في ذكرى وفاتها.. لماذا سميت عائشة عبدالرحمن بـ"بنت الشاطىء" ؟

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


فتاة تنحدر من بيت ينتمى للأزهر الشريف، أصرت على استكمال دراستها برغم كل العوائق التى وضعت فى طريقها والتى كانت أولها رفض والدها خروجها من المنزل للذهاب إلى المدرسة، حيث أن تقاليد القرية تمنع البنت من الخروج للتعلم.

ولم تكتف بتحدى ظروفها الصعبة، بل اثبتت للجميع ولأهل قريتها التى تمسكت بتقاليد تعسفية ضد المرآة، أنها قادرة على تحقيق مالا يستطيع عليه الرجال، وأنها جديرة باحترام أهل بلدتها لها.

"حياتها نشأتها"

ولدت عائشة عبدالرحمن، في مدينة دمياط بشمال دلتا مصر في منتصف نوفمبر عام 1913 م، وهي إبنة لعالم أزهري فقد كان والدها مدرساً بالمعهد الدينى بدمياط، وهي أيضاً حفيدة لأجداد من علماء الأزهر فقد كان جدها لأمها شيخا بالأزهر الشريف، وقد تلقت تعليمها الأول في كتّاب القرية فحفظت القرآن الكريم، ثم أرادت الالتحاق بالمدرسة عندما كانت في السابعة من العمر؛ ولكن والدها رفض ذلك فتقاليد الأسرة تأبى خروج البنات من المنزل والذهاب إلى المدرسة، فتلقت تعليمها بالمنزل وقد بدأ يظهر تفوقها ونبوغها في تلك المرحلة عندما كانت تتقدم للامتحان فتتفوق على قريناتها بالرغم من إنها كانت تدرس بالمنزل.

وحصلت على شهادة الكفاءة للمعلمات عام 1929، وقد كان ترتيبها الأول على القطر المصري، ثم حصلت على الشهادة الثانوية بعدها التحقت بجامعة القاهرة لتتخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية 1939 م، وكان ذلك بمساعدة أمها، حيث أن والدها كان يأبى ذهابها إلى الجامعة، وألفت كتاباً بعنوان "الريف المصري" في عامها الثاني بالجامعة، ثم حصلت على الماجستير بمرتبة الشرف الأولى عام 1941 م.
 
وتزوجت عائشة بأستاذها في الجامعة، أمين الخولي - صاحب الصالون الأدبي والفكري الشهير بمدرسة الأمناء، وأنجبت منه ثلاثة أبناء، وواصلت مسيرتها العلمية حتى نالت رسالة الدكتوراة عام 1950م وناقشها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.
 
سر لقب "بنت الشاطىء"

كانت عائشة عبدالرحمن تحب أن تكتب مقالاتها باسم مستعار، فاختارت لقب "بنت الشاطئ"، لأنه كان ينتمى إلى حياتها الأولى على شواطئ دمياط والتي ولدت بها وشكلت فكرها الأساسى، حتى توثق العلاقة بينها وبين القراء وبين مقالاتها والتي كانت تكتبها في جريدة "الأهرام" وخوفاً من إثارة حفيظة والدها كانت توقع باسم بنت الشاطئ أي شاطئ دمياط الذي عشقته في طفولتها.
 
"مسيرتها الآدبية"

كانت "بنت الشاطئ" كاتبة ومفكرة وأستاذة وباحثة ونموذجًا للمرأة الشرقية المسلمة التي حررت نفسها بنفسها بالإسلام، فمن طفلة صغيرة على شاطئ النيل في دمياط إلى أستاذ للتفسير والدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة القرويين في المغرب، وأستاذ كرسي اللغة العربية وآدابها في جامعة عين شمس بمصر، وأستاذ زائر لجامعات أم درمان 1967م والخرطوم، والجزائر 1968م، وبيروت 1972م، وجامعة الإمارات 1981م وكلية التربية للبنات في الرياض 1975- 1983م .
 
وتدرجت في المناصب الأكاديمية إلى أن أصبحت أستاذاً للتفسير والدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة القرويين بالمغرب، حيث قامت بالتدريس هناك ما يقارب العشرين عامًا.

وساهمت في تخريج أجيال من العلماء والمفكرين من تسع دول عربية قامت بالتدريس بها، قد خرجت كذلك مبكرًا بفكرها وقلمها إلى المجال العام؛ وبدأت النشر منذ كان سنها 18 سنة في مجلة النهضة النسائية، وبعدها بعامين بدأت الكتابة في جريدة الأهرام فكانت ثاني امرأة تكتب بها بعد الأديبة مي زيادة، وكان لها مقال طويل أسبوعي، وآخر مقالاتها ما نشر في "الأهرام يوم 26 نوفمبر 1998.

وكان لها مواقف فكرية شهيرة، واتخذت مواقف حاسمة دفاعًا عن الإسلام، فخلّفت وراءها سجلاً مشرفًا من السجلات الفكرية التي خاضتها بقوة؛ وكان أبرزها موقفها ضد التفسير العصري للقرآن الكريم ذودًا عن التراث، ودعمها لتعليم المرأة واحترامها بمنطق إسلامي وحجة فقهية أصولية، وموقفها الشهير من البهائية وكتابتها عن علاقة البهائية بالصهيونية العالمية .

وتركت "بنت الشاطئ" وراءها أكثر من أربعين كتاباً في الدراسات الفقهية والإسلامية والأدبية والتاريخية، وأبرز مؤلفاتها هي: التفسير البياني للقرآن الكريم، والقرآن وقضايا الإنسان، وتراجم سيدات بيت النبوة، وكذا تحقيق الكثير من النصوص والوثائق والمخطوطات .

كما كان لها دراسات لغوية وأدبية وتاريخية أبرزها، نص رسالة الغفران للمعري، والخنساء الشاعرة العربية الأولى، ومقدمة في المنهج، وقيم جديدة للأدب العربي، ولها أعمال أدبية وروائية أشهرها: على الجسر.. سيرة ذاتية، سجلت فيه طرفا من سيرتها الذاتية، وكتبته بعد وفاة زوجها أمين الخولي بأسلوبها الأدبي.

وكتاب "بطلة كربلاء"، وهو عن السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، وما عانته في واقعة عاشوراء في سنة 61 بعد الهجرة، ومقتل أخيها الحسين بن علي بن أبي طالب، والآسر الذي تعرضت له بعد ذلك.

ومن مؤلفاتها سكينة بنت الحسين، مع المصطفى، مقال في الإنسان، نساء النبي، أم الرسول محمد.. آمنة بنت وهب، أعداء البشر، أرض المعجزات.. رحلة في جزيرة العرب.

وحصلت "عائشة" على الكثير من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب في مصر عام 1978 م، وجائزة الحكومة المصرية في الدراسات الاجتماعية، والريف المصري عام 1956م، ووسام الكفاءة الفكرية من المملكة المغربية، وجائزة الأدب من الكويت عام 1988 م، وفازت أيضا بجائزة الملك فيصل للأدب العربي مناصفة مع الدكتورة وداد القاضي عام 1994 م.

كما منحتها العديد من المؤسسات الإسلامية عضوية لم تمنحها لغيرها من النساء مثل مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، والمجالس القومية المتخصصة، وأيضاً أَطلق اسمها علي الكثير من المدارس وقاعات المحاضرات في العديد من الدول العربية.

"وفاتها"

توفيت "عائشة" عن عمر ناهز 86 بسكتة قلبية، يوم الثلاثاء 11 شعبان 1419 هـ الموافق أول ديسمبر 1998م.