حسين معوض يكتب: مصطفى مدبولى الراعى الرسمى لتجار العقارات وسماسرة الأراضى المدعومة

مقالات الرأي



لم يدخل مصطفى مدبولى وزير الإسكان فى ملف إلا وأفسده، وأوقف نموه.. نخاف الآن على العاصمة الإدارية الجديدة، لقد بدأ الوزير الحديث كثيرا عن العاصمة وعن مستقبلها وطريقة صناعتها و...

نحن أمام وزير لا يجيد صناعة الحلول للمشاكل والأزمات، لو قيمناه بـ "حسن نية" لا نملك سوى وصفه بـ«الفاشل»، نعرف أنه يدمن التخفى ومحاولة الهروب من الأزمات.. لسوء حظه أنه يواجه شعباً أدمن الحيلة وتفنن فيها وأصبحت هى القاعدة التى تحكم حياته.

دفع بكل أسلحته لمواجهة الشائعات المغرضة التى تنال من شرف "القرعة".. المغرضون نشروا قائمة بـ12 فرداً من عائلة واحدة حصلوا على أراضى الإسكان الاجتماعى، لم ينكر الوزير ورجاله علاقة النسب بين الـ 12 المحظوظين، ولكنه أنكر علينا نظرات الشك فى "القرعة".. اقسم رجاله على شرفها وأن الحظ وحده هو الذى تلاعب بها وأوقعها فى ايدى "العيلة".

يعتقد الكثيرون أن الفساد هنا هو القضية الرئيسية وهو سبب معاناتهم وهو الذى يحرمهم من شقة 100 متر أو قطعة أرض فى صحراء المدن الجديدة.. والحقيقة أنه وإن وجد فساد فهو فساد صغير، صغير جدا، وأزمتنا الأكبر فى "الفشل"، قضيتنا مواجهة الفاشل الكبير وليس الفاسد الصغير.. الفاشل يصنع الفرص بـ "حسن نية" للصوص.. ويحرم المحتاجين بـ "حسن نية" من فرصتهم.

ورث مصطفى مدبولى مشروع الإسكان الاجتماعى من وزراء الإسكان السابقين، تعود جذوره إلى أيام إبراهيم سليمان ونظام مبارك البائد "ابنى بيتك".. ورغم جبروت إبراهيم سليمان وقتها، ورغم سطوة ونفوذ رجال الأعمال المتربحين من سوق العقارات، ورغم قلة عدد القطع المطروحة وقتها، إلا أن مبارك اتخذ قرارا بأن يحصل كل المتقدمين للقرعة على أرض "ابنى بيتك"، وانهالت على المقترعين هبات رجال النظام من حديد إلى اسمنت، وإن طالتهم غضبة العربان ويعانون منها حتى الآن.

مصطفى مدبولى قرر أن يجتهد، اكتفى بطرح عدد قليل من قطع الاراضى للإسكان العائلى، ليخلق سوقاً سوداء ومضاربات على أراضى الإسكان المتوسط، غالبا اكتفى بالقطع المتبقية من قرعات طرحها سلفه من وزراء الإسكان، وحتى الوحدات السكنية وصل بسعر المتر فيها إلى أرقام لا يتحملها موظف أو صاحب مهنة حرة.. اجتهد معالى الوزير فى تثمين بضاعة تجار العقارات، ومنهم تجار أزمات، وضع ببراعة حد أدنى لسعر المتر فى شقق البسطاء الـ 100 متر بـ 4.5 ألف جنيه.. الآن على الذين يرغبون فى بداية حياتهم فى شقة 100 متر أن يدخروا نصف مليون جنيه".

بحسن نية قتل مصطفى مدبولى حلم المصريين "المليون شقة"، وبحسن نية قتل مشروع الألف مصنع، وبحسن نية أضاع فرصة الحالمين ببيت فى صحراء المدن الجديدة، ونخاف أن تطول نواياه الحسنة العاصمة الإدارية الجديدة.

