سر كراهية الإخوان للقضاة ورجال الإعلام

العدد الأسبوعي



على هامش من حوار يعود إلى 10 سنوات، مع القيادى الإخوانى المنشق مختار نوح، كان فى حينها مازال منتمياً للتنظيم، تحدث نوح خارج التسجيل، عن سر كراهية الإخوان للإعلام والصحفيين، قائلا: لا أخفى عليك سرا الإخوان تكره الإعلام، وتعتبره رجساً من عمل الشيطان، مستطردا: كان يدور فى كواليس الاجتماعات -القيادة العليا بالتنظيم- السؤال التالي: لماذا لا نستطيع أن نستقطب الإعلام؟ لماذا لا يوجد كوادر قوية تنتمى للإخوان تعمل فى الصحافة؟

وكانت وجهة نظر نوح أن العقلية الإخوانية، وضوابط الأمر والطاعة التى تحكم التنظيم لا تتناسب مع طبيعة العمل الصحفى أو الإعلامى القائم على الإبداع والحرية، لذلك تأتى خلفية الأسماء الصحفية الكبيرة من روافد يسارية أو ليبرالية.

ما قاله نوح يكشف عن جزء من سر الكراهية التى يحملها الإخوان للإعلام، وأنها ليست وليدة مع وصول الإخوان للحكم، وعدم تحملهم الهجوم أو النقد، بل هى متجذرة لدى الجماعة، لذلك كان الإعلام والقضاء الهدف الأول للجماعة فى حالة وصولهم لـ»التمكين» ووضعوا الفئتين على رأس أولوية التنظيم فى التصفية أو التدجين.

ونجد أن الإخوان وضعوا خططتهم ضد القضاة، فى الواقعة الشهيرة بإبعاد النائب العام عبد المجيد محمود من منصبه، وتعيين بدلا منه نائب عام خاص بالجماعة وهو طلعت إبراهيم، كما خطط الإخوان على إبعاد 5 آلاف قاض من شيوخ القضاة من مناصبهم، عن طريق تقليص سن خروج القضاة للمعاش إلى 60 عاماً بدلا من 70 عاماً، كما كشف عن ذلك وزير العدل فى حكومة الإخوان أحمد مكى.

لكن بينما بدأ الإخوان معركتهم ضد القضاة، أجل التنظيم معركة الحسم ضد الإعلام، خاصة مع زيادة حركة الاحتجاجات ضد التنظيم وما تبعها من أحداث وصولا حتى 30 يونيو، لكن قبل الحدث الضخم بإسقاط حكمهم، كانت هناك خطة اعتمدها مكتب إرشاد التنظيم، كانت تستهدف بشكل مباشر القضاء والإعلام تصل لحد التصفية الجسدية والاعتقالات، وكانت بدء خطوات تنفيذها هذه الخطوة بعملية حصار المحكمة الدستورية العليا باعتبارها رمز القضاء ومحاولة الاعتداء على قضاتها، مما يهين رمزية القضاة وأهم مؤسسة لديهم.

وتزامن مع ذلك محاولة حصار مدينة الإنتاج الإعلامى التى قادها حازم أبوإسماعيل الذى أخذ دور بلطجى الجماعة التى أوكلت إليه من قبل التنظيم العمليات النوعية التى تعذر أن يقوم بها الإخوان مباشرة خاصة بعد فضيحة مذبحة الاتحادية التى قادتها الجماعة وكانت السبب الرئيسى لتصاعد الاحتجاجات ضدها، بعد إعلانها الدستورى الذى كان الهدف منه وقف أى صلاحية للقضاء.

ولكن لم يتوقف الوضع عند هذا الحد فى عملية الحصار على مراكز القضاء والإعلام، بل وضع الإخوان فى إطار خطتهم التى كان مرسوماً تنفيذها مع 30 يونيو، أن يتم اعتقال عدد من الصحفيين والقضاة بعد عملية إغلاق لعدد من القنوات والصحف، لكن لم تسعف أحداث 30 يونيو وما تبعها من إعلان عزل محمد مرسى فى 3 يوليو من تنفيذ الإخوان خطتهم التى تستهدف القضاء والإعلام.

