عسكريون يتحدثون عن ثغرة "الدفرسوار" بعد 42 عاما على الانتصار

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


تعيش مصر خلال شهر أكتوبر الجاري، أجواء الاحتفالات بالذكرى الثانية والأربعين لانتصارات معركة العزة والكرامة، حيث لم تخلو معركة فى التاريخ من عمليات الانسحاب والتقدم، وبالتالى لم تخلو حرب أكتوبر، من محاولات العدو الصهيونى لتعكير صفو انتصار الجيش المصري.
 
ولعل أبرز تلك المحاولات هى ثغرة" الدافرسوار"، التى ظلت لأكثر من أربعة عقود لغزا يحاول الجميع التعتيم عليه والتنصل منه، بينما يرى خبراء عسكريون أنها يجب أن تدرس للأجيال القادمة؛ لتتعلم كيف حولها الجيش المصرى الباسل من محاولة للانقضاض على النصر، والقضاء عليه، إلى انتصار جديد، وكيف تغلبت إرادة الرجال، على خطة أرئيل شارون، لضرب فرحة المصريين باستعادة الأرض.
 
تعريف الثغرة فى العلم العسكرى
الثغرة هي مكان بين كتلتين أو نطاقين يصنعها العدو لإحداث «اختراق» بين دفاعات القوات المتقدمة نحوه، وهى لم تظهر لأول مرة خلال حرب أكتوبر،  ولكنها  فكرة عسكرية قديمة نفذت على مر التاريخ،  وفي العصر الحديث نفذها «روميل » عشرات المرات خلال الحرب العالمية الثانية.

كيف حدثت ثغرة الدافرسوار، عقب نصر أكتوبر.

يؤكد المؤرخون العسكريون أنه في الأيام الأولى حققت القوات المصرية نصراً أذهل العالم، ومن قبله إسرائيل، و كان لكل من الجيشين الأول والثانى «احتياطي» إضافة للقوات الأصلية في المقدمة، وكان هذا الاحتياطي يتضمن فرقتين إحداهما مدرعة والأخرى مشاة ميكانيكى، وكان هناك «اتزان دفاعى» غير مسبوق للقوات المتواجدة على الأرض.

ولكن الذي غير الموقف هو عملية «تطوير الهجوم»التى قام بها القائد الإسرائيلي "أرئيل شارون"، بمعنى أننا حققنا النصر فعلاً، ووجهنا ضربات موجعة للعدو، ولكن إمكاناتنا كانت لا تتجاوز ما حصلنا عليه من تقدم على الأرض.
 
هل الفريق سعد الدين الشاذلى هو المسئول عن حدوث الثغرة ؟

لسنوات طويلة ظل اللواء أحمد أسامة إبراهيم قائد "المهمة المستحيلة" صامتا، علما بأنه الرجل الذى صدرت له الأوامر بشكل مباشر، للتعامل مع الثغرة، من القائد الأعلى للقوات المسلحة، متخطيا الفريق سعد الشاذلى، بما يعنى أن الرئيس السادات كان يرى أن الشاذلى هو المتسبب فى حدوث الثغرة.
 
ومؤخرا خرج اللواء"إبراهيم" عن صمته ليؤكد أن الخطة الرئيسية التي أقرها الفريق سعد الشاذلي، والتي عرفت باسم "المآذن العالية"، كانت تعتمد على حائط الصواريخ الذي يتضمن صواريخ من نوعى سام 2، سام 3 وهما يحققان أقصى عمق لمسافة 25 كيلومترا، وأى تجاوز لهذه المسافة يعرض سلامة القوات للخطر، ومعنى ذلك أن الوضع كان لا يمكن معه أى عمليات تطوير.
 
 
اللواء زكريا حسين: مواجهة قواتنا للثغرة تساوى انتصارا ثانيا.

ومن جانبه قال اللواء دكتور زكريا حسين المدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية، إن ما قامت به القوات المسلحة فى مواجهة الثغرة يعد انتصارا عسكريا ثانيا، بعد حرب أكتوبر، موضحا أن الجيش الإسرائيلي نفسه هو نقطة الضعف فى الدولة الإسرائيلية.
 
