"فرنسا 24": من يتحمل تبعات تسليم آخر رئيس وزراء ليبي؟

عربي ودولي

بوابة الفجر


قرار الإعدام الذي أصدرته محكمة الجنايات في ليبيا بحق رموز نظام القذافي الثلاثاء أثار من جديد قضية تسليم الحكومة التونسية لآخر رئيس وزراء ليبي، البغدادي المحمودي، الذي كان لجأ إليها عقب سقوط القذافي في 2011. الحكومة التونسية آنذاك استجابت لطلب ليبي بتسليم المحمودي رغم مخاوف من عدم حصوله على محاكمة عادلة. فمن يتحمل مسؤولية هذا القرار اليوم في تونس وما الذي أمام تونس فعله لمحاولة تدارك قرار التسليم؟

ما إن أعلنت محكمة جنايات طرابلس أمس حكمها بالإعدام على عدد من رموز نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، ومن بينهم نجل القذافي سيف الإسلام ورئيس المخابرات السابق عبد الله السنوسي وآخر رئيس وزراء ليبي البغدادي المحمودي، حتى اندلع جدل حول القضية في تونس التي سلمت الأخير في يونيو/ حزيران 2012 إلى الحكومة الانتقالية الليبية آنذاك.

وكان تسليمه قد أثار وقتها، خلال حكم الترويكا التي هيمنت عليها حركة النهضة الإسلامية، احتجاجات أطراف سياسية وحقوقية تونسية شككت في إمكانية أن يحظى البغدادي المحمودي بمحاكمة عادلة في ليبيا، رغم تعهد حكومة ليبيا الانتقالية حينها بحمايته من أي ضرر مادي أو معنوي.

لكن صدور قرار إعدام المحمودي وتذمر هيئة الدفاع عنه من ظروف اعتقاله والتواصل معه، مع الفوضى التي تعيشها ليبيا اليوم سياسيا وأمنيا، أعاد إلى الواجهة فرضية تحمل الجهات التونسية الحاكمة آنذاك مسؤولية مخلفات تسليم المحمودي خاصة أن كل المؤشرات كانت تنبئ بأنه سيلقى هذا المصير.

قيادات في النهضة، ولاسيما وزير العدل السابق نور الدين البحيري ورئيس الوزراء حمادي الجبالي الذي غادر النهضة فيما بعد، دفعوا عن حزبهم مسؤولية تسليم المحمودي وأكدوا على مطابقة هذا الإجراء للقانون وموافقة الرئيس المؤقت آنذاك منصف المرزوقي على قرار التسليم، رغم حرص الأخير على التذكير بتاريخه في الدفاع عن حقوق الإنسان.

فمن يتحمل بالفعل مسؤولية تسليم البغدادي إلى الأطراف الليبية؟

"سمير ديلو" سلمنا شخصا مطلوبا إلى بلاده ومتورطا في ارتكاب جرائم ضد شعبه، وهو أمر قانوني

سمير ديلو، القيادي في حركة النهضة التونسية والناطق باسم حكومة الترويكا آنذاك، صرح لفرانس24 بأن قرار التسليم جاء تطبيقا لقرار قضائي وفي وقت كانت تعهدت فيه الحكومة الليبية المؤقتة لتونس بتوفير مقومات محاكمة عادلة، كما تمت المصادقة على قرار التسليم من قبل مجلس وزاري في تونس جمع ممثلين عن كل الأحزاب السياسية ولم يكن القرار انفراديا في أي حال من الأحوال.

وأضاف ديلو أن قرار ليبيا المطالبة بتسليم المحمودي يعتبر طبيعيا حتى ولو كان يواجه عقوبة الإعدام في بلاده، لأن تونس أيضا تطلب شخصيات تورطت في جرائم في حق الشعب على غرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن الذي قد يواجه بدوره في حال سلم إلى بلاده عقوبة الإعدام ، وقال " إذا لماذا نحرم ليبيا من حق نمنحه لأنفسنا؟."

وتابع ديلو " نطالب الأطراف التي تثير اليوم مسألة تسليم البغدادي المحمودي بتسليط الأضواء على شخصية هذا السياسي الليبي. إن البعض اليوم أصبح يسميه الدكتور البغدادي المحمودي غاضين الطرف عن تورطه في قمع الشعب الليبي وارتكاب جرائم في حقه. لا نعرف لمصلحة من يحاولون تلميع صورة المحمودي اليوم في تونس."

