عائشة نصار تكتب: العلاقة الحرام بين التنظيمات الإرهابية ومافيا التهريب

مقالات الرأي

بوابة الفجر


تهريب وهيروين وتجارة آثار وسلاح وأعضاء بشرية تمول عمليات «داعش» و«القاعدة» من سيناء إلى باريس

■ مختار بلمختار زعيم «المرابطين» هو نفسه «مستر مارلبورو» أخطر مهربى السجائر المقلدة والسلاح فى شمال إفريقيا

ارتبط منفذو هجمات باريس الأكثر دموية فى أوروبا خلال الفترة الأخيرة، بعلاقات وثيقة لا يمكن الاستهانة بها بعالم الجريمة، وعلى رأسهم عبد الحميد أباعود أو (أبو عمر البلجيكى) المعروف بـ«جلاد داعش» والذى يشار اليه بأنه العقل المدبر للعملية كلها، وحلقة الوصل بين التنظيم المركزى «الدولة الإسلامية» وشبكة عملائه فى أوروبا، قبل أن يلقى حتفه على يد الشرطة الفرنسية.

وسبق وأن ثبت تورط أباعود فى عمليات للسرقة والسطو المسلح، وقضى بالفعل عقوبة بالسجن فى بلجيكا فى 2010 مع شريكه فى الهجمات، الإرهابى الهارب صلاح عبد السلام، والذى كان يمتلك حانة فى مولنبيك فى بلجيكا وتم إغلاقها بسبب ترويجها للمخدرات.

انتحارى آخر فى نفس العملية، وهو عمر إسماعيل مصطفاوى، وكان أول من استطاعت السلطات الفرنسية الكشف عن هويته عبر إصبعه المقطوع فى مكان المذبحة بعد تفجير نفسه بمسرح باتكلان، اتضح كذلك أنه صاحب سجل جنائى حافل ومسجل لدى الشرطة الفرنسية، ناهيك أيضا عن حسناء بولحسن ابنة خال أباعود، والتى لقيت مصرعها فى المداهمات الأمنية لـ«المنزل الآمن» للإرهابيين فى حى سان دونى بباريس، وثبت أنها كانت معروفة بدورها بإدمان الكحول وبعلاقتها الوثيقة بتجارالمخدرات، فضلا عن تنقلها المستمر بصحبتهم.

1

ملف مسكوت عنه

المعلومات التى توفرت عن منفذى هجمات العاصمة الفرنسية، جاءت لتفتح بقوة الملف المسكوت عنه فى العلاقة بين التنظيمات الإرهابية الكبرى وشبكات الجريمة المنظمة والتهريب فى العالم، خاصة أن أفراد خلية باريس ليسوا استثناء. فسبقهم فى ذلك البريطانى إين ديفيز، قاطع الرءوس الأشهر فى داعش، حيث كان يعمل قبل انضمامه للتنظيم الإرهابي، كسائق قطار مترو أنفاق، لكن تم القبض عليه قبل 11عامًا على إثر تحوله لتجارة المخدرات، ليقضى سنتين عقوبة بالسجن، ثم كان التحول الأكبر المفاجئ فى حياته، باعتناقه للإسلام ثم رحيله إلى سوريا وانضمامه إلى عجلة الإجرام الداعشى.

تنظيم القاعدة لم يكن أفضل حالا أيضا من داعش فى ضم العناصر الإجرامية إلى صفوفه، بل سبقه بسنوات فى هذا المجال، حيث فوجئت السلطات الإسبانية عندما اكتشفت أول بصمات لتنظيم بن لادن والظواهرى على أراضيها عام 2001، بإلقاء القبض على خلية السورى عماد الدين بركات أبو الدحداح، ثم إسقاط خلية أخرى فى «مليلة» والقبض على زعيمها مصطفى مايا، أن مئات العناصر المتطرفة الموجودة لديها فى السجون آنذاك كانوا على صلات بالجريمة المنظمة وعالمها.

وفى كل الأحوال فإن ارتباط التنظيمات الإرهابية بعالم الجريمة المنظمة تحول إلى ظاهرة شديدة الخطورة تزيد من القدرات الفنية والمالية لتلك التنظيمات، سواء بعلاقتها بعصابات التهريب والجريمة والتحالف الحالى بين الطرفين، أو بتحول تلك التنظيمات نفسها إلى مافيا مستقلة للسلاح والمخدرات وتجارة الأعضاء البشرية، كما هو الوضع بالنسبة للتنظيمات الإرهابية الكبرى الآن، بداية من الدولة الإسلامية فى العراق والشام وبوكو حرام فى نيجيريا وطالبان فى أفغانستان.

فيما كشفت التحقيقات والأحداث المتلاحقة عن تورط خطير لعالم الجريمة فى عمليات إرهابية كبرى هزت العالم، حيث ثبت أن حادثة تفجير قطار مدريد عام 2004 على سبيل المثال التى وصل عدد ضحاياها إلى 191 شخصاً، تم تمويل جزء منها من مبيعات الحشيش.

