منال لاشين تكتب: الخناقة لا تزال مستمرة

مقالات الرأي




بأمر الرئيس: الحكومة تضع قيودًا على استيراد السلع الاستفزازية

فى الأسبوع الماضى بدأنا حملة لحماية ثروة مصر من الدولار من الضياع، وطالبنا بقرارات عاجلة بمنع استيراد بعض السلع المستوردة لفترة مؤقتة وعلى رأسها السيارات، وقدمنا بالأرقام فوضى الاستيراد فى مصر، وعلى الرغم من بعض التحسن فى هذا الملف خلال هذا الأسبوع إلا أن الإجراءات أو الخطوات غير كافية، وربما أفضل ما فى الإجراءات أنها تأتى من أعلى مؤسسة فى الدولة مؤسسة الرئاسة.

يوم السبت الماضى عقد الرئيس السيسى اجتماعا مع المجموعة الاقتصادية ورئيس الحكومة، وكانت قضية الاستيراد ضمن أجندة الاجتماع التى استمر نحو سبع ساعات.

واستعرض الاجتماع أرقام الواردات خلال عام 2014 ونصف السنة المالية الحالية، وهى أرقام تكشف عن فوضى وجنون استيرادى، وقد أيد الرئيس السيسى فى هذا الاجتماع ضرورة ترشيد الاستيراد حفاظا على رصيد مصر من العملات الأجنبية، خاصة أن الرئيس لاحظ أن كثيرا من السلع المستوردة لها بديل محلى بأسعار مناسبة وجودة عالية، ولكن لا الرئيس ولا بيان الرئاسة تحدث صراحة عن إجراءات حاسمة مثل منع استيراد بعض السلع لفترة مؤقتة، لكنه فى الاجتماع كان السيسى حاسما وربما غاضبا وهو يتحدث عن ضرورة الحد من الاستيراد بدون مبرر.

وقد اعتبرت وكالة بلومبرج الاجتماع أو بالاحرى توجيهات الرئيس بأنها انتصار لتوجه محافظ البنك المركزى هشام رامز الذى طالب أكثر من مرة بالحد من الواردات.

وبعد اجتماع الرئيس بدأت الحكومة فى اتخاذ إجراءات لتنفيذ توجه الرئيس بالحد من الاستيراد، أول اجتماع كان لوزير الصناعة والتجارة طارق قابيل مع الغرف التجارية واتحاد الصناعات، وقد أبدت هذه الجهات استعدادها لوضع قوائم من السلع والمنتجات، وهذه السلع ليس لها بديل مصرى، وتكون لهذه القوائم أو بالأحرى السلع الأولوية فى تلبية طلبات الاستيراد.

ومن ناحية أخرى ستقوم وزارة الصناعة بتنقية القوائم النهائية لرفعها لحكومة شريف إسماعيل.

وعلى الرغم من هذه الإجراءات غير الكافية لإنقاذ احتياطى مصر من الدولار، إلا أنها قد تشكل نقطة بداية، لأن اجتماع الرئيس مع المجموعة الاقتصادية حسم نقطة مهمة، وهى عدم تحمل القطاع المصرفى عبء توفير الدولار لمستوردى العديد من السلع بشكل رسمى، ودون ممارسة ضغوط من أهل البيزنس أو الوزراء على البنوك، لأن الرئيس أيد فى هذا الاجتماع سياسة قصر توفير الدولار للسلع الاستراتيجية، وهى السياسة التى اتبعها البنك المركزى خلال الأشهر الماضية.

وعلى الرغم من أن الخطوة الأولى فى مواجهة كارثة الدولار ليست كافية، ولكنها قد تمثل أداة ردع لوبى تخفيض الجنيه، وهذا اللوبى ركز هجومه فى الفترة الماضية على أن الحل تخفيض الجنيه لتوفير الدولار، وحاول إبعاد الناس عن حقيقة نزيف الاستيراد، بل إن هذا اللوبى يواصل لى الحقائق، ففى معرض تبرير ارتفاع فاتورة الواردات، قال بعض خبراء اللوبى إن هذه السلع تستورد لقطاع السياحة، وهذه الكذبة هدفها استمرار الاستيراد لزيادة أرباح البعض، لأن أرقام السياحة فى مصر فى انخفاض، وعلى الجانب الآخر فإن فاتورة استيراد السلع الترفيهية أو غير الأساسية فى ارتفاع، ولذلك لا يعقل أن تكون هذه السلع تلبية لسياح يقل عددهم وعدد الليالى التى يقضونها فى مصر.

