا علاقة بتنظيم إرهابى بناء على سجلات مكالماته العاطفية أو مصادره يعد تشويهاً سخيفاً للحقيقة وانتهاكاً لمهنة الصحافة.

كما أشار المتحدث باسم محطة الجزيرة والممولة من قبل الحكومة القطرية أن هناك الكثير من الحوادث التى تعرض لها صحفى المحطة للمطاردة من قبل الحكومات بشأن طبيعة المادة التى يقدمونها، واعتبر أن تصنيف زيدان ووضعه تحت المراقبة بمثابة محاولة أخرى لاستخدام وسائل مشكوك فيها لاستهداف الصحفيين مما يعد انتهاكاً صريحاً لحرية الصحافة.

بحسب موقع ذا انترسبيت الأمريكى، فإن الوثائق وكالة الأمن القومى والمخابرات الأمريكية الخاصة بصحفى قناة الجزيرة تعد مثالاً واضحاً لكيفية استخدام الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية لبرنامج (سكاى نت) والذى يحلل المعلومات الخاصة بالمواقع والاتصالات من سجلات المكالمات من أجل التعرف على أنماط الاتصال المشبوهة والتى تستدعى وضع صاحبها تحت المراقبة. وتستخدم المخابرات الأمريكية هذا البرنامج من أجل تحديد الأشخاص المشتبه فى تورطهم مع تنظيمات مثل تنظيم القاعدة الإرهابى. وبحسب تحليل هذا البرنامج تم اعتبار زيدان مشتبهاً به.

ويشير الموقع الإخبارى الأمريكى، إلى أنه قبل ظهور اسم زيدان على قائمة المشتبه بهم فى برنامج (سكاى نت)، كانت المخابرات الأمريكية تصنفه بالفعل باعتباره عضواً فى تنظيم القاعدة. هذا يعنى أن المخابرات الأمريكية لديها ملف استخباراتى كامل عن أنشطته. وتمتلك الحكومة الأمريكية قاعدة معلومات خاصة بهوية الإرهابيين فى مختلف أنحاء العالم تعرف باسم محيط هويات الإرهابيين أو (تى اى دى إى)، وتضم هذه القاعدة اسماء أكثر من مليون شخص مشتبه بتورطه فى أعمال إرهابية، وتحتفظ كل الأجهزة الاستخباراتية والأمنية فى الولايات المتحدة الأمريكية بنسخة من هذه القائمة.

وقد رفضت وكالة الأمن القومى وكذلك مكتب مدير المخابرات الوطنية الأمريكية الإجابة على أى أسئلة متعلقة بوضع زيدان على قائمة المراقبة للمتهمين بالتورط مع تنظيم القاعدة. كما رفض برنامج ناسا الإجابة على أى أسئلة متعلقة باستخدام برنامج سكاى نت وكيفية تحليل المعلومات من خلاله.

بحسب الوثيقة السرية التى يعود تاريخها إلى عام 2012 فإن برنامج سكاى نت يحدد العلاقة بالتنظيم الإرهابى بناء على أسئلة من نوعية من سافر من بيشاور إلى فيصل آباد أو لاهور وعاد خلال الشهر الماضى؟ بمن اتصل عند وصوله؟ وبناء على سلوكيات مثل استبدال أرقام الهاتف على نحو مبالغ فيه، استقبال المكالمات فقط، زيارات مستمرة للمطار، والقيام بالكثير من الرحلات الليلية.

تشير الوثيقة إلى أن المعلومات التى تم الحصول عليها بشأن سجلات مكالمات زيدان قد تم تقديمها من قبل شركات اتصالات كبرى فى باكستان، ولكن لاتحدد الوثيقة الأساليب التقنية التى تم الاعتماد عليها من أجل الحصول على هذه المعلومات.

يعد تحليل البيانات الوصفية للاتصالات أو ما يعرف باسم (ميتاداتا) عنصراً رئيسياً من عناصر عمل أجهزة المخابرات الأمريكية، وبتشير وثائق أخرى لبرنامج التجسس الأمريكى ناسا، والتى سربها إدوارد سنودين، أن الضربات الجوية الأمريكية باستخدام طائرة بدون طيار تعتمد بشكل رئيسى على هذه النوعية من المعلومات. وكان مدير وكالة الأمن القومى مايكل هإيدن قد قال جملته الشهيرة فى مايو 2014 (نحن نقتل الناس بناء على الميتاداتا).

