سيدنا "موسى "عليه السلام يقتل رجل من آل فرعون

إسلاميات

بوابة الفجر



تجدون في هذه القصة:

1- سيدنا موسى عليه السلام يجد رجلين يقتتلان فينصر المظلوم على الظالم، ويبطش بالظالم.
2- سيدنا موسى عليه السلام  يصبح خائفاً بالمدينة بعد أن كان آمناً في قصر فرعون. 

3- حادثة أخرى فيها نصة مظلوم تعرض له فلا يبالي ويهب لنصرة المظلوم أيضاً.  

4- انكشاف أمر سيدنا موسى عليه السلام وخروجه من قصر فرعون إلى مدين ليشتغل بالرعي

بينّا في القصّة السابقة كيف أنّ سيّدنا موسى عليه السلام سيدنا موسى عليه السلام في أحضان فرعون وما زال حتى بلغ أشدَّه واستوى وهنالك آتاه الله حكماً وعلماً. وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ واستَوَى آتَينَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ} سورة القصص: الآية (12-14).

وقد أراد تعالى أن يبيِّن لنا ما قدَّمه هذا النبي الكريم من أعمال يستحق بها ذلك العطاء فذكر لنا قصته مع القبطي.

وخلاصة هذه القصة:

أنَّ سيدنا موسى عليه السلام كان ذات يوم مارّاً في أحد شوارع المدينة فوجد رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل أي: من قوم سيدنا موسى عليه السلام والآخر من القبط أي: من قوم فرعون وقد أخذ القبطي ينال من الإسرائيلي والإسرائيلي مغلوب على أمره بين يدي عدوّه ولا يجد من ينصره.

فما أن رأى سيدنا موسى مقبلاً حتى استغاث به واستنصره، ووقع سيدنا موسى عليه السلام في هذه البرهة بين أمرين:

1- أيظل مقيماً في مصر آمناً مطمئناً بما بين يديه من مُلْك في ظلال فرعون وما يُريد من دنيا واسعة ويدع هذا الإسرائيلي للقبطي يظلمه ويعذبه،

2- أم لا يبالي بهذا كله ويضرب على يد ذلك الظالم ولو أدَّى به الأمر إلى أن يعرِّض نفسه لغضب فرعون والتضحية بكل ما يجده من حياة الدعة والطمأنينة. وهنالك وفي هذه اللحظة أبت عليه مروءته أن يدع ذلك المظلوم دون أن ينصره ودفعه حبُّه للحقِّ أن وكز بيده ذلك القبطي ليبعده عن الإسرائيلي، ومن شدّة ثورة الحق بنفس سيدنا موسى عليه السلام كانت ضربته معبِّرة ساحقة ماحقة لباطل الظالم فقضت على باطله وعليه وخرَّ القبطي المعتدي صريعاً ميتاً.

وإلى هذه الواقعة أشارت الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَدَخَلَ المَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فيِها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلان هذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِهِ فَاسْتَغَاثَهُ الذي مِن شِيعَتهِ عَلَى الذي مِنْ عَدُوّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيهِ}.

ولما رأى سيدنا موسى عليه السلام ما حلَّ بهذا الظالم بسبب ظلمه التفت إلى الإسرائيلي يعظه ويحذِّره فقال: {هَذا مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ} أي أن خصمك مات وحلَّ به ما ترى بسبب متابعته للشيطان فاحذر أن تطيعه في ظلم أحد لئلا يصيبك ما أصاب خصمك. ثمَّ تابع قوله فقال: {إنَّه عَدُوٌّ مُضِلٌ مُبينٌ}.

وقد أدرك سيدنا موسى عليه السلام أنه بعمله هذا قد عرَّض نفسه للخطر وانكشف أمره بأن أصله إسرائيلي وهو من يخشاه فرعون على حياته وملْكه، فإذا ما انكشف أمر قتله للقبطي وعرف فرعون وملؤه ذلك فلا بدَّ أنهم سينتقمون منه. ولذلك طلب من الله تعالى أن يغفر له أي أن يحفظه من شرِّهم وأذاهم، وإلى هذا تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِر لي} أي: إنني بنصرة هذا المظلوم عرَّضت نفسي لإيذاء هؤلاء الظلمة وقد كنت من قبل آمناً مطمئناً مجهول الهويَّة لا أخاف منهم أحداً فاحفظني من شرِّهم.