لكن الأحداث التى تبعت ذلك وعملية استهداف الإخوان لعدد من المقار والمحاكم والنيابات خاصة فى محافظات الصعيد، والتى اندلعت بعد ساعات قليلة من عملية فض ميدانى رابعة والنهضة، ليكشف أن عملية العداء الإخوانى للقضاة واستهدافهم والتى تمثلت فى محاولة اغتيال المستشار معتز خفاجى، والذى أصدر حكماً ضد محمد مرسى وخيرت الشاطر بالسجن المؤبد، وتبعه اغتيال ثلاثة من وكلاء القضاة بالعريش، بعد ساعات من إحالة أوراق قادة الإخوان يوم السبت الماضى، وعلى رأسهم محمد مرسى وخيرت الشاطر للمفتى، لإبداء الرأى الشرعى قبل الحكم بإعدامهم، لتكشف أن الخطوات الفعلية لاستهداف القضاة بدأت بالفعل خاصة أنه -فى نفس الوقت- نسب للإخوان ثلاثة تفجيرات استهداف المحاكم فى أسيوط ومدينة السادات بالمنوفية وبورسعيد، بالإضافة إلى بث صفحات المنتمين للإخوان على مواقع التواصل الاجتماعى دعوات لاستهداف القضاة بصفة عامة. ويضاف إلى ذلك المعلومات التى بدأت تتسرب من داخل الإخوان بأن المستهدف التالى بعد القضاة، هم رجال الإعلام.

ويؤكد ذلك الكراهية التاريخية من قبل الإخوان للقضاء والإعلام والتى بدأت، قبل ما يزيد على 70 عاماً عندما قام الإخوان عبر التنظيم الخاص باغتيال القاضى أحمد الخازندار، ومحاولة تفجير محكمة استئناف القاهرة عام 1948، عبر سيارة جيب، ذكرت التحقيقات أن الذى قاد هذه العملية مهدى عاكف المرشد العام السابق للإخوان.

ورغم أن المرشد الثانى للإخوان، حسن الهضيبى، الذى حل بدلا من حسن البنا كان يعمل قاضياً، لكن لم يمنع ذلك أن يستمر الكراهية من الإخوان تجاه القضاة، بل إن التنظيم سعى عن طريق قسم سرى خاص بالقضاة، وهو القسم الذى كان له إدارة خاصة تتبع المرشد مباشرة، هو وقسم الوحدات الذى كان يسعى لتجنيد ضباط الجيش والشرطة، بينما كان قسم القضاة يسعى لاستقطاب القضاة، وهو ما كشفت عنه الأحداث الأخيرة فى وجود قضاة تابعين للإخوان.

كما أن الأحداث التاريخية على مدار تاريخ الجماعة، ترسخ لفكرة العداء من قبل التنظيم لحراس العدالة وأصحاب الرأى، فنجد حتى طوال فترة حكم مبارك، رغم حرص الإخوان على التواصل مع وسائل الإعلام، لكن ظلت علاقة الكراهية مستحكمة، مع أى نقد يوجه ضد الإخوان، ووصل الأمر إلى سعى الإخوان وقت وجودهم فى مجلس الشعب فى عام 2003، وقت حكم حسنى مبارك أن تقدم النائب الإخوانى على لبن، بمقترح بأن يطبق عقوبة الجلد على الصحفى فى قضايا النشر، وكان مقترح لبن معبرا عن فكر يدور داخل الإخوان تجاه الصحفيين.

لكن لم يكن متصورا أن تصل درجة العداء من قبل الإخوان للإعلام والقضاء إلى حد الاستهداف المباشر وهو الطريق الذى اتبعته الجماعات المتطرفة فى التسعينيات، ليعيده بنفس الكره التنظيم الأم لهذا التنظيم بعد أن كشف عن وجهه الآخر، وليعبر عن سر كامن داخل الإخوان فى العداء للقضاء والصحافة، بما يمثلانه من فكرة تحقيق القانون وطرح وجهات النظر المختلفة، لتنظيم عاش طوال حياته بعيدا عن الشريعة القانونية، يدير أعماله فى الظلام، ويكره من يكشف حقيقته، أو يعاقبه على أفعاله..!