الواقع الجديد بين "مصر" والسعودية بعد تأييد القاهرة للضربات الروسية

تقارير وحوارات

بوابة الفجر



اختلفت نظرات كل من المملكة العربية السعودية، ومصر، للأزمة السورية، فالقاهرة رأت أن الخطر القادم من هناك يكمن في التنظيمات الإرهابية والتي كانت النواة الأولي لتأسيس تنظيم داعش أو ما يعرف بالدولة الإسلامية، بينما ترى الرياض أن مثلث الأسد وإيران وحزب الله، وأخيرًا الحوثيين، هم الخطر الأكبر الذي لابد من مواجهته واحدا تلو الآخر، فالبداية كانت مع الأسد ثم انتقلت إلى الحوثيين.

وبين هذا وذاك، ظلت العلاقات المصرية السعودية متأرجحة، فمصر أعلنت خوضها حربا ضد الحوثيين دعما للمملكة العربية السعودية، في وجه المخطط الإيراني بالمنطقة، وردًا للجميل على مساندة الرئيس عبدالفتاح السيسي، عقب الإطاحة بمحمد مرسي، بينما تراجعت عن مساندة الرياض في وجه الأسد، فأصبح لا يهم بالنسبة لها رحيل الأسد أو بقاءه بقدر ما يهم القضاء على التنظيمات الإرهابية التي ترى في نظام السيسي، العدو الأول.

وظل هذا السجال قائما إلى أن فرض تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري، لقناة العربية الأحد، حول ترحيبه بالتدخل الروسي في سوريا للقضاء على التنظيمات الإرهابية، واقعا جديدًا أطاح بالتكهنات التي ألمحت إلى أن هناك خلافات مصرية سعودية شديدة قادمة بشأن طبيعة هذا التدخل.

وقال وزير الخارجية، إن الغارات الجوية التي تشنها روسيا ستساهم في محاصرة الإرهاب في سورية والقضاء عليه، وإن دخول روسيا بما لديها من إمكانات وقدرات في هذا الجهد هو أمر نرى سيكون له اثر في محاصرة الإرهاب في سورية والقضاء عليه.

فالتصريح لقناة العربية التي تعد المتحدث الرسمي باسم المملكة، تدافع عنها في كل حدب وصوب، نشر رغم أنه يتعارض مع السياسات المعلنة من قبل المملكة والرافضة للتدخل الروسي في سوريا، والذي أعلن عنه رسميا من قبل الملك سلمان بن عبدالعزيز، ووزير خارجيته، وكبار رجال المملكة، بالإضافة إلى دول التحالف المشاركين في العملية العسكرية في سوريا.

قبل التصريح بأيام، أعلنت المملكة رسميا رفضها للتدخل الروسي في سوريا، وقالت إن الغارات أدت إلى سقوط ضحايا من المدنيين، كما لم تستهدف مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذي تقول موسكو إنها تتصدى له، وذلك في الكلمة التي ألقاها مندوب السعودية في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي.

 الصمت السعودي الذي ساد فور تصريح سامح شكري، يشير إلى أن المملكة بدأت تتفهم ضرورة التدخل الروسي في سوريا، وأن أمريكا والتحالف الدولي لم تعد ضرباتهم قادرة على تحجيم قدرات التنظيمات الإرهابية التي انتقلت إلى الخليج العربي، وتسببت في سقوط المئات بين قتيل وجريح، فالرياض رأت أن تتريث قليلا وأن تخف من التصريحات التي تهاجم موسكو، حتى تتكشف النتائج الصادرة عن الأجهزة الاستخباراتية حول جدوى وفاعليات الضربات التي تقودها طائرات سوخوي ذات القدرة الفائقة، من جهة، واستطلاع موقف القاهرة وسر تأييد الضربات الروسية في سوريا، حتى لا يدفع الإعلام المناهض إلى تفاقم الخلافات، فالدعم السياسي والمادي السعودي لمصر مازال قائما، رغم أن حدة الزيارات المتبادلة بدأت في الانحصار.

التفسير الآخر يشير إلى أن المملكة العربية السعودية، رأت أن تسير خلف توجه القاهرة، بالسماح لروسيا بضرب التنظيمات الإرهابية في سوريا، مقابل أن يتم دعم فصيل سياسي معتدل عسكريا وماديا في وقت لاحقا، على أن يتم نقل السلطة من الرئيس السوري بشار الأسد بطريقة سلمية عن طريق إجراء انتخابات رئاسية، تشرف عليها مصر على الأرض بدخول قوات برية لتؤمن تلك الانتخابات وبمشاركة دولية، بهدف الانتقال السلسل للسلطة، بينما تدعمها روسيا وتعطيها الغطاء الشرعي.

يبدوا أن الزيارة التي قام بها وزير الدفاع السعودي، إلى موسكو في وقت سابق، فشلت في إقناع الدب الروسي، بالتخلي عن الأسد، في الوقت الذي لاقت فيه "موسكو" دعما وتأييدا من القاهرة، بالقضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا، وغير مهم بعدها أن يبقي أو يرحل الأسد، فالأهم بالنسبة للنظام المصري، هو أن يتم القضاء على "داعش" نهائيا بالتزامن مع عملية حق الشهيد الدائرة في سيناء، لمنع تدفق المقاتلين إلى شبه الجزيرة.

فالقاهرة تحاول أن تقنع المملكة العربية السعودية، بعدم جدوى الضربات الأمريكية وقوات التحالف في سوريا، في الوقت الذي تساهم فيه ضربات موسكو في القضاء على الإرهابيين، سواء إعلاميا أو دبلوماسيا.

والتعارض الإعلامي السياسي حول التدخل الروسي، قد بدى في أعلى مراحله فور تصديق مجلس الأمن الروسي، على قرار إرسال قوات للخارج، والذي قدم من أجل التدخل في سوريا، فكل الدولتين "مصر والسعودية"، اختلافا سياسيا، وإعلاميا، فالقنوات المصرية أرضية وفضائية تبرز جدوى الضربات التي توجهها طائرات السوخوي، ووقوع إصابات وقتلى في صفوف الإرهابيين، في الوقت الذي تنتقد فيه العربية والقنوات التابعة للمملكة تلك الضربات، وتسببها في سقوط المدنيين، بالإضافة إلى شحن الرأي العام العربي ضد هذه الغارات، وربط الفشل الروسي والانكسار في أفغانستان، بما سيحدث فى سوريا، بالإضافة إلى التنسيق مع إسرائيل عسكريا.

ويقول الكاتب الصحفي حسين أبو السباع المقيم في الرياض وفقا لما ذكرته 24،  إن "العلاقات المصرية السعودية عميقة جدا، لكن لا تحمل تبعية طرف لصالح طرف، إذ يخطئ من يتصور أن هناك أي تبعية "القاهرة - الرياض" أو العكس، أو أن هذا يعني أن مصر ترتمي في أحضان المعسكر الشرقي على حساب أوروبا وأمريكا".

وأشار  أبو السباع إلى أن "مصر تقوي علاقاتها السياسية مع الجميع، وهذا التباين المصري السعودي في الموقف ما بين تأييد مصري لضربات روسيا للإرهاب في سوريا، ورفض السعودية التدخل الروسي، لا يعني أبدا أن هناك أي تأثر في العلاقات بين البلدين أبدا".