تقليد الماركات العالمية من الملابس والساعات والنظارات.. والأدوية!

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


مصر تخسر 20 مليار جنيه سنويا بسبب الغش التجارى

لعبت الظروف الاقتصادية دورا فى جعل السوق المصرية، أرضا خصبة للغش التجارى، فحالة الفقر التى تغلب على المجتمع بشكل عام، جعلت شراء السلع الأصلية دربا من دروب الخيال، ما فتح المجال على مصراعية لغول الغش التجارى، لينهش فى المستهلك الذى يريد شراء "شكل جيد بسعر رخيص".

الأرقام صادمة لدرجة كافية والأجهزة الرقابية لا تستطيع مواجهة مافيا التقليد والغش التجارى وحدها.. وبحسب الأرقام الرسمية لجهاز تنمية التجارة الداخلية فإن التجارة العشوائية تنتشر فى كل المنتجات من ملابس وأغذية وأدوية وأجهزة وقطع غيار سيارات.

الأمر الذى يؤدى لخسائر تقدر بنحو 20 مليار جنيه سنويا، تمثل 45% من حجم التجارة فى مصر، وقدرت إحدى الدراسات الاقتصادية مؤخرًا حجم خسائر الماركات والتوكيلات العالمية فى مصر بحوالى 360 مليون جنيه سنويًا، بما يعادل 45 مليون دولار، بسبب تقليد منتجاتها.

الكارثة الحقيقية تكمن فى تقليد الدواء والمستحضرات الطبية، بما يؤثر مباشرة على حياة الإنسان، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة تجارة الدواء المقلد تصل إلى 30% فى الدول النامية.

وفى سبتمبر من العام المنصرم، قدمت شركة "إلكترولوكس" العالمية للأجهزة المنزلية، شكوى رسمية لوزير التجارة والصناعة -آنذاك- منير فخرى عبد النور، أعربت خلالها عن قلقها من انتشار قطع الغيار المغشوشة التى تحمل اسمها، فرد الوزير بأن الحكومة تبذل أقصى ما فى وسعها للحد من هذه الظاهرة فى الأسواق.

وتختلف درجات الغش للمنتجات العالمية، فهناك "الكوبى" وهو المنتج المقلد بأبسط الإمكانيات المتاحة، وغالبا يكتب عليه اسم الماركة الحقيقية بشكل خاطئ، و"الهاى كوبى" وهو المنتج المقلد بإمكانيات تطابق المنتج الأصلى فى الشكل وليس الخامات.

أما "الفرست كوبي" فهو عبارة عن نسخة طبق الأصل من المنتج الأصلى وبنفس خاماته وجودته، ولكن تم تقليده فى دولة غير دولة المنتج الأصلى، فى حين يكون "الستوك أوريجينال" تقليد للمنتج فى دولته الأصلية.

ولا يقتصر الأمر على تقليد الماركات العالمية ولكنه يمتد إلى تقليد منتج محلى باسم آخر يقترب من الاسم الأصلى كما يصل الأمر إلى تزوير أسماء محلات ومطاعم شهيرة تنتشر فروعها فى جميع أنحاء الجمهورية.

وخلال رحلة بحثنا عن الفرق بين سعر المنتجات المقلدة والمنتجات الأصلية وجدنا أن سلعة مثل الساعات والتى تشتهر بتقليد ماركاتها يبدأ سعر المنتج الفرست كوبى منها من ماركات مثل تيسو وفرارى ورولكس وهوبلت من 500 جنيه وحتى 800 جنيه!.

وفى الشنط وجدنا ماركة لاكوست تباع كمنتج هاى كوبى بـ170 جنيها، أما الشنطة جوتشى فتباع 235 جنيها وماركة شانيل 220 جنيها، أما لويس فيتون فتباع بـ 330 جنيها.

ويصل سعر الجينز ماركة بولو إلى 350 جنيها فى حين يتراوح سعر الأصلى منه من 1000 إلى 1500 جنيه كما يباع القميص البولو بـ100 أو 200 جنيه!.

