خبراء: هذا ما سيحدث في اللقاء الأول بين بوتين وأردوغان بعد أزمة إسقاط الطائرة

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


ما زالت تداعيات أزمة إسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية، تلقي بظلالها على المشهد السياسى الدولي، وفي ظل أجواء متوترة يتوقع خبراء أن يأتي اللقاء الأول بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أرودغان، على هامش قمة المناخ التي تعقد غدًا الإثنين، في العاصمة الفرنسية باريس، والذ طلب أردوغان عقده لحل الأزمة.

وقال الخبراء إن اللقاء سيتم لاحتياج الطرفين إليه، وأن العلاقات بين موسكو وأنقرة ستشهد حالة من المقايضات، التي يفرضها الدب الروسي، مقابل التراجع عن بعض الإجراءات العقابية التي اتخذها تجاه الذئب التركي، تتعلق تلك التسويات بالملف السوري والتعاون العسكري الاستراتيجي بين البلدين، إلى جانب النواحي الاقتصادية والمتصلة بالطاقة المتجددة والسياحة والاستثمارات.
 
ومن جانبه أضاف الدكتور جمال شقرا - خبير الشؤون التركية ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والدولية، إن هذا اللقاء من المتوقع أن يطرح جملة من الإشكاليات بين البلدين، في مقدمتها أن تركيا لابد أن تقدم تنازلات مؤلمة لاسترضاء الجانب الروسي، حيث وضع الروس قائمة أطلقوا عليها اسم القائمة التحفيزية لمعاقبة تركيا، تم الإعلان عنها منذ ساعات قليلة.

وأوضح خبير الشؤون التركية أن هذه القائمة تشمل ملف الطاقة وأنابيب نقل الغاز، وكذلك إجراءات دعم تبادل السلع، خاصة الصادرات التركية إلى موسكو، كما تشمل مشروعات مشتركة في مجالات اقتصادية مثل السياحة والتنمية الصناعية والتعاون العسكري وغيرها.

وأشار "شقرا" إن هذه القائمة من شأنها أن تصنع حالة من التهميش والتقليص للدور التركي في مجالات الطاقة وأمنها وتصدير السلع، لا تنعكس فقط على الوجود التركى فى روسيا، ولكن أيضا فى دوائر دول "الكومنولث" التى تعتبر أحد دوائر الحركة السياسية والاستراتيجية والاقتصادية للدولة التركية.

ولفت إلى أنه من بين الخسائر المتوقعة لأنقرة، تأتي قضية استيعاب الأسواق فى هذه الدول، التى تعد السوق الأول للمنتجات التركية ويليها السوق الخليجى، الذى لم يعد هو الآخر راضيا عن سياسة تركيا الخارجية.

ونوه خبير العلاقات الشرق أوسطية إلى أن دول حلف الأطلنطى لن تستطيع أن تعوض تركيا عن خسائرها فى هذا الإطار، علما بأن الخسائر هنا ليست تجارية اقتصادية فقط، ولكن لها بعد أمنى استراتيجى يتعلق بالامتداد الخارجى للأمن القومى التركى.

وتوقع خبير الشأن التركى أن أنقرة ستحاول أن تصل إلى حل يرضى الجانب الروسى، خاصة فيما يتعلق بملف النفط الذى تتاجر فيه الشركات التركية وينتقل منها إلى إسرائيل، لأنها رغم عضويتها فى حلف الناتو، لكن تركيا فى النهاية ليست حليف كامل داخل الإتحاد الأوروبى، مشيرا إلى أن لدى أردوغان مشاكل حقيقية فى الداخل التركى، لا زال يلملم أوراقها قبل أن يشكل حكومته الجديدة، ومن ثم سيكون حريصًا على ألا تؤثر هذه الإجراءات الاقتصادية العقابية من قبل روسيا، على الداخل التركى، ليحتفظ بالنتائج التى حققها حزبه "العدالة والتنمية" فى الانتخابات الأخيرة، والتى مهدت له طريق تحقيق بعض طموحاته الداخلية، ومن ثم سيحرص على تصحيح مسار العلاقات مع موسكو، ولهذا السبب طالب بلقاء بوتين، وأكد أنه حاول الاتصال به هاتفيا أكثر من مرة، ولم يرد الأخير على مكالماته.
 