كما لعبت (الميتاداتا) دوراً كبيراً فى تحديد مكان وقتل أسامة بن لادن. استخدمت المخابرات الأمريكية تحليل أنماط الاتصال لأحد أعضاء تنظيم القاعدة من أجل تحديد المكان الذى يختبئ فيه أسامة بن لادن.

لقناة الجزيرة ملفات مختلفة فى المخابرات الأمريكية، ولا تعد قضية زيدان هى الأولى من نوعها. فهناك قضية مراسل الجزيرة فى كابول الصحفى تيسير علوانى الذى أجرى حواراً شهيراً مع أسامة بن لادن فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر. وكانت المحكمة الإسبانية قد أصدرت حكماً ضده فى عام 2006 بالسجن لمدة سبع سنوات بتهمة غسيل الأموال لصالح تنظيم القاعدة، ويحمل علوانى الجنسية الإسبانية ولكنه من أصول سورية. وقد تم الافراج عنه فى عام 2006 ووضعه تحت الإقامة الجبرية فى المنزل نظرا لظروفه الصحية. والجدير بالذكر أن علوانى أجرى حواراً لصالح الجزيرة فى عام 2013 مع أبومحمد الجولانى قائد تنظيم جبهة النصرة فى سوريا. ويعد تنظيم جبهة النصرة الفرع الرسمى لتنظيم القاعدة فى سوريا.

كما أنه أثناء الغزو الأمريكى لأفغانستان فى نوفمبر 2001، قامت الولايات المتحدة بضرب مقر المحطة فى كابول، ودافع الجيش الأمريكى عن نفسه مؤكداً أن المعلومات الاستخباراتية أشارت إلى أن مقر المحطة يعد أحد أماكن تمركز تنظيم القاعدة.

هناك أيضا قضية سامى الحاج مصور قناة الجزيرة الذى ألقى القبض عليه ونقله إلى سجن جوانتنامو، حيث ظل لمدة ست سنوات هناك قبل أن يطلق سراحه فى عام 2008 دون توجيه اتهام. وقد صرح المصور بأن أغلب التحقيقات معه انحصرت حول قناة الجزيرة. وبحسب أحد وثائق ويكيليكس الخاصة بوزارة الدفاع الأمريكية والتى تحمل رقم 20330404 ويعود تاريخها إلى 4 إبريل 2008، أى قبل تقريبا شهر من إطلاق سراح حاج، أوصى الأدميرال فى البحرية الأمريكية مارك بوزبى باستمرار احتجاز الحاج. بحسب وثيقة ويكيليكس فإن هذه التوصية كانت بناء على لقاءات، تحقيقات، ومصادر استخباراتية ومعلومات من أجهزة مخابرات أجنبية. تصف الوثيقة الحاج بأنه عضو فى تنظيم القاعدة وفى جماعة الإخوان المسلمين. والأكثر من ذلك تضمنت هذه الوثيقة إشارة إلى معلومات تؤكد على علاقة قناة الجزيرة بتنظيم القاعدة منذ عام 1997، وأن القناة تورطت مع عمليات جماعة الإخوان المسلمين ضد أهداف أمريكية فى مختلف أنحاء العالم. وتضيف وثيقة أن سامى الحاج عضو فى مجلس شورى الإخوان المسلمين ومتورط فى الخطط وعمليات لتوزيع أسلحة من ضمنها صواريخ ستينجر، كما أنه عمل بشكل مباشر مع القائد الأعلى فى طالبان ملا محمد عمر لشراء هذه الصواريخ. وتزعم الوثيقة أن أنشطته تضمنت عمليات غسيل أموال لصالح الأنشطة الإرهابية، حيث سافر إلى قطر من أجل لقاء يوسف القرضاوى لمناقشة تأسيس نظام بنكى فى أوروبا وأمريكا وكندا تحت إشراف جماعة الإخوان المسلمين. تتكون هذه الوثيقة من 11 صفحة وتشير أيضا إلى أن الحاج من الممكن أن يقدم أدلة تثبت تورط قناة الجزيرة مع التنظيمات الإرهابية، وبحسب الوثيقة يمكن للحاج أن يقدم أدلة على العلاقة الوثيقة التى تربط الجزيرة بجماعة الإخوان المسلمين وعلاقة الجماعة بالتنظيمات الإرهابية.

