الإمام السجاد .. التقي الخفي

إسلاميات

بوابة الفجر


في ظلام الليل الدامس .. كان يقيم الليل ثم يخرج سرًا متخفيًا حاملًا الطعام والدقيق على كتفه وظهره يوزعه على بيوت الأرامل واليتامى والمحتاجين يضعها على أبوابهم ويطرق الباب ثم ينصرف، حتى أن فقراء المدينة كانوا يعيشون ولا يدرون من أين كان معاشهم، حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى .. وعند تغسيله وجدوا أثر الحبال التي كان يحمل بها الطعام على كتفه وظهره، وفقد فقراء المدينة عائلهم ووجدوا أنه كان يعول مائة بيت من بيوت المحتاجين.

إنه الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ومنه كانت جميع ذرية أهل البيت الحسينيين إلى يومنا هذا .. وقد سمي بالإمام السجاد لكثرة سجوده في الليل وكان لا يترك صلاة الليل سواءًا في الحضر أو السفر، حتى الماء الذي كان يتطهر به للصلاة كان يستقيه قبل أن ينام، فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم توضأ فأخذ في صلاته، وكان يقضي ما فاته من النوافل في النهار بالليل ثم يقول: "يا بُنَي ليس هذا مما عليكم بواجب ولكن لمن عَوَّد نفسه منكم عادة من الخير أن يدوم عليها".

وورد أنه وقع حريقٌ في بيته وهو ساجد، فأصبح الناس يصيحون ويقولون: يا ابن رسول الله .. النار، فما رفع رأسه من السجود حتى طفئت، فسألوه عن ذلك فقال: "ألهتني عنها النار الأخرى".

ولد الإمام علي زين العابدين السجاد يوم الجمعة في الخامس والعشرين من شره شعبان عام 38 هجريًا، وكان من أجمل الناس خلقة وأحسنهم خلقًا وأسخاهم كرمًا وأكثرهم ورعًا، ولا عجب فهو حفيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وهو من سادات التابعين، حضر مع والده الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه كربلاء ورأى استشهاده واستشهاد أخوته وأبناء عمومته من سادت آل البيت الأطهار على أيدي جند يزيد عليه لعائن الله، ولكنه كان مريضًا طريح الفراش، فلما قُتل الإمام الحسين عليه السلام، قال شـمـر بن ذي الجَوشنَ لعنة الله عليه: اقتلوا هذا. فقال له رجلمن أصحابه: سبحان الله!! أنقتل فتى حدثًا مريضًا لم يُقاتل، وجاء عمر بن سعد فقال: لا تعرّضوا لهؤلاء النسوة ولا لهذا المريض. فكانت نجاته لحكمة أن يستمر نسل الإمام الحسين فيه إلى يومنا هذا.

وكان الإمام علي زين العابدين ثقة مأمونا كثير الحديث عاليا رفيعا ورعاً، وقيل عنه:
روى ابن عيينة عن الزهري قال: ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين. وقال: ما كان أكثر مجالستي مع علي ابن الحسين وما رأيت أحداً أفقه منه.

وكان رضي الله عنه شديد التواضع ورعاً قيل عنه:
هشام بن عروة قال: كان علي بن الحسين يخرج على راحلته إلى مكة ويرجع لا يقرعها وكان يجالس أسلم مولى عمر فقيل له تدع قريشا وتجالس عبد بني عدي فقال إنما يجلس الرجل حيث ينتفع.

وعن عبد الرحمن بن أردك ( يقال هو ) أخو علي ابن الحسين لأمه قال :كان علي بن الحسين يدخل المسجد فيشق الناس حتى يجلس في حلقة زيد ابن أسلم وقال له نافع بن جبير: "غفر الله لك أنت سيد الناس تأتي تتخطى حتى تجلس مع هذا العبد فقال علي بن الحسين العلم يبتغى ويؤتى ويطلب من حيث كان".

وقال الزهري قال: "كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة". وقال كذلك: "لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن الحسين".

وقال يحيى بن سعيد : "سمعت علي بن الحسين وكان أفضل هاشمي أدركته يقول يا أيها الناس أحبونا حبالإسلام فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا".

توفي الإمام علي زين العابدين السجاد عام 94 هجريًا على المشهور عند الجمهور، عن عمر ناهز 58 سنة، وصلي عليه في البقيع بالمدينة المنورة ودفن فيه.