سألنا مصطفى عبد الستار مدير الشئون القانونية بالجهاز فى هذا الشأن فقال: "لا ننكر وجود تقليد لبعض منتجات الماركات العالمية، ونقوم بحملات مستمرة لضبط تلك المنتجات المقلدة، والتى تأتى غالبًا مهربة من خارج مصر".

وأضاف "عبد الستار": إن الغش التجارى موجود فى كل المجالات؛ لأن معدل الربح فيه يتراوح مابين 3000 و4000%، وهناك بعض المستهلكين يشترون سلعا وهم على علم بأنها تهريب جمارك، غير أن هناك ثلاثة قوانين بجهاز تنمية التجارة الداخلية بوزارة التموين، وهى قانون حماية الملكية الفكرية، وقانون حماية المستهلك، وقانون الغش التجارى، شريطة أن تكون العلامة التجارية مسجلة لديها.

ويعتبر قانون الغش التجارى تزوير العلامة التجارية جنحة، يعاقب مرتكبها بالحبس لفترة تتراوح بين 3 و7 سنوات، وغرامة مالية تتراوح بين 5 آلاف إلى 100 ألف جنيه، بحسب تقدير المحكمة، ومصادرة السلعة المغشوشة، ونشر الحكم فى جريدتين واسعتى الانتشار، وتوقع العقوبة على مدير الشركة، ومالك المتجر الذى يبيع السلعة المزيفة، وقد يتم الحجز على أموال الشركة.

أما اللواء عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك، فقال إن عمليات التقليد للماركات الأصلية ظاهرة طبيعية، وموجودة فى أى سوق، فأمريكا وكندا بهما أكبر سوق للمنتجات المقلدة، رغم أنها محظورة.

وأضاف "يعقوب": إن الجهاز لديه أولويات فيما يخص السلع المقلدة، بحيث وضع حياة المواطن نصب أعيننا، فعندما تأتى شكوى من بند معين مثل فرامل المرسيدس ونفاجأ بأنها مضروبة يكون لها الأولوية لأنها تعرض حياة الناس للخطر، مشيرا إلى أنه تم اكتشاف شحنة قادمة إلى مصر من الصين من دواء زانكس بحجم مليون علبة والذى يصنع فى سويسرا وبعد تحليل المادة الفعالة تم التأكد من أنها مضروبة.

موضحًا أن سلعة مثل السجائر، لا يمكن تفريق المقلدة عن الأصلية، حيث تم اكتشاف سجائر "فيليب موريس" مقلدة بالأسواق، لا يفرقها عن الأصلية إلا الشريط الخاص بالفتح، كاشفًا عن استحداث الحكومة لنظام إلكترونى جديد؛ لتتبع السلع للتأكد منها، وستتم تجربة ذلك على لمبات الليد.

وحسب التقرير السنوى لعام 2014 لجهاز حماية المستهلك فقد نجحت إدارة التحريات بالجهاز بالتحفظ على عدد 20 قطعة هارد دسك إنتاج 2007 مجهولة المصدر بمحضر رقم 43770/2014 للعرض على النيابة العامة بعد قيام محل بمول تكنولوجيا السراج مول بإعادة تدوير وتصنيع هارد ماركة ويسترن ديجيتال.

وقام الجهاز بمحاولة شراء من صفحة على موقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك تدعى "ساعاتو" منتج ساعة ماركة رولكس وحين حضر مندوب شركة الشحن لمقر الجهاز تحرر محضر بالإجراءات برقم 14224/2014 للعرض على النيابة العامة بعد تضليل المستهلكين بالإعلان عن ساعات باسم ماركات عالمية دون تصريح من صاحب الماركة.

ونجح الجهاز أيضا فى التصدى لتقليد العلامة التجارية (ناشيونال) فى إنتاج السلع الكهربائية حيث ثبت أن تلك العلامة محمية لصالح شركة باناسونيك اليابانية والتى قامت بإيقاف إنتاج سلع تحمل تلك العلامة منذ 10 سنوات وتحمل منتجاتها الآن اسم باناسونيك وعليه تمت إحالة الشركات المخالفة للنيابة العامة.

