الدكتور ربيع عبدالعزيز يكتب: من نسائم القرآن‎

مقالات الرأي

بوابة الفجر


الصفتان القدسيتان: السميع العليم بينهما مصاحبة لا تنفك عراها في أية آية أو سورة ، فلا تجد الصفة عليم سواء أجاءت معرفة أم منكرة، تتقدم الصفة سميع سواء أجاءت هي الأخرى معرفة أم منكرة؛ لأن السمع باب العلم ، والعلم مترتب عليه... هكذا تنزل الكلمات القرآنية بأدق مواقعها، وكأنها حبات عقد منضدة على أجمل وجه من التنضيد ، وذلك من وجوه ما يسميه عبد القاهر الجرجاني: النظم القرآني المباين لمألوف نظم البشر

ومن المصاحبات أن تجد أسلوب الأمر ملازما أسلوب الاستفهام في العديد من آيات الذكر الحكيم ليخصصه ويحدد دائرته الدلالية التي يؤمر بها؛ كقوله تعالى:(فلينظر الإنسان مم خلق) فالاستفهام (مم خلق) خصص مجال النظر في صيغة الأمر (فلينظر)، ومنه قوله تعالى:(وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما) فالاستفهام في (كيف ننشزها ثم نكسوها لحما) حصر الأمر (انظر) في مجال إنشاز العظام وتكسيتها لحوما،ومنه قوله تعالى:(قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) فإن الأمر (سيروا) تخصص مجاله بالاستفهام (كيف بدأ الخلق).. ولا تخطىء العين أن تلاحظ التوجيه القرآني إلى استعمال العقل في الاستدلال على القدرة الآلهية التي لا تضاهيها قدرة، وهو توجيه صالح لكل الأزمنة والأمكنة؛ حتى ينهض الإيمان والتوحيد على اقتناع عقلي، لا على مجرد عواطف مشبوبة أو تركات دينية يرثها لاحق عن سابق دون أن يعمل عقله فيها على طريقة: هكذا وجدنا آباءنا... وتلك مكانة العقل في القرآن.