لقد تقدم 136 ألف شاب لقرعة الاسكان الاجتماعى، يتصارعون للفوز بـ 5 آلاف قطعة مطروحة فى 10 مدن جديدة على امتداد مصر من شمالها إلى جنوبها، لتصبح لكل 30 متقدماً للقرعة فرصة واحدة.. تتضاعف تلك النسبة فى المدن القريبة من القاهرة، فى أكتوبر مثلا طرحت الوزارة 700 قطعة أرض تقدم لها 43 ألف راغب فى الشراء، لتصبح هناك قطعة واحدة يتنافس عليها 60 شخصاً.. ورغم هذه النسب المخيفة إلا أن 12 محظوظاً من أسرة واحدة حصلوا على قطع أراض فى قرعات سابقة!.

ورغم قسوة الأرقام، وقسوة مصطفى مدبولى، إلا أن الصورة الأكثر قسوة هى رغبة 136 ألف شاب فى بناء بيت فى صحراء المدن الجديدة، وسعر المتر بـ ألف جنيه، ويتم البناء على 40 % من مساحة الأرض.. يرغب الشباب من الطبقة المتوسطة فى الخروج من العشوائيات، لا يمانعون من دفع تحويشة العمر لتعمير المدن الجديدة.. لكن مصطفى مدبولى يرفض!!.

الأغرب أن الحكومة كانت تسعر متر الأرض بـ 300 جنيه منذ سنوات قليلة، وتعتبر تلك التسعيرة تكلفة ترفيق متر الأرض، فهى تدعى انها لا تتاجر فى الاراضى مع المواطنين، ورفعت السعر إلى ألف جنيه، والآن تدعى أنها ليست لديها أموال ولا أراضى لترفيقها وبيعها للراغبين..

فى المقابل أغلقت آلاف شركات المقاولات ابوابها، لا تجد فرصة للعمل، ولا سوقاً تعمل فيه، ولا يجد لها وزير الإسكان فرصة!..

لدينا الراغبن فى الشراء ويدفعون 25 % من ثمن الأرض مقدما.. ولدينا شركات تغلق أبوابها لأنها لا تجد فرصة للعمل.. ولدينا أراض لا نجد من يسكنها ونشتكى من تركزنا على 5 % من مساحة البلد.. ولكن ليس لدينا وزارة تملك خطة لربط كل تلك العناصر ببعضها.

يصر مصطفى مدبولى على أننا كائنات عشوائية، لا يجوز لها الخروج من مناطق تتضخم حتى الانفجار بحسن نية معالى الوزير.. لن نقول إن الرجل يعمل لصالح رجال الأعمال وتجار الاراضى والعقارات، سوف نقيمه بحسن نية، نمنحه لقب "فاشل".

فى المقابل يتفنن الحالمون فى ابتكار الحيل.. خلقوا أزمة جديدة لوزير الإسكان، العائلة التى ترغب فى شراء قطعة أرض واحدة تقدم كل أفرادها بطلبات شراء، خلقوا طلباً وهمياً على الأرض.. وهى حيلة لا يجرمها القانون، من حق الاخوة التقدم لشراء أكثر من قطعة، والبعض يتقدم باسماء أصدقائه، وهى حيل تعلمها الشباب من السماسرة الذين استولوا على أراضى القرعات الاولى وباعوها بأضعاف سعرها.

كان كل تاجر أو سمسار أراضى يتقدم بعشرات الطلبات الوهمية، ويحصل فى النهاية على عدد من القطع يتنازل عنها مقابل ضعف ثمنها كاش، ويترك الضحية يسدد باقى الثمن.

لقد اقتربت الحكومة من حل معضلة فيرس سى، واعادت الكهرباء إلى بيوتنا بعد طول انقطاع، وشقت قناة سويس جديدة.. لكنها فشلت فى تحجيم النوايا الحسنة لـ «مدبولى».