وأوضح ديلو أن رئيس الوزراء آنذاك حمادي الجبالي وحكومته تتحمل مسؤولية هذا القرار الذي لم يتم اتخاذه من عدم، ودعا الأطراف التي تهدد برفع قضايا ضد حكومة الترويكا الحاكمة حينها باللجوء فعلا إلى القضاء، لأن هذه الحكومة لم تخرق القانون بتسليم هارب من العدالة إلى بلاده".

"شبح تسليم المحمودي إلى العصابات في ليبيا سيلاحق تونس ولابد من محاسبة المسؤولين عن ذلك"

من جهته، لا يوافق الناطق باسم "لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس"، محي الدين شربيب، مع ديلو، فصرح لفرانس24 بأن حكومة الترويكا هي المسؤولة المباشرة عن قرار تسليم البغدادي إلى "حتفه"، وطالبها بتحمل تبعات ذلك. ووصف ما حدث بالعملية الخطيرة وقال "الإسلاميون في تونس تجاهلوا حقوق الإنسان والمواثيق الدولية حين قبلوا بتسليم المحمودي "للعصابات الحاكمة في ليبيا"، فأي تاريخ في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان تتمتع به الحكومة الانتقالية الليبية الحاكمة في ذلك الوقت حتى نسلمها شخصا مطلوبا في حجم رئيس الوزراء الليبي السابق..؟ مصير المحمودي كان متوقعا ..."

ووجه شربييب أصابع الاتهام إلى النهضة باعتبار تقاربها إيديولوجيا مع الإسلاميين في ليبيا كما قال، وأضاف "رئيس الحكومة حينها الجبالي، وكان كاتب عام النهضة، وهي التي أصرت على قرار التسليم وتجاهلت صلاحيات رئيس الدولة الذي رفض قرار التسليم على ما يبدو... لا نعرف مدى صحة الأخبار الرائجة التي تحدثت عن وجود صفقة مالية لقاء تسليم المحمودي  "

..وقال الحقوقي إن لجنته كانت قد نبهت إلى خطورة تداعيات هذا التسليم وتعتبره اليوم فضيحة بأتم معنى الكلمة ستلتصق بصورة تونس إلى الأبد. وحتى بعد تغيير الحكومات في تونس، فإن ما حدث سيظل يلاحق صورة بلادنا التي سلمت لاجئا إليها دون مراعاة أبسط حقوق الفرد: ضمان أمنه ومحاكمة عادلة.."

ويضيف "تونس اليوم لا تستطيع فعل أي شيئ لتدارك ما حدث، فلا وجود لسلطة في ليبيا الغارقة في الفوضى الأمنية والسياسية، ولا يمكن الوصول إلى نتيجة ما في حال لجأنا إلى المحاكم الدولية للضغط على ليبيا، التي تفتقد اليوم إلى مقومات الدولة القادرة على اتخاذ قرارات أو حتى التفاوض معها".

ويضيف شربيب "ونطالب اليوم بإلقاء الضوء على حيثيات تسليم المحمودي إلى ليبيا، وتحديد المسؤوليات وتقديم الأشخاص الذين يثبت تورطهم في ذلك إلى القضاء..الحكومة التونسية مطالبة بذلك خاصة بعد أن لاحظنا محاولات الجميع اليوم التنصل من مسؤولية هذه الفضيحة".

قضية تسليم المحمودي إلى ليبيا والحكم عليه بالإعدام أثار مجددا الجدل في تونس، كما حدث منذ ثلاث سنوات حيث انتفضت جهات سياسية وحقوقية وحتى شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس ضد هذا القرار الذي اعتبرته نتيجة لإملاءات خارجية. كما اتهمت حكومة الترويكا وكذلك الرئاسة التونسية بارتكاب "إخفاقات" على مستوى التعامل مع ملفات حساسة، خاصة على مستوى السياسة الخارجية كالتعامل مع قضية المحمودي ومع ليبيا إجمالا وقطع العلاقات الديبلوماسية مع سوريا. قرارات يبدو أن الحكومة التونسية الحالية بصدد مراجعتها اليوم جذريا.