وزير الإسكان يفرض 4 ملايين جنيه «إتاوة» على سكان مارينا لاستخدام الشواطئ

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر




■ رجائى عطية استقال من رئاسة «اتحاد شاغلى مارينا» رافضاً تسهيل الاستيلاء على المال العام

بجرة قلم أحال مصطفى مدبولى، وزير الإسكان، مارينا العلمين، من منتجع سياحى، إلى حارة فى منطقة عشوائية، ويعلو فيها صوت القوة على إرادة القانون، وتتعاون فيها البيروقراطية، مع الفساد بأفضح صوره، بسلب السكان حقوقهم فى التمتع بالبحر، وإجبارهم على دفع «إتاوة» للجلوس قربه.

تبعد مارينا العلمين، عن الإسكندرية 94 كيلومترًا، إلى جهة الغرب، وتكلف إنشاؤها 48 مليار دولار، وتحولت فى سنوات قليلة إلى جنة صغيرة يلقى فيها أبناء الطبقة المتوسطة على اختلاف فئاتهم بأنفسهم على رمالها، ليغسلوا أرواحهم وأجسادهم، من عودام العاصمة، وضجيج سياراتها، وأهم ما فى المكان، صرامة قواعده، وعدم قدرة أحد على مخالفة القانون، حيث أراد مؤسسو المصيف التخلص من أمراض المدن التقليدية التى يعلو فيها صوت النفوذ على صوت القانون.

وتشتهر مارينا بأنها المكان السياحى الوحيد الذى لايشكو غياب أى من الخدمات طول العام، وتضم 180 سوبر ماركت ومطاعم وفنادق ومرسى لليخوت وبحيرات صناعية، وتشغل الحدائق والمساحات الخضراء ثلثى المساحة، وتضم عدة شواطئ للاستجمام والسباحة بطول 17 كيلو مترًا، إلى جانب ملاعب الأطفال ودور السينما والكافيتريات والمقاهى والملاعب الرياضية.

ورغم بعد المكان عن القاهرة، تسللت البيروقراطية البغيضة التى تضحى بالجمال من أجل فرض الإتاوات على المواطنين، وفوجئ سكان المنتجع بتأجير الشواطئ لصالح مقاولى المتعة والرفاهية، الذين يعيدون بيع الجلوس على الشاطئ والاستمتاع بالبحر والشمس والهواء النقى إلى المصيفين مجدداً، رغم أن الشواطئ ملك عام لا يجوز وفق أى قانون أو لائحة تأجيره، لأنه حق أصيل لسكانه، الذين لا يجوز لهم وفق هذه القواعد تأجيره لأى جهة.

يكشف رجائى عطية، رئيس اتحاد شاغلى مارينا العلمين، تفاصيل المأساة، التى أدت فى النهاية إلى تقديمه لاستقالته من منصبه، بقوله إن سكان القرية فوجئوا بتأجير شواطئها عام 2014، فانتفضوا وطلبوا من الوزير وقف هذه المهزلة، فوعد الأخير بعد اجتماع عقده مع مجلس إدارة الاتحاد فى 6 أغسطس 2014، بأن نهاية سبتمبر من نفس العام ستكون المرة الأخيرة التى يؤجر فيها جهاز القرى السياحية، التابع للوزارة شواطئ القرية.

وقال عطية، إنه اتفق مع الوزير على كتابة بحث قانونى فى مسألة جواز تأجير شواطئ القرية من عدمه، لدعم لوزير أمام بعض الجهات التى تجهل القانون وتعتبر التوقف عن تأجير الشواطئ إهداراً للمال العام.

وبحسب المادة 87 من القانون المدنى تعتبر الملكية العامة من شواطئ وأنهار وطرق وكبارى وميادين وشوارع، متاحة لجميع المواطنين مجاناً، ولا يحق لأحد أن يطلب منهم ثمنًا أو مقابلاً للاستخدام، ولا يجوز التصرف فى هذه الشواطئ وغيرها بالبيع أو الإيجار أو ما يشبه ذلك، لأن هذا التصرف مخالف للقانون، وهو ما أورده كبار القانونيين فى مؤلفاتهم مثل الدكتور لبيب شقير، فى كتابه علم المالية «العامة»، والدكتور عبد الرازق السنهورى فى كتابه «الوسيط» والدكتور حازم الببلاوى، رئيس مجلس الوزراء السابق، فى مقال له بجريدة الأهرام.

وتنص المادة على عدم جواز التصرف فى الأموال العامة، أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم، ويحظر تماماً التصرف فيها بجميع الصور، بالبيع أو الرهن أو الإيجار، وقضت محكمة النقض، بأن الشواطئ معدودة من الأموال العامة، ولا يجوز بيعها أو تأجيرها وفى حال وقوع هذا التصرف يعتبر باطلاً ومخالفاً للقانون.

كان الوزير يخشى من اعتراض الجهاز المركزى للمحاسبات، على قرار وقف تأجير شاطئ مارينا، لأن الجهاز سيعتبره خسارة وإهدارًا للمال العام، استناداً إلى أن جهاز القرى السياحية، قام بتأجير الشواطئ، لذا تضمن رد عطية - هو أحد المحامين الكبار فى مصر.- الذى أرسله للوزير فى 1 سبتمبر 2014 أن الالتزام بأحكام القانون الذى يمنع التأجير هو الأصل، وأرفق بمذكرته قرار الجمعية العمومية للقرية التى انعقدت فى 8 أغسطس من نفس العام والى أجمعت على رفض انتزاع الشاطئ من سكان القرية.

