حكايات من نصر أكتوبر.. "أبطال" يروون ذكريات لأول مرة عن ميدان القتال

تقارير وحوارات

أرشيفية
أرشيفية


فى يوم معركة العزة والكرامة فى السادس من أكتوبر 73، "سكت الكلام وتكلمت البندقية"، واليوم وبعد مرور 42 عاما،  وفى إطار إحياء ذكرى انتصارات النصر، لا صوت يعلو فوق صوت أبطال المعركة، ورجالها الذين تنير كلماتهم حياة الأجيال الحالية والقادمة، تركناهم يروون ذكرياتهم بداية من ميادين القتال إلى بيوتهم وحياتهم الشخصية والعائلية.

مسلم: كنا نصوم ونفطر على علبة عدس أو فول.

قال اللواء طلعت مسلم، قائد " اللواء 18" مشاة ميكانيكا إبان المعركة، كنا نصوم رغم فتوى الأزهر الشريف التى كانت تصدر كل عام طوال حرب الاستنزاف، بإباحة الإفطار أثناء القتال، استنادا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، حين أمر رجاله بالإفطار وأفطر هو فى إحدى المعارك.

 وأضاف "مسلم" كان كل ضابط وجندى يحمل معه تعيين جاف، وهى وجبات نسميها" تعيين طوارئ"، بكميات تكفيه لعدة أيام، عبارة عن علب عدس أو فول، يتناولها وقت الإفطار، وكان زملاءنا الأقباط يحمون ظهورنا فى وقت الإفطار والصلاة، واستمر بنا الحال هكذا طوال سنوات حرب الاستنزاف وحتى انتصارات أكتوبر المجيدة.

أبو النجا: مقاتل الصاعقة" معندوش حاجة اسمها ذكريات".

ومن جانبه قال اللواء نبيل أبو النجا، أنه ضابط صاعقه، يعني مقاتل وبالتالى  "مفيش حاجه اسمها ذكريات"، موضحا أن المعركة تجرى فى عروقه مجرى الدم، ولم ينساها حتى يعود ليسترجع ذكرياتها، لافتا إلى أنه دائما يقرأ الفاتحة على أرواح زملاءه الشهداء، ويدعو لهم فى كل صلاة؛ لأنه لولا تضحياتهم ما كانت مصر قد بقيت إلى الآن، بسيادتها وكرامتها وحرية شعبها.

ويذكر" أبو النجا" قوله تعالى "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا "، مضيفا: بعد نكسة 67 بدأنا و اشتغلنا على قدم وساق؛ لكي نسترد أرضنا وعرضنا وكرامتنا، فالعملية لم تكن كلام وإنما هى عمليه حب وانتماء للوطن وقبل كل شئ إخلاصا لله عزوجل.

 وتابع:"إحنا كنا بنحارب صايمين مكناش بنفطر" مشيرا إلى أن الحرب بدأت فى العاشر من رمضان يوم السبت، ونحن دخلنا بطائرات الهيلكوبتر بعد الحرب بساعتين ونصف، وطوال هذه الفترة كنا  في التلال على بعد 80 كيلو، وكان مع كل واحد "غطا زمزمية"، ليزيل الريم الأبيض من علي اللسان، ويضع زلطة على لسانه حتى لا يشعر بالعطش.

وأضاف  الأكل والشرب والصيام، هى أمور لم تكن في الحسبان، وصحيح أن رجال الصاعقة يأكلون الثعابين والسحالي، إنما الحمل الذى علي ظهورنا، والمسؤولية الملقاة على كاهلنا، جعلتنا لانفكر فى الأكل والشرب.

وعن حياته العائلية قال :"روحت لأمي طردتني، و قالتلي بالطول وبالعرض أنت ضابط صاعقة والصهاينة خدوا أرضك، روح مش عاوزة أشوفك، إلا لما ترجعها "، واصفا تلك المواقف بأنها ليست ذكريات، وإنما هى شريط يعرض أمامه وسيظل يتابعه حتى يلقى وجه ربه.