من بين الأكاذيب الأخرى أن بعض السلع تستخدم فى إنتاج منتجات للتصدير، مرة أخرى إذا كانت هذه السلع يزداد استيرادها فكيف تنخفض الصادرات؟ ومن ناحية أخرى لماذا لاتعود دولارات التصدير للبنوك أو البنك المركزى.

ويعزز من أثر هذه الأكاذيب غياب وجوه يسارية أو تدافع عن مفاهيم استقلال الاقتصاد الوطنى حول الرئيس، من المجالس الاستشارية إلى الوزراء لدينا مجموعة من المتحمسين للقطاع الخاص، وآلياته بما فى ذلك خفض الجنيه المصرى لرفع الصادرات، خذ عند كمثلا المجموعة الاقتصادية فى حكومة شريف إسماعيل، مع كل الاحترام للوزراء ووطنيتهم لدينا وزيران قادمان من القطاع الخاص والشركات الدولية الكبرى، ووزيرة من البنك الدولى، مرة أخرى أكثر من نصف المجموعة من المؤمنين والمخلصين لأفكار القطاع الخاص على الطريقة الغربية وكلهم ضد فكرة تدخل الدولة فى الاقتصاد أو اتخاذ الدولة لأى إجراءات استثنائية أو مؤقتة فى الاقتصاد.

وبالمثل فإن المجلس الاستشارى الاقتصادى التابع للرئيس يسير فى نفس الاتجاه، لم يحرص القائمون على أمر هذه المجالس على تنويع التوجهات الاقتصادية فى المجلس، ولذلك فإن اتخاذ قرار بمنع استيراد بعض السلع تحول إلى الحد أو ترشيد الاستيراد.

ولكن أهم توابع اجتماع الرئيس كان اجتماعات وزير الصناعة مع المصنعين لوضع أجندة أولويات، والمثير أن مشكلة توفير الدولار لم تأت فى المرتبة الأولى فى مصانع المصنعين، ولكن المشكلة أو بالأحرى المطلب الأول توفير الطاقة، وبحسب الاجتماع فإن نقص الصادرات من الحديد والأسمنت والأسمدة سببه نقص الطاقة، وليس الدولار، وأن مساندة المصانع تتطلب إعادة جدولة ديونها قبل منحها اعتمادا للاستيراد، وداخل الحكومة تم الاتفاق المبدئى على عدة إجراءات لضبط إيقاع السوق وتحقيق التوزان، توازن بين كبح زمام الاستيراد من ناحية وعدم وقف حال الصناعة من ناحية أخرى، ولم يعد دور وزير الصناعة والتجارة المطالبة فقط بفتح اعتمادات الاستيراد (عمال على بطال)، ولكن دور الوزير والحكومة هو وضع قوائم استشارية بالصناعات الأولى بالرعاية من البنك المركزى والقطاع المصرى، وذلك وفقا لخريطة الاقتصاد المصرى والاحتياطى والمصلحة القومية، وبعيدا عن أصنام الرأسمالية التى تغيرت حتى فى بلادها، وهذه الاصنام تجد من يقاومها فى العلن وبشراسة، وبشكل عملى جدا، الهند أصرت على حقها فى إنتاج الدواء دون الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية، وقادت الهند مجموعة من دول العالم الثالث لانتزاع حق الدول غير القادرة من قواعد الجات، وعلى رأسها حقها فى إنتاج دواء لشعوبها دون دفع مليارات الدولارات لشركات الأدوية الأجنبية، لم تقم الدنيا على الهند، ولكن فى مصر لا ندرس الاتفاقيات ولا الاستثناءات التى يمكن استخدامها لوقف الاستيراد أو زيادة الجمارك، لا ندرس ليس عن نقص فى الخبرات أو العقول، ولكن لأن عقول النخبة الاقتصادية معشش فيها عشق الاستيراد وقطع يد الدولة عن حماية المواطن والاقتصاد الوطنى.