وقد استجاب الله تعالى دعوته ووقاه وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: {فَغَفَرَ لَهُ إِنَّه هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} سورة القصص: الآية (15-16).

وإذا أردت أن تدرك قيمة هذا العمل العظيم الذي قام به سيدنا موسى عليه السلام: فتصوَّر أنك في بلد حاكمه مستبد والحاكم وأهل ذلك البلد كلّهم من أعدائك وذات يوم وجدت رجلاً من هؤلاء الأعداء يظلم رجلاً من قومك فضربت العدو وانتصرت للحق. ترى كم تكون قد عرَّضت نفسك للخطر وكم يكون قلقك عظيماً؟.

فإذا تصورت نفسك في مثل هذا الوضع أدركت ذلك الحال الذي أصبح فيه سيدنا موسى عليه السلام وأدركت قيمة عمله.

على أن سيدنا موسى عليه السلام في كل ما تعرَّض له من خطر ظلَّ ثابتاً على مبدئه في نصرة الحق وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً للمُجْرِمِينَ} سورة القصص: الآية (17). أي: ما يكون لي وقدجعلت في قلبي ما جعلت من حبٍّ للحقِّ أن أكون معيناً للمجرمين الذين حرموا أنفسهم من كل خير.

وفيما هو على ذلك الحال من القلق، رأى في اليوم الثاني رجلاً آخر من القبط يظلم ذلك الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس فما أن رأى ذلك الإسرائيلي سيدنا موسى عليه السلام مقبلاً حتى استصرخه مستغيثاً به.

قال تعالى: {فَأَصْبَحَ فِي المَدِينَةِ خَائفاً يَتَرَقَّبُ فإِذَا الَّذي اسْتَنصَرَهُ بِالأمسِ يَسْتَصْرِخُهُ}.

هنالك التفت سيدنا موسى عليه السلام إلى الإسرائيلي وخاطبه قائلاً: {إِنَّكَ لَغَوِيٌ مُبِينٌ} أي: إن تسلَّط ذلك القبطي عليك بالأمس وما وقع من التسلُّط عليك اليوم يدلُّ دلالة صريحة على غوايتك أي شذوذك وخروجك عن الحق ولو كنت امرءاً مستقيماً على الحق لما سلَّط الله عليك أولئك.

ولمَّا أراد أن يبطش بالقبطي ليخلِّص الإسرائيلي من شرِّه خاطبه القبطي قائلاً يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس، قال تعالى: {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذي هُوَ عَدُوٌ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِن تُريدُ إلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً في الأَرضِ وَمَا تُريدُ أَن تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ}.

إذن لقد شاع في المدينة الأمر وتبيَّن أن موسى عليه السلام هو الذي قتل بالأمس ذلك القبطي، وهنالك ثارت ثائرة القبط وصمم فرعون وملؤه على قتل سيدنا موسى، وقد أراد ربك أن يحفظ سيدنا موسى عليه السلام من أذاهم ومكرهم فساق رجلاً كان قد اطّلع على تلك المؤامرة ليخبر سيدنا موسى بالأمر. قال تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا المَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إنَّ المَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ ليَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} سورة القصص: الآية (18-20).

وأنت ترى من هذا أنَّ الله تعالى هو العليم الحكيم وأنه هو المتصرِّف في هذا الكون فبيده تعالى وحده الأمر. وقد ساق ذلك الرجل من أقصى المدينة ليخبر سيدنا موسى بما تآمر عليه أعداؤه، وكذلك كل من كانت غايته من عمله رضاء ربه فلا بدَّ أن يحفظه الله من كلِّ مكروه.

وقد خرج سيدنا موسى عليه السلام من مصر وانتهى به مسيره إلى بلاد مدين وجمعه الله تعالى بسيدنا شعيب عليه السلام، فلما قصّ عليه قصته قال: {لا تخف نجوت من القوم الظالمين}.

وقد رغب سيدنا شعيب عليه السلام بهذا الشاب من بعد ما رأى من مروءته وصفاته العالية في أن يجعله زوجاً لابنته. وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {قَالَ إِنّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَني ثَمَانِي حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ..} سورة القصص: الآية (27)
والحجج جمع حجة وهي السنة، وقد مكث سيدنا موسى عليه السلام في مدْين برفقة ذلك الرسول الكريم السنين ذوات العدد.