وتابع: "لما رجعت من الحرب كان نفسي أشوف أمي الله يرحمها، فضلت من يوم 6 ليوم 19 رافعة أيديها للسما،  بتدعي إن أرجع لأني كنت آخر العنقود، وكأن قلبها كان يشعر بأنى أعيش بدون أكل تماماً، وأشرب الماء بالقطارة، حتى يوم 19 أكتوبر،  بعد الحرب بـ13  يوم أو أكثر.

وعن عائلته قال "أبو النجا" أخواتى اعتقدوا إنى استشهدت؛ لأنى رجعت بعد الحرب بـ 6 شهور، حيث كانت مهمتى هى ردع دبابات العدو وتدميرها، لذلك استقبلوني بنوع من المفاجئة والذهول، لأنى مازلت علي قيد الحياة،  موضحا أنه لم يعد منهم إلا أربعة فقط، من عدد ضخم جدا، أما الباقين فاستشهدوا، مشددا على أن استشهاد زملاءه كان له وقع رهيب على نفسه.

الجيوشى: زملاءنا الأقباط كانوا بيصوموا معانا.

وفى السياق ذاته، قال اللواء مهندس فؤاد الجيوى بالقوات الجوية، خدمت منذ تخرجى على الطائرة "ميج21"، إبان حرب الاستنزاف، ثم نقلت قبيل حرب أكتوبر للخدمة على طائرة "سوخوي 7"، التى قمنا بتركيبها وتشغيلها عام 72، فى قاعدة بلبيس، وظللنا نتدرب عليها إبان حرب الاستنزاف فى انتظار "الوقت" المحدد للمعركة، وكان هدفنا هو أن نسبق طائرات العدو فى التجهيز والسرعة والأداء، من خلال تكثيف الطلعات خاصة الليلية.

وأضاف" الجيوشى" إن القوات الجوية هى حجر الزاوية فى أى معركة؛ لأن الكثافة على الأرض، لابد لها من غطاء  وحماية جوية، لذلك إبان حرب الاستنزاف كنا نقوم بعمليات "إبرار" جوى، وطلعات جوية لاستطلاع تمركز العدو فى سيناء.

وتابع: كان لى الشرف أن شاركت فى الضربة الجوية الأولى، فى الساعة الثانية وخمس دقائق من ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر، وكنت برتبة نقيب، ثم انتقلنا إلى مطار بنى سويف، حيث تحركنا مع آخر ضوء فى نهار 6 أكتوبر، لنصل بنى سويف مع أول ضوء لفجر اليوم التالى، واستطعنا أن نقطع هذه المسافة الكبيرة، فى وقت قياسى جدا، رغم أن السرب كان مكون من 18 طائرة بمعداتهم.

وعن أسباب انتقالهم قال: كان منوط بنا مهام، خاصة بالطائرة السوخوى 20، لأنها طائرة مقاتلة قادرة على إنجاز مهامها القتالية خلف خطوط العدو، الذى كان يحاول تكرار ما حدث فى 67، حين تم ضرب الممرات الجوية والطائرات، ولكن كنا مستعدين فى 73، وكان لدينا دشم حصينة.

ويروى الجيوشى واقعة تكشف فدائية المقاتل المصري موضحا أن إحدى القنابل سقطت أمام باب دشمة، وبداخلها الطائرة، فإذا بالمقاتلين ضباط وجنود، يخرجون لحمل القنبلة بعيدا عن الدشمة، حتى إذا انفجرت تنفجر فى أجسادهم، حفاظا على الطائرات، التى كنا نعلم كم عانت مصر كى تحصل عليها.

وعن الحياة من الجبهة إلى العائلة، قال: كنا نصوم جميعا، وزملائنا المسيحيين كانوا ينقطعون عن الطعام والشراب والتدخين، تضامنا معنا، ونتعاون جميعا فى تحضير الإفطار الجندى مثل الضابط مثل قائد السرب وقائد القاعدة، أما عن أسرتى فقد تزوجت عام 72، وتركت زوجتى "حامل" فى إبنى الأول أحمد، والحمد لله أن وهبنا النصر، وكلل كفاح الرجال بالعبور من الانكسار إلى الانتصار.