حج مبرور!

إسلاميات

بوابة الفجر


الحمد لله، قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنّة). [رواه البخارى ومسلم].

وقالت أم المؤمنين، سيدتنا عائشة، رضى الله عنها: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: (لا لكن أفضل الجهاد حج مبرور). رواه البخارى. فما الحج «المبرور» الذى هو أفضل الجهاد ومكافأته الجنة؟ تنوعت الإجابات عن هذا السؤال، فورد فى الحديث «إطعام الطعام، وإفشاء السلام». وقال ابن عباس رضى الله عنهما: «العج والثج»، أى رفع الصوت بالتلبية ونحر الذبائح لإطعام الحجيج. وقيل: الذى لا يخالطه شىء من المآثم. وقيل: المتقبَّل. وقيل: الذى لا رياء فيه ولا سُمْعَة.

وقيل ما تم أداؤه مستوفياً أحكام الحج. ولا شك أنّ كل هذه التعريفات تشهد لها النصوص وتقتضيها اللغة، ولعله من المناسب ترتيب ضوابط الحج المبرور فى ثلاث نقاط:

١. الإخلاص: 
والقدْر اللازم منه ليكون الحج مبروراً هو تصحيح النية بأن يكون القصد من الحج، هو رضوان الله تعالى دون رياء ولا سمعة. وفى هذا المعنى، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئ ما نوى». ويرتقى الإخلاص بصاحبه، فينوى التوبة النصوح ليكون حاله بعد الحج أرقى مما كان عليه قبله.

وقد كان الناس إلى وقت قريب يعتبرون الحج انتقالاً من حالة إلى حالة أحسن منها، فليس بعد الحج إهمال للفرائض ولا إصرار على الآثام ولا ارتكاب للكبائر. وكمال الإخلاص فى الحج ألا يخطر فى القلب غير الله، وهذه عطية غالية ورتبة عالية ليست سهلة المنال، غير أن خزائن فضل الله تفيض بهذه العطايا وهو الكريم الذى لا يرد من أمّله.

٢. طِيب النفقة: 
فلا ينفق الحاجّ فى حجه من مال لا يرتضيه الحق تبارك وتعالى. ويشمل ذلك نفقة الطعام واللباس ووسائل النقل وغيرها من مصروفات الحج، كما يشمل ذلك نفقة من تلزمه نفقتهم فى بلده من أهلٍ وولد. والقدْر اللازم من ذلك ليكون الحج مبروراً هو ألا تكون النفقة من مال حرام اكتُسِبَ من سرقة أو رشوة أو غش أو ربا أو اغتصابِ حق الغير.

وفى الحديث: «إذا خرج الرجل حاجاً بنفقة طيبة ووضع رجله فى الغرز، فنادى لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ من السماء لبيك وسعديك زادُك حلال وراحلتُك حلال وحجُّكَ مبرور غير مأزور؛ وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله فى الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه منادٍ من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك غير مبرور». إِذا حَجَجتَ بِمالٍ أَصلُهُ دَنِسٌ فَما حَجَجتُ وَلَكِن حَجَّتِ العيرُ والعير: هى الجِمال التى كانوا يسافرون عليها. وترتقى مراتب الورع فى طيب النفقة إلى تجنب الحاجّ النفقة من المال المشبوه أو المشكوك فى حله واختيار أطيب ماله وأنقاه ليحج به.

٣. حسن الأداء: 
فتؤدَّى المناسك على وفق الأحكام الشرعية مع حفظ القلب والأعضاء عن كل ما لا يرتضيه الحق تعالى، والاشتغال بالذكر عن الجدال والكلام البذىء. والقدر اللازم منه ليكون الحج مبروراً هو الالتزام بأركان الحج وواجباته واجتناب مبطلاته وممنوعاته، مع بذل الوسع فى التلبية والذكر وإطعام الطعام وطيب المعاملة.

ثم يرتقى حسن الأداء للمناسك إلى أن يحرص صاحبه على سنن الحج ومستحباته وفق المتابعة لمن قال: (خذوا عنّى مناسككم) صلى الله عليه وسلم واجتناب المكروهات وتحرِّى دقة الأداء، وحفظ الوقت من لغو الكلام المباح اشتغالاً بالذكر والتلاوة والدعاء والتضرّع والابتهال والتفكّر والتدبّر، مع التواضع فى القلب والهيئة والمعاملة. وهكذا يكون الحج المبرور الذى ليس له جزاء إلا الجنّة، وفضل الله واسع لا يُقيّد وهو الجواد الكريم.

اللهم احفظ حجاج بيتك وتقبّل منهم مناسكهم، فقد وردوا بفضلك على فضلك، وأكرم محسنهم وهب له مُسيئهم، وأعدهم إلى ديارهم سالمين محفوظين، ووَفِّر حظوظنا مما تُفيضه على قلوبهم، ولا تحرمنا حج بيتك الحرام وزيارة نبيك الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.