المفاجأة أن الإحصائيات الدولية تؤكد أن 19 منظمة إرهابية من أصل 43 منها فى نيجيريا «بوكوحرام» وأفغانستان ومنطقة الساحل والصحراء واليمن وغرب إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، ترتبط بتجارة المخدرات لتأمين تمويل مادى لأنشطتها، فنجد حركة طالبان الأفغانية تتحصل على ضرائب على تلك التجارة غير المشروعة مقدارها سنويًا 2 مليون دولار على كل تاجر، وهو أمر مشابه لما تفعله جبهة النصرة وداعش بمناطق نفوذهما سواء فى سوريا أوالعراق، بناء على فتوى جاهزة من فقهاء الكيانين الإرهابيين تتيح الاتجار للإضرار بأعداء الإسلام، وأن المخدرات تزعزع الاستقرار بالدول الكافرة وتدمر عقول أبنائها.

تبادل المصالح عضوى تماما فى علاقة الجريمة المنظمة مع الشبكات والتنظيمات الإرهابية خاصة فى المناطق الحدودية، تحصل بموجبه الجماعات المسلحة على نسب من أرباح تلك المنظمات مقابل تأمينها وحراسة أنشطتها وعملياتها غير المشروعة، وما زاد من خطورة تلك الظاهرة، هو حالات الانفلات الأمنى الكبرى فى بعض الدول بعد ثورات الربيع العربى، حيث ازدهرت فى هذا المناخ العلاقات بين الميليشيات الإرهابية ومهربى المخدرات والعناصر المشتغلة بالجرائم المنظمة.

2

داعش على خطى القاعدة فى «الجريمة المنظمة»

وفى دراسة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فإن العمليات الكبرى لتنظيم القاعدة فى سنوات مجدها، كان يتم تمويلها بشكل مركزى تماما من قيادته المركزية فى أفغانستان، غير أن الوضع تغير بالكامل بعد هجمات 11سبتمبر، والضربة الأمريكية للتنظيم فى عقر داره ومن ثم تشتته وتدهور وضعه الاقتصادى، وبالتالى «أصبحت الفروع التابعة له تعمل بشكل لامركزي، وبدأت فى الاعتماد على نفسها فى تمويل أنشطتها الإرهابية بشكل ذاتى أكثر".

وتشير الدراسة بوضوح إلى أن «فروع القاعدة انخرطت بنفسها فى السرقة وأعمال السلب والنهب وتهريب السجائر وبيع المنتجات المقلدة، لتمويل أعمالها كما فى حالة الجماعة الإسلامية، وهى فرع التنظيم فى جنوب شرق آسيا، حيث لجأت بالفعل إلى سلب محلات للمجوهرات لتمويل تفجيرات بالى عام 2002، وكان التبرير الشرعى حاضرًا فى كل الأحوال، فما تتم سرقته بالأخير هى أموال الكفار للاستفادة منها فى أعمال الجهاد». وبالتوازى مع عملياته التوسعية المستمرة، كان «داعش» بدوره يمارس الجريمة المنظمة بشكل مركزى يوميًا أيضا، فى الأماكن الواقعة تحت رايته السوداء فى سوريا والعراق، وبخلاف العائدات الهائلة من عمليات السطو على بترول البلدين وبيعه عبر خطوط ممتدة داخل أراضى كردستان وتركيا، فإن التنظيم يتحصل على إتاوات من العائلات التى ترفض دفع أبنائها للقتال تحت بند مخصوص يعرف بـ «أجور خدمات وحماية»، ناهيك عن «أسواق النخاسة» التى تعتمد على خطف الإيزيديات والمسيحيات وبنات ونساء وأطفال الأقليات الأخرى وبيعهن كجوار وعبيد، كما هو الحال فى الرقة والموصل.

ورصدت الأمم المتحدة، عبر مفوضيتها العليا لحقوق الإنسان بيع نحو 25 ألف امرأة وطفل وصل سعر الواحد منهم 10 آلاف دولار، إلى جانب عمليات خطف الرهائن وطلب فدية لإطلاقهم.

3

مخدرات وغسيل أموال وتجارة أعضاء بشرية فى دولة الخلافة

بحسب بعض التقديرات، فقد وصل حجم تجارة المخدرات التى يديرها داعش، ويتخذ من مدينة نينوى على الحدود التركية مركزا لها، إلى الحد الذى أصبح معه المورد الرئيسى لحوالى نصف حصة أوروبا من الهيروين الأفغانى، الذى يتولى التنظيم تسويقه وتهريبه عبر الأراضى العراقية وبعض الدول الإفريقية إلى الغرب.

بالإضافة إلى بيع الآثار وعمليات غسيل الأموال ببيع البضائع فى أسواق داعش بأسعار متناهية الضعف بالمقارنة بثمنها الحقيقى ببلد المنشأ، وبلغت التسعيرة الداعشية للسماح للأسر بخوض تجربة الهجرة غير الشرعية أيضا نحو 8 آلاف دولار لكل فرد بها للسماح له للوصول إلى الأراضى التركية. بل إن التنظيم لم يستثن المواشى المنهوبة من قرى ومدن الشيعة والتركمان والمسيحيين والأيزيدية والتركمانية ودخلت ضمن مصادر تمويل التنظيم بصورة غير مشروعة.

بخلاف الاتجار فى الأعضاء البشرية لقتلى التنظيم أوالرهائن من المصابين والجرحى حتى ولو كانوا أطفالًا ممن يُتخذ قرار بتصفيتهم على خلفية انتمائهم للأقليات، وقبل كل هؤلاء ضحايا المواجهات والذين ينقلون لمستشفيات داعش بواسطة فريق تدخل سريع مختص بتلك العملية يعرف باسم «مجموعات الانتشال"، على أن يتولى أمرهم هناك أطباء