بدل مصطفى مدبولى، وزير الإسكان، موقفه، بشكل غريب، وبدلاً من تنفيذ وعده، بإيقاف تأجير شاطئ مارينا، فوجئ السكان، بإعلان جهاز القرى السياحية فى صحيفة الأهرام فى إبريل 2015، عن طرح مزاد لاستغلال خدمة الشواطئ مقابل انتفاع موسم صيف واحد.

وقدم رجائى عطية، استقالته من منصبه، كرئيس لاتحاد الشاغلين، احتجاجاً على تصرفات الوزير، التى لم تتوقف عند حد تأجير شاطئ، وتجاهل الرد على المذكرة التى تثبت حق السكان فى الاستمتاع بالبحر، ولكنه ترك جهاز القرى يطلب من الاتحاد 4 ملايين جنيه، مقابل تأجير الشواطئ للسكان بالأمر المباشر.

الغريب أن العرض الذى تقدم به جهاز القرى، لاتحاد الشاغلين، ليس مجرد طلب صريح للإتاوة، ولكنه جهل بأبسط القواعد المنظمة لعمل الاتحاد وطبيعته، حيث لا يملك موظفين أو أموالاً، تمكنه من التقدم لمزايدة أو عطاء، فضلاً عن أن العرض فى حال قبول الاتحاد له يمثل جرائم «الاستيلاء على المال العام، والإضرار به، وتظفير الغير بربح دون وجه حق» باستئجار الشاطئ، ودفع 4 ملايين جنيه، إلى هيئة المجتمعات العمرانية، رغم أن استغلال الشاطئ من حق أعضاء الاتحاد.

تتصرف وزارة الإسكان والهيئات التابعة لها، مثل قناصى الصفقات وتبحث عن أى ثغرة للالتفاف على القانون ولو لم تجد، لا تتحرج على الإطلاق من مخالفته صراحة حيث تحالفت مع بعض أصحاب المصالح، أعضاء اتحاد الشاغلين المعبر عن السكان، وتحديداً نائب رئيس الاتحاد وأمين الصندوق وإحدى عضوات المجلس وشخص رابع لاصفة له، والذين أرسلوا فاكسًا إلى الوزير ورئيس هيئة المجتمعات العمرانية يقترحون فيه، السماح لسكان مارينا باستخدام الشواطئ من خلال الشركة التى تدير القرية بهدف تحقيق عائد للصرف على صيانة القرية وخدمات الشاطئ على أن يتم توريد نسبة بالاتفاق بين الهيئة والشركة واتحاد الشاغلين.

ويعتبر العرض السابق مخالفة صارخة للقانون من عدة وجوه، أولها أن نائب رئيس الاتحاد وأمين الصندوق وعضوة الاتحاد لا يملكون مخاطبة أى جهة، فضلاً عن وجود شخص رابع لا صفة له، إذ أن الممثل الوحيد للاتحاد الذى يملك مخاطبة أى جهة هو رئيسه رجائى عطية فقط، إضافة إلى أنه لا أحد يملك إلزام الملاك بدفع مبالغ تحت بند استخدام الشواطئ لأنه لا يجوز ومخالف للقانون.

وهنا رفض رجائى عطية عمدة مارينا وأحد أشهر شاغليها المحاولة الواضحة من بعض أعضاء مجلس إدارة اتحاد شاغلى مارينا، وآخرين الاستفادة من شواطئ مارينا، على حساب سكانها، ورفض أيضاً إصرار الوزارة على ادعاء الجهل ومخالفة القانون والالتفاف من ورائه، لأنه وقف بالمرصاد ضد خطة تأجير الشاطئ، حيث اجتمع مجلس إدارة الاتحاد فى 15 يونيو الماضى، واقترح عطية على الأعضاء، إرسال خطاب إلى وزير الإسكان، للحصول على عرض محدد من هيئة المجتمعات العمرانية، عن استئجار الشاطى، وأرسل خطاباً للوزير فى 16 يونيو، يشير فيه إلى معرفة الوزير رسمياً برفض اتحاد الشاغلين تأجير الشاطئ، ويطالبه فى الوقت ذاته بموافاة الاتحاد بمقترح الوزارة والهيئة فى شأن تأجير شواطئ مارينا لدراسته واتخاذ قرار بشأنه للرد على الوزير.

ولم يرد الوزير على الخطاب، ولكن وصل إلى رجائى عطية رئيس الاتحاد، خطاب من رئيس جهاز القرى السياحية، يطلب فيه من الاتحاد دفع مبلغ 4 ملايين و111 ألف جنيه، مقابل منح الاتحاد، حق الانتفاع بالشواطئ، بالأمر المباشر.

يقول رجائى عطية فى خطاب استقالته الذى قدمه إلى ملاك مارينا ومجلس إدارة اتحاد شاغليها ووزير الإسكان، ورئيس جهاز القرى السياحية ورئيس الشركة المسئولة عن إدارة القرية، إن الخطاب الأخير يطلب منه وهو رجل قانون معروف، مخالفة ما يعرفه من قواعد قانونية فضلاً عن التورط فى ارتكاب جرائم واضحة فى إهدار المال العام وتربيح الغير، وتنفيذ أمر سبق ورفضه كتابة إلى جميع مسئولى وزارة الإسكان.