رئيس أكاديمية ناصر سابقا: حرب أكتوبر ستظل محفورة فى تاريخ البشرية

تقارير وحوارات

أرشيفية
أرشيفية


شاركت فى كل الحروب منذ حرب اليمن وحتى أكتوبر، مرورا بالاستنزاف، وقضيت ثلث عمرى فى ميادين القتال، هذه هى حكايتى مع مدفع 55 ملى الإسرائيلي، والجندى السائق الذى أنقذ حياتى، بدون أي أوامر. 
 
فى الذكرى الثانية والأربعين لنصر أكتوبر المجيدة، لا نحتاج فقط إلى أن نكرم أبطال معركة العزة والكرامة، ولكن علينا أيضا أن نتعلم من تاريخهم، ونقرأ من سطور بطولاتهم، لأن الحرب على مصر لم تنته بعد، وسيظل الأعداء متربصون بنا فى الداخل والخارج؛ لأننا خير أجناد الأرض" المرابطون"، ومن أراد بلادنا بسوء قسمه الله.

ومن هنا كان حوارنا مع اللواء دكتور زكريا حسين، الرئيس الأسبق لأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية، ليكشف أسرار وتفاصيل عن معركة استعادة الأرض والعرض، فى السادس من أكتوبر 73، وقبلها حرب الاستنزاف وغيرها من الحروب التى خاضها،

* فى البداية حدثنا عن أهم ذكرياتك فى حرب أكتوبر المجيدة، وأين كان موقعك فيها؟

حرب أكتوبر لا ولن تنسى، أنا كنت قائد كتيبة، شاركت مع الجنود ومع القوة التى كنت أقودها في عملية اقتحام المانع المائي، وشاهدت هذه الأحداث كلها، وعشتها على الواقع وعلي الطبيعة، فبالتالي حرب أكتوبر محفورة ومتجذرة في وجداني، وأرى أنها ستظل محفورة فى تاريخ العلوم العسكرية، بل وفى وجدان البشرية ككل، كرمز للانتصار بعد الانكسار و عنوان لاستعادة الكرامة.

*وهل كانت أكتوبر هى أول معركة حربية تخوضها؟

 بالطبع لا، أنا خضت الكثير من الحروب، وقضيت أكثر من ثلث عمرى فى ميدان القتال، حيث شاركت فى حرب اليمن و 67، وبعدها حرب الاستنزاف، كل هذه الحروب أنا خضتها، فكان هناك في نوع من التعود، وفي نفس الوقت اختلطت مشاعر القلق بإحساس السعادة؛ لأنى في كل مرة أعود إلى بيتى سالما بفضل الله.

*وهل هناك موقف معين لا تنساه، وتحب أن ترويه لأبنائك وتلاميذك ليتعلموا منه؟

 نعم هناك موقف حينما أتذكره أشعر كم كنا نقترب من الموت ونضع أرواحنا على أيدينا؛ لأن حكاية الحياة والموت هى قدر الله، لذلك تعودنا فى القوات المسلحة على ألا نخشى الموت، وأذكر أننا كنا نحارب ليلا، فى فترات القتال الليلية، وكان من الصعب  في هذا الوقت، أن تكون لدينا وسائل للرؤية الليلية، لا عند الجانب الاسرائيلى ولا عندنا، وفى إحدى الليالى كنت نائما فى المركبه الخاصة بي،  حيث لم نكن لننام فى العراء؛ تجنبا للقصف بمدافع العدو وطائراته،   وكان العدو لا يوفر للقيادات أى فرصة لنوم أو راحة، وكان عنده مدفع 55 ملي، هذا المدفع كان على مدي منا حوالي 35 كيلو، وكانت طلقته حين تنزل، تحدث حفرة كبيرة جداً في الأرض، عرضها ليس أقل من 10 متر، بالإضافة  إلى الصوت الرهيب المدوى، وكان العدو كي لا يوفر هذه الراحة للقوات وللقيادات المصرية ليلا، يستخدم هذا المدفع بصورة مستمرة، في طول وعرض الجبهه  بهذا الصوت الرهيب، وبهذه العملية المدمرة؛  ليستمر الجنود المصريين في حاله نفسية وجسدية غير سوية نتيجة للإرهاق وعدم الراحة، وعدم النوم ولو لساعات قليلة.

* وماذا حدث لسيادتك أثناء نومك فى المركبة الخاصة بك؟

فى تلك الليلة وأنا كنت نائما فى المركبة الخاصة بي، وكنت مرهق جدا، لدرجة إنى لم أشعر بشئ حين بدأ المدفع يطلق قذائفه، وكانت المركبة على عمق كبير تحت الأرض، وفوجئ الجندى "سائقها"، بطلقة تقع أمام المركبة وأخرى خلفها، ولم أكن قد أخبرته بأنى سأنام،  وإذا به وبدافع شخصى جدا"خاف عليا"، وقفز فى المركبة وأخرجها من الحفرة، وقادها مبتعدا عن المكان لمسافة 15 متر، وفى نفس اللحظة سقطت طلقة مباشرة فى الموقع الذى كانت به المركبة بالضبط، وهو ما جعلنى أرى بعينى مدي الحب والتلاحم بين الجندي والقائد في هذه المعركة، وأقصي درجات الاندماج بينهما،  بدون فرق بين قيادات وضباط وجنود، حيث أنقذ هذا الجندى حياتى، فقط بدافع ذاتي منه، ودون أن توجه له أى أوامر، بل كان بإمكانه أن يبتعد ويترك المركبة تحترق وأنا بداخلها، رحم الله هذا الإنسان البطل النبيل، حيا كان أو ميتا.