وأضاف"حسين" إن إسرائيل فى ذلك الوقت كان تعدادها 5مليون مواطن، والجيش الإسرائيلى قوامه 500 ألف مقاتل، ومعنى ذلك أنه أثناء حالة التعبئة العامة يصاب المجتمع الإسرائيلي كله بالشلل، ويهدد الاقتصاد بالانهيار، نتيجة وجود الرجال والشباب على جبهة القتال، ولهذا السبب إسرائيل تعتمد دائما على "الحرب الخاطفة"، التى لا تستمر إلا لأيام معدودة، بينما ظلت مصر فى حالة تعبئة عامة لمدة 6 سنوات كاملة، دون أن يتأثر الداخل المصري.
 
وتابع: إن ماحدث هو أن "شارون" تجاوز الأوامر الإسرائيلية، وأغراه وجود فراغ فى منطقة غرب القناة، وبدأ يدخل قواته إلى هذا الفراغ، حتى استولى على مساحة 1800 كم، هى مساحة الثغرة غرب القناة.
 
وأشار مدير أكاديمية ناصر الأسبق إلى أن "شارون" كان يحتاج إلى الاستعانة بنصف قوات الجيش الإسرائيلى على الأقل؛ ليظل محتفظا بتلك المساحة، حتى لا تنجح قواتنا فى حصار الثغرة وتصفيتها، موضحا أن هذا هو ما حدث حيث كانت القوات المصرية قد أوقفت إطلاق النار، واستطاعت أن تبنى جيش ميدانى ثالث قوامه قوة مدرعة وقوة ميكانيكية، بهدف مواجهة الثغرة وتصفيتها، لافتا إلى أنه لم تكن لدينا مشكلة فى أن نظل نحاصرهم لأى مدى زمنى مهما طال، ولكن المشكلة الحقيقية كانت لديهم؛ لأن المجتمع الإسرائيلي يعيش بلا رجال وشباب، وتم تفريغه من الطاقات المنتجة، وهو ما يعنى أن الهزيمة العسكرية للقوات، لابديل لها إلا الانهيار الاقتصادي للدولة.

ومن هنا تحرك الوزير الأمريكي "كيسنجر"، ليقنع الرئيس السادات، بعقد اتفاقية " الفصل الأولى"،  لتنسحب بمقتضاها قوات "شارون" من الثغرة بدون أى مقابل، مشددا على أنه معروف عن العدو الصهيونى أنه لا ينسحب بدون مقابل، إلا إذا كان مهزوما، ومن ثم فرض السادات شروطه، التى كان فى مقدمتها إعادة فتح قناة السويس، وقتما ترغب مصر، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل، قبل النصر وقبل خروجهم مهزومين من الثغرة.
 
اللواء نبيل فؤاد: كان بإمكاننا استكمال الانتصار،  بدون توقيع اتفاقيات.
 
وفى سياق متصل قال اللواء أركان حرب دكتور نبيل فؤاد إن إسرائيل استغلت الثغرة لتضغط على الرئيس السادات، ليبدأ مرحلة التفاوض معهم، لافتا إلى أن الواقع على أرض المعركة، كان يتجه إلى قدرة الجيش المصرى على تحقيق المزيد من الانتصارات والتقدم، ولكن الأمر كان يحتاج إلى بعض الوقت.

وأضاف "فؤاد" إن القيادة السياسية كانت ترغب فى أن تنهى الحرب، بأسرع وقت ممكن؛ لتقليل الخسائر، ولكن نحن كضباط وجنود كنا نرغب فى تطوير الهجوم، ومواصلة القتال، بينما كانت هناك ضغوط خارجية أمريكية على الرئيس السادات، للتوقف عند هذا الحد، موضحا أنه من الثابت تاريخيا واستراتيجيا أن أى معركة لابد أن تنتهى على مائدة المفاوضات، ولكن كنا نود أن نجلس عليها، ولدينا المزيد من المكاسب، لنفرض شروطا أعلى مما حصلنا عليه.