ومن الحوادث الأخرى التى تعكس شكوك المخابرات الأمريكية فى قناة الجزيرة، واقعة منع صحفى الجزيرة فى عام 2003 من دخول قاعة التداول فى بورصة نيويورك للأوراق المالية لأسباب أمنية.

وأثناء الغزو الأمريكى للعراق، قامت القوات الأمريكية بضرب مكاتب الجزيرة فى بغداد، وقتلت المراسل طارق أيوب. أكدت الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه العملية كانت غير مقصودة. عندما قامت القوات الأمريكية بحصار مدينة الفالوجة، وكانت قناة الجزيرة واحدة من المحطات التى تغطى الأحداث من داخل المدينة، اتهم مسئولون فى إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش القناة بنشر دعاية وأكاذيب.

وقد وصل شك المخابرات الأمريكية بعلاقة قناة الجزيرة بتنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية إلى أعلى درجاته فى عام 2003، عندما أقنع ديميس مونتجمرى، متعهد حاول من قبل بيع برنامج لكشف الغش فى صالات القمار بمدينة لاس فيجاس، المخابرات الأمريكية بقدرته على فك شفرات رسائل تنظيم القاعدة التى يتم ارسالها عبر محطة الجزيرة.

لكن مع وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، بدأت المخابرات الأمريكية فى تبنى موقف أقل حدة بكثير صوب المحطة القطرية، بل إن هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة أثنت على التغطية الصحفية للجزيرة وأشارت إلى أن عدد مشاهديها فى ارتفاع بالولايات المتحدة لأنها تقدم أخباراً حقيقية.

أما فيما يتعلق بالصحفى أحمد موفق زيدان، فقد لفت أنظار العالم بعد أحداث 11 سبتمبر بسبب قدرته على التواصل مع قيادات تنظيم القاعدة، وقد قام بتأليف كتاب عن أسامة بن لادن الذى التقى به شخصيا أكثر من مرة. كما قام بتغطية حفل زفاف أسامة بن لادن والذى أقيم بعد فترة قصيرة من هجوم تنظيم القاعدة على الحاملة العسكرية البحرية الأمريكية يو اس اس كول. فى حفل الزفاف، ألقى أسامة بن لادن قصيدة أثنى فيها على هذا الاعتداء وشجع على القيام باعتداءات مماثلة. كما تلقى زيدان عدداً من رسائل أسامة بن لادن المسجلة لإذاعتها على قناة الجزيرة. وفى 2002، التقى مع رجل غامض حرص على تغطية وجهه وسلمه شريطاً يحمل رسالة صوتية لأسامة بن لادن الذى اعتاد أن يرسل له الكثير من الرسائل لكى يقوم بإذاعتها.

من ضمن الوثائق التى تم العثور عليها فى منزل أسامة بن لادن بعد عملية اغتياله، مجموعة من الملفات تشير إلى أن أعضاء تنظيم القاعدة يشعرون بالراحة فى التعامل مع زيدان. من ضمن هذه الوثائق، رسالة يعود تاريخها إلى أغسطس 2010، تتعرض هذه الرسالة لخطط زيدان من أجل عمل فيلم وثائقى عن بن لادن الذى طلب من نوابها أن يجلبوا له أسئلة صحفى الجزيرة والذى وصفه بن لادن فى الرسالة بالأخ أحمد زيدان، كما طلب بن لادن إبلاغ زيدان أنه سيكون من الجيد إذاعة الفيلم الوثائقى فى الذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر. تمت إذاعة الفيلم فى ديسمبر 2011 وتضمنت لقاءات مع عدد كبير من الشخصيات من ضمنهم مقاتلون فى طالبان، مسئولون حكوميون، وعدد من الصحفيين. وفى رسالة أخرى لأسامة بن لادن يعود تاريخها إلى مايو 2010، عبر أسامة بن لادن عن قلقه من إمكانية تعرض زيدان للمراقبة.

لايزال زيدان يشغل منصب مدير مكتب الجزيرة فى إسلام آباد، كما أنه يغطى الأحداث فى سوريا واليمن.