عبدالرحمن سليم يكتب: شوِّه واكسر .. إيه الجديد؟

مقالات الرأي

بوابة الفجر


لستُ ممن يحبذون "التعميم"، ولكن دعونا نتفق أننا شعبًا إذا أحبَّ ألّه وإذا كره شوَّه، والناس فيما يعشقون ويكرهون مذاهب، متطرفون نحن، ننادي بالوسطية ليل نهار، ويضيق بنا دربها، تارة بـ"التطبيل" وتارة بـ"التنكيل".

إذا أحببنا حاولنا إقناع العالم كله بحب من نحب، والعكس، لم نتعلم سياسة الاختلاف، غير قادرين على  استيعاب الآخر وتقبلّه، نغض الطرف عن الزمن وقدرته على تغير ما تحويه القلوب، فالحب والكره لا يدومان والتجربة الحياتية أيدت ذلك.

بالأمس انقلبت الدنيا ولم تهدأ على تمثال "نفرتيري" المُشوَّه الذي وُضِعَ في مدخل مدينة سمالوط بالمنيا، ولكن لماذا أصبح هذا التمثال حديث الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي طوال اليوم، هل هذا التمثال أول من شوهناه، لما لا نتقن فن الحفاظ على الغوالي، علل .. فشل الدولة وأنظمتها المتعاقبة طوال عشرة عقود من استعادة التمثال الأصلي من برلين؟.

كل المواقع الاخبارية بالأمس شوهوا التمثال اسمًا كما شوّهه صانعه شكلاً، فمن هي تلك الـ"نفرتيتي" التي يتحدثون عنها، لم يحاول زميل صحفي واحد أن يتحقق من الإسم الصحيح لتلك الملكة - نفرتيري- التي تزوجت إخناتون أول من دعى للتوحيد، وحماة توت عنخ آمون أصغر وأشهر ملوك مصر عبر العصور.

ليت التشويه وقف عند شكل أو اسم تمثال فقط، بل حاول رئيس مجلس مدينة سمالوط أن يزج بالاخوان ويتهمهم بتشويه التمثال، فأي عبث هذا؟، فبرغم رفضنا لوجود ذلك الكيان الارهابي بيننا إلا أنه لن يظل "شماعة" نُعلِّق عليها فشلنا، وإلا فهل المسخ الآخر الذي استُبدل بنفرتيري من صنعهم، بدلّت مسخًا بمسخًا آخر، شوّهت بالمسخ الأول التاريخ، وشوهت بالمسخ الثاني السلام، أُفٍ لك ولفشلك.

التشويه ليس حكرًا على التاريخ فقط، فبعض أدعياء الديمقراطية والمغالاة بالحريات، شوّهوا صورة من كانوا بجوارهم كتفًا لكتف، ليس لشيء إلا لنيل رضا نظام ما، طالما آلت إليه الآن مقاليد الحكم.

فحريٌ بك ما دُمت ابتغيت التودد لعزيزها أن تَسُبَ شهيدها، حتى وإن كان من وراء حُجُب، وإلا فما الداعي أن يقوم أحد المسؤلين باتهام من كانوا بميدان التحرير في 2011 بالخيانة والعمالة، إن كان من عاش ممن ثاروا في يناير 2011 خائن وعميل فلماذا نترحم على من ماتوا ونُطلق عليهم لفظة "شهداء"، أم أنهم لا يستوون؟.  

"آفة حارتنا النسيان" كما قال محفوظ، وهذا ما برع مسؤلينا في استغلاله على الوجه الأمثل، مستغلين قلة وعي وثقافة هذا الشعب الذي يقف نصفه أو ما يزيد تحت خطي الفقر والأمية.

رُب ضارةٍ نافعة، لربما دفع هذا المسخ الذي أُزيل من مدخل سمالوط مسؤلينا لأخذ خطوات جادة وصارمة على طريق استعادة تمثال نفرتيري الأصلي والغير مشوَّه من برلين، أم سيكتفوا بمجموعة من المسوخ المشوّهة الأعلى دقةً في التقليد بالمرة القادمة.!!