أما خميس بسيونى ــ رئيس شعبة البصريات بالغرفة التجارية فى الإسكندرية فقال، إن جميع ماركات وأنواع النظارات العالمية يتم تقليدها مثل الـ"ريبان" و"كارتير"، مشيرًا إلى أن التوكيلات العالمية يمكنها الدفاع عن حقوقها، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن فى خسائر الخزينة المصرية، حيث تدخل تلك السلع المقلدة مهربة من الصين بدون دفع جمارك.

فيما حذر محمد البهى إبراهيم - رئيس شعبة مستحضرات التجميل بغرفة صناعة الدواء، من توسع ظاهرة المنتجات المقلدة، حيث وصف سوقها بالكبيرة والمغرية فى ظل انحطاط أسعارها؛ لعدم تحملها تكلفة فى الإنتاج.

وأشار "إبراهيم" إلى أن خطورتها تتجلى فى عدم مراعاتها لأى من المواصفات القياسية، سواء المحلية أو الدولية، وقد يؤدى استخدام الكحول فى أحد مستحضرات التجميل إلى العمى، إذا لمس العين بكثافة، فيما قد تؤدى منتجات العناية بالنظافة الشخصية المغشوشة إلى أمراض جلدية وسرطانات.

وأرجع "إبراهيم" انتشار ظاهرة تقليد العطور والبرفانات العالمية إلى اعتبار الدولة تلك المنتجات سلعًا استفزازية؛ فتفرض عليها أعلى فئة فى ضريبة المبيعات، بنسبة 25%، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام الشركات المجهولة لتقليد تلك المنتجات باهظة الثمن.

وحذر "إبراهيم" من أن عمليات التقليد تتم فى أسواق محددة، حيث يجمعون العبوات الفارغة للماركات الأصلية من القمامة، أمام أعين الدولة ويبيعونها مجددًا للمواطنين على أنها جديدة.

وقال محمد وصفى - عضو شعبة المنتجات الجلدية والأحذية باتحاد الغرف التجارية، إن كل الماركات العالمية من الأحذية يتم تقليدها، مثل حذاء "جيوكس" و"زارا" ولكن الخامة تكون مختلفة تمامًا، وغالبًا يكون الزبون على علم بأن السلعة مقلدة.

وأكد وصفى أن مصلحة الجمارك تشدد خلال الفترة الأخيرة على عمليات فرز الحاويات؛ لضبط منتجات "الهاى كوبي" المهربة من الصين، ولمنع تهريب المنتجات الأصلية بسعر متدنٍ، ما يؤدى إلى خسارة الدولة نسبة كبيرة من الإيرادات.

فيما يقول وليد رمضان - نائب رئيس شعبة تجار المحمول بالغرفة التجارية بالقاهرة، إن أشهر الماركات التى يتم تقليدها هى "السامسونج" و"الأبل" و"النوكيا"، فأصبح من الطبيعى أن نجد موبايل ثمنه 5000 جنيه يباع بـ500 فقط، موضحًا أن هذة المنتجات لاتباع فى المحلات، بل تأتى مهربة من الصين وتباع من خلال إعلانات القنوات التليفزيونية، التى لايوجد عليها رقابة.

وأشار يحيى زنانيرى - رئيس جمعية منتجى الملابس الجاهزة، إلى أن تقليد الماركات فى قطاع الملابس يتم بكثافة، خاصة فى منتجات التريكو والبلوفرات والملابس الرياضية مثل "أديداس" و"نايك" و"بوما" وذلك بسبب ارتفاع أسعار المنتجات الأصلية، ووجود هامش ربح كبير ومغر فى التقليد.

وأضاف "زنانيرى": إن بعض المنتجات المقلدة تأتى مهربة، والآخر يتم تقليده فى مصر، بحيث لاتستطيع اكتشاف الفرق عن الأصلى إلا من خلال متخصصين، مؤكدًا أن التوكيلات العالمية تشتكى بشدة من انخفاض معدلات بيعها؛ نتيجة لتقليد منتجاتها.