«المستريح جدًا»

مقالات الرأي



مراقبة حسابات الشركات كشفت عن النصابين

نصاب مدينة نصر جمع 300 مليون دولار فى عام.. وصاحب ستار كابيتال يحاول العودة بـ «مستندات العملاء»

لم ولن أتعاطف مع ضحايا توظيف الأموال، سواء كان توظيف أموال إسلامياً من نوع الريان والسعد، أو كان توظيف أموال مدنياً من نوع البوشى والمستريح، فالمؤمن الذى يلدغ من جحر عشرات المرات لا يمكن الوثوق بأهدافه أو أخلاقه، وقد آمنت منذ عصر الريان بالمعادلة الاقتصادية المهمة، وهى أن علاقة شركات توظيف الأموال بضحاياها، هى علاقة النصاب بالطماع، ولذلك لا أميل للكتابة فى هذا الملف، لأنه فى ظل هذه المعادلة فلم تكن أى نصائح أو دورس أو تجارب قادرة على وقف الظاهرة.

ولكن المستريح الذى أكتب عنه هذه المرة وضعه مختلف جدًا وخاص جدًا.

هذا الوضع لا يضر بالمتعاملين معه فقط، ولكنه يضر بالاقتصاد الوطنى والأمن القومى المصرى، ويؤثر فى قدرة مصر فى ظل ظرف اقتصادى بالغ الدقة على توفير العيش والبنزين والدولار لى ولك ولملايين المصريين.

فأخطر شركات توظيف الأموال أو المستريحين هم الذين يجمعون من المصريين المبالغ بالدولار وليس بالجنيه المصرى، لأن هذا الوضع يزيد الضغط أو الطلب على الدولار ومن السوق السوداء ويضر باحتياطات مصر من الدولار، بحسب دراسة تقديرية فإن حجم المتسرب من الدولار فى العام بسبب شركات توظيف الأموال العاملة بالدولار يبلغ نحو مليار دولار، هذا المبلغ انخفض كثيرًا بعدما تنبهت الدولة لخطورة هذه الشركات، وطارد البنك المركزى بعض هذه الشركات من مصر للإمارات.

ولكن كل فترة تظهر شركة جديدة، وتستغل طمع وجهل البعض لجمع ملايين الدولارات من المصريين وتهريبها للخارج بحجة توظيفها.

فى النصب بالدولار هناك قواعد جديدة للعبة شركات موجودة على أرض مصر وتعمل فى مجالات مشروعة ومرخصة لها بالعمل فيها، ولكنها فجأة تتحول إلى عملية توظيف الأموال، ووجود الشركة وترخيصها يسهل خداع بعض المواطنين.

أحدث شركة دخلت مجال توظيف الأموال بالدولار تقع فى إحدى ضواحى مدينة نصر، ونشطت فى الفترة الأخيرة فى جمع الدولارات، ولا أملك رقمًا محددًا لماجمعته هذه الشركة من المصريين، ولكن بعض التقديرات تشير إلى أن حجم الظاهرة الآن يتجاوز الـ300 مليون دولار، وتزعم الشركة أنها تستثمر فى الفوركس، فى البورصات العالمية وتقوم بالاستثمار فى هذه البورصات، ومن المؤسف أن يصدق البعض هذه الأكاذيب، ونظرًا لاكتشاف أمر شركات عديدة فى العامين الماضيين، فإن هذه الشركة تعمل بسرية وحرص شديدين، وتقنع المتعاملين أن الدولة تقف بالمرصاد لهذه الشركات لأنها لا تدفع الضرائب، وأنهم يستثمرون فى البورصات العالمية فى الذهب والبن والنحاس والماس، وإلخ....

الاستثمار فى البورصات العالمية عمل خطير ومربح وتكلفة الخسارة به باهظة الثمن، ولكن السؤال هل تستثمر هذه الشركات أموال المصريين بالدولار فى البورصات والصفقات العالمية؟ أو بالأحرى هل تستطيع هذه الشركات استثمار الأموال التى تجمعها بالطرق الشخصية ومن يد إلى أخرى، بالتأكيد الإجابة على هذه الأسئلة ستكون «لا» كبيرة وحاسمة وضخمة وتسد عين الشمس، فالدخول للبورصات والأسواق والاستثمارات العالمية ليس عشوائيًا أو يتم بدون قيود وقواعد صارمة، خاصة قواعد مكافحة غسيل الأموال، هذه القواعد أصبحت أكثر صعوبة وتعقيدًا بعد أحداث 11 سبتمبر، فأى مستثمر لا يستطيع استثمار أموال كبيرة فى البورصات أو الأسواق العالمية دون التعامل من خلال حساب بنكى معترف به، والأهم أن يثبت أصل هذه الأموال، وأن هذه الأموال متحصلة من طرق شرعية، وإلا لن تقبل البنوك العالمية بفتح حساب بهذه الأموال، وبالتالى لن تستطيع الشركة أن تستثمر الأموال التى جمعتها لا فى بورصة الذهب ولا النحاس ولا حتى بورصة اللب، ولذلك فإن أول طريق ضياع الأموال هو أن يتصور البعض أن تسليم الأموال باليد للشركة أو أحد مندوبيها يسمح باستثمار هذه الأموال فى البورصات العالمية أو الاستثمارت العالمية.