ومن ناحيته قال الدكتور بشير عبدالفتاح - خبير الشؤون التركية والشرق أوسطية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن بوتين سوف يوافق على لقاء إردوغان، وسيناقش معه التسوية الممكنة؛ لأن روسيا ليس لديها خيار آخر، مشددا على أن خيار المواجهة بين موسكو وأنقرة مستبعد تماما.

وتابع خبير الشئون التركية أن الترضيات التى يريدها بوتين تتعلق باعتراف أردوغان بالخطأ الذى حدث، والإعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية، وتعويض موسكو عن هذا الحادث والتعهد بعدم تكراراه، من خلال إتفاق بين البلدين يحقق عدم تعرض الأتراك لأى طائرات روسية فى سماء سوريا بعد ذلك.

وعن الشأن السوري توقع"عبد الفتاح" أن بوتين سيقف بالطبع ضد مشروع المنطقة الآمنة الذى يطمح أردوغان في إقامتها على الحدود بين تركيا وسوريا، منوهًا إلى أن هذه المنطقة من شأنها أن تعيق الرغبات الروسية التى تريد سماء سوريا بالكامل أن تظل مفتوحة لتحركات طائرتها، بينما فى المقابل يتمسك أردوغان بإقامة هذه المنطقة، وحصل على دعم أمريكى فيما يتعلق بها؛ لأن ما يهمه فى المقام الأول هو ملف الأكراد الذين يحاولون إقامة دولة على حدود بلاده مع سوريا، بالإضافة إلى إيجاد مكان للاجئين السوريين.

وتوقع خبير الشأن التركي أن موضوع الطائرة من الممكن أن يجد أرضية مشتركة بين الرئيسين فى العديد من الملفات التى ظلت مفتوحة من قبل، خاصة ملف المنطقة الآمنة والتركمان والسيطرة على الحدود وقضية اللاجئين، وكذلك مصير بشار الأسد الذى تستغله روسيا ومعها إيران كورقة ضغط لتحقيق مصالحها، بينما تعارض تركيا بقاءه، ومن الممكن أن يتم التوصل إلى حل وسط يتعلق بانتزاع قبول تركى فيما يخص بقاء نظام الأسد.
 
وعلى الصعيد الدولي قال الدكتور سعيد اللاوندي - خبير العلاقات الدولية والشؤون الأوروبية، إن العلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا ليست هى القضية، والتسوية بين البلدين ممكنة بشكل أو بآخر، ولكن تبقى خلفية الصراع الأكثر اتساعا، والمتعلقة بالمواجهات بين حلف الناتو بقيادة واشنطن والذى تمثله أنقرة من ناحية، وبين روسيا من ناحية أخرى، لافتا إلى أن دور أنقرة هو فقط دور الوكيل أو متعهد المصالح الأمريكية فى المنطقة.

وأكمل "اللاوندى" أن الطائرة "السوخوى" الروسية سقطت بواسطة طائرة إف 16 أمريكية، صحيح أنها مملوكة لتركيا، ولكن الواقعة نفسها دخلت فى إطار الصراع بين السلاح الروسى والسلاح الأمريكى، لتعكس صراعًا شاملًا حول دائرة من الأقدر على أن يسيطر على المنطقة، ومن هو اللاعب الرئيسى فى الأجواء حول سوريا، هل هى روسيا التى مازال بوتين يراها "الإمبراطورية القيصرية" وارثة عرش الاتحاد السوفيتى، أم أمريكا وتابعتها تركيا التى تتطلع هى الأخرى لإستعادة الخلافة العثمانية، بدعم أمريكى لتنفذ الأجندة الصهيوأمريكية التقسيمية فى المنطقة.

واستطرد "اللاوندي" أن تركيا ستقبل بالتنازلات إلى الحد الذى تسمح به واشنطن، وإلى السقف الذى تريد أن تضعه لتحجيم تصاعد الدور الروسى فى الإقليم والعالم.