حكايات الرعب والموت فى «الأميرة الغارقة»

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر



عندما يستدعيك الموت، ستجيبه رغمًا عنك، هذا ما عهدناه فيه، لا يستأذن ولا يرحم بكاء الأطفال ولا ثكالى الأمهات، يأخذ من يريد على النحو الذى يريد، فلا فى الموت اختيار.. ولا من القدر مفر.

لم يكن يعلم ذلك الطفل الذى لم يبلغ العاشرة، أن إلحاحه على والده بالتنزه فى وسط النيل على ظهر مركب «الأميرة» زهيدة الثمن البالغ خمسة جنيهات، سيكون إلحاحًا لمقابلة الموت غرقًا، فبعد سماع أغانى سائق المركب الموتور على ظهر «الأميرة»، ملأ الصمت الذى يسبق صراخ الثكالى فراغ ذلك الطفل اللاهى.

فى السابعة من مساء الأربعاء الماضى، كسر سكون غرق «الأميرة» استغاثات البقية الناجية فى عرض النيل، فالتفت أهالى منطقة الوراق بالجيزة ناحية الصوت المرتجف، ليشاهدوا اللحظات الأولى لغرق هذا المركب، الذى كان يحمل على متنه ما يزيد على الخمسين فردًا، رغم تهالك حالتها التى تسمح له فقط بحمولة لا تزيد بالكاد على الثلاثين.

شهدت الوراق ثلاثة مشاهد دمى لها القلب قبل العين، الأول لغرق المركب، والثانى لانتشال الجثث من المياه، والثالث فى المشرحة لاستلام أهالى الضحايا جثث ذويهم.

البداية عندما قام محمد رضا محمد السويسى ابن صاحب المركب «الأميرة» بزيادة سرعة المركب، لتجارى إحساسه بسرعة الريح من حوله، غير عابئ بهؤلاء الأطفال المتشبثين بأكف ذويهم.

بعد ساعة من اللهو بأعصاب الركاب وتحديدًا فى الثامنة مساءً، وأثناء العودة للمرسى النيلى، فوجئ بصندل يقطع طريقه، ذلك الصندل الذى ظل سائقه يرسل إشارات التنبيه وصافرات الإنذار لقائد المركب الذى لم يسمعها، بسبب تلك الأغانى الشعبية التى اعتاد سائقو مراكب النزهة النيلية تشغيلها، فاصطدم الصندل بالمركب، ما اسفر عن غرق الأخير بعد تهشم جانبه الأيمن كاملاً.

غرقت «الأميرة» وغالبية من على متنها، حتى محمد رضا سائق المركب لم يسلم من الغرق، فابتلعه النيل بصحبة 37 آخرين، ونجح قليلون فى النجاة بعد صراع طويل مع الأمواج، انتهى بتدخل الأهالى وقوات الحماية المدنية التى انتقلت على الفور لمكان الحادث، لتنقذ من استثناهم الموت من قبضته.

قضت قوات المسطحات المائية ليلة قاسية بين رحى الظلام العائق الوحيد أمام استخراج جثث من ابتلعهم النيل، وبين صراخ اهالى الضحايا ومطالباتهم بسرعة إخراج ذويهم من المياه.

لم تنجح شرطة المسطحات المائية فى إخراج جميع الجثث، وعندما ذهب أحد الأهالى لضباط المسطحات لحثهم على إخراج ذويه، تعلل أحد الضباط بعدم وجود اسطوانات أكسجين كافية، فكانت القشة التى قصمت ظهر البعير، فنشبت مشاجرة بين طرفين ليس لهما ناقة ولا جمل فى المأساة، فلا الشرطة تسببت فى الحادث وإن كانت تتحمل مسئولية عدم إعداد خطة للكوارث، ولا أهالى الضحايا عرفوا المتسبب ليقتصوا منه.

واستمرت المناوشات بين الأهالى والشرطة حتى الساعات الأولى من صباح الخميس الماضى، الأمر الذى جعل عملية الإنقاذ لا تقف عند الشرطة فقط، فقام بعض الصيادين بالاشتراك تطوعًا لإنقاذ من يمكن إنقاذهم.

فى تمام الواحدة صباح الخميس، جاءت فرقة إنقاذ أخرى، ولكن ليس من أجل انتشال الجثث، بل لانتشال مركب «الاميرة»، لفحصه ومعرفة سبب الغرق، وبعد مرور ثلاث ساعات نجحت فرقة الإنقاذ فى انتشال «الاميرة»، الأمر الذى دفع الأهالى لإلقاء الحجارة على فرقة الإنقاذ، لأنهم انتشلوا المركب ولم ينتشلوا جثث الضحايا حتى حينها.

سيارات الإسعاف كانت تنتظر بطول كورنيش الوراق نبأ انتشال أى جثة جديدة لتنقلها إلى مشرحة مستشفى إمبابة المركزى، ذلك المستشفى الذى تعامل مع الأهالى بقسوة وعدم رحمة، الأمر الذى وصل بالمستشفى إلى منع أهالى الضحايا التعرف على جثث ذويهم، ما أدى إلى تجمهر الأهالى حول المستشفى فى محاولة منهم لاقتحامه.

بعد امتلاء مشرحة مستشفى إمبابة المركزى بالجثث تم تحويل الجثث الجديدة لمشرحة معهد ناصر، فى السابعة من صباح الخميس، الأمر الذى دفع أهالى الضحايا للانتظار أمام مرسى إسعاف المسطحات.

ما قابله الأهالى من تعنت فى مستشفى إمبابة المركزى واجهوه فى معهد ناصر، الأمر الذى جعلهم يهتفون «عايزين ولادنا» محاولين كسر ذلك الباب الحديدى لإسعاف المسطحات.

فى تمام الحادية عشرة صباح الخميس وصلت أربع جثث إلى معهد ناصر ولم يسمح أمن المعهد للأهالى بالتعرف على الجثث، فقام الأهالى بقطع الطريق امام معهد ناصر كعملية تصعدية ولمدة ساعة كاملة، ما اضطر مدير المستشفى للسماح بدخول أهالى الضحايا داخل المشرحة ليتعرفوا على جثث ذويهم، وفور استخراج التصاريح اللازمة استلم أهالى الضحايا ذويهم لدفنهم.