فبدون فتح حساب بنكى لا يمكن أن تفتح الأبواب أمام الأموال بالدولار فى البورصات الإقليمية أو العالمية على حد سواء، بدون الحساب البنكى ممكن أن تتهرب من دفع ضرائب للدولة، ولكن غياب هذا الحساب البنكى يمحو أى وسيلة لإثبات حقك لدى صاحب الشركة أو المستريح فى حالة الغدر القريب جدًا.

ولهذا السبب تحديدًا شهدت الشهور الماضية عودة مدير شركة ستار كابيتال إلى السطح مرة أخرى، وسر إرساله ايميلات لبعض من وقعوا ضحية له، وكانت هذه الإيميلات تطالبهم بمستندات شخصية من صورة البطاقة والحساب البنكى والأهم إثبات مصدر الأموال التى منحوها له ولمندوبيه حتى يستثمرها، وحتى لا تداعب الأحلام أو الأوهام عقول أى من السادة الذى استثمروا أموالهم لدى ستار كابيتال فإن هذه المطالب ليست لها علاقة باسترداد أموالهم، ولكنها وسيلة لفتح أسواق جديدة لصاحب ستار كابيتال، ولو كانت ستار كابيتال قد طلبت هذه الأوراق والمستندات قبل جمع أموال المصريين لما ضاعت الأموال، لأن أى استثمار فى البورصات العالمية أو الأسواق العالمية يبدأ بإثبات مصادر الأموال المستثمرة، وهذا الشرط يتم قبل الاستثمار وليس بعد جمع الأموال.

شركة مدينة نصر ليست الشركة الوحيدة التى تزاول أو بالأحرى تدعى توظيف أموال دولارات المصريين الآن، ولكنها أحدث شركة دخلت هذه الدوامة، قبل هذه الشركة تم اكتشاف شركتين تعملان فى الأوراق المالية وقررتا أن تستغلا شركاتهما المرخصة لجمع أموال المصريين بالدولار والجنيه، ووصلت القضية للنيابة، ولكن صاحب الشركة كالمعتاد طار بالكثير من الأموال، فصاحب الشركة يختفى فى الغالب قبل عام من بد جمع الأموال، لأنه يدرك جيدًا أنه لو استمر فى مصر بعد مرور العام سيتم القبض عليه.

فدورة جمع الأموال من المصريين لا تتحمل بالمفهوم الاقتصادى أكثر من عام، لأن صاحب الشركة يضطر إلى توزيع أرباح على المتعاملين ونسب أخرى من الأرباح حتى يجمعوا له أكبر عدد من المصريين، أو بالأحرى أكبر عدد من الملايين من الدولارات، ولكى يحقق صاحب الشركة أو المستريح جدا أرباحًا هائلة فلن يستطيع الاستمرار فى دفع الأرباح والنسب أكثر من عام، وكل من يزعم أنه حصل على أموال وأرباح عن أمواله لمدة عامين أو ثلاثة هو شريك مع صاحب الشركة خاصة فى توظيف الأموال بالدولار.

وفى حالة الدولار ونظرًا للخطورة الشديدة على الاقتصاد المصرى، فإن بعض الأجهزة المسئولة تقوم من حين إلى آخر وبالطرق القانونية بالكشف عن حسابات هذه الشركات، خاصة الحسابات بالدولار، وفى حالة ظهور أى تضخم غير مبرر فى حسابات الدولار يتم التعامل بهدوء مع الشركة، ووضعها تحت ميكروسكوب قاس جدًا ودقيق جدا.

ولذلك فالنصيحة المخلصة لكل النصابين والمستريحين أن يبتعدوا عن النصب بالدولار، لأن عمر النصب بالدولار قصير تمامًا مثل اللحظات السعيدة فى الأفلام العربى الأبيض والأسود، أما المصريون اللى هرولوا لشركة مدينة نصر فأبشرهم بأن أموالهم ستطير للخارج وذلك قبل أن يطير صاحب الشركة خارج الحدود، وإذا كان احتمال أن يتم القبض على صاحب الشركة فالمؤكد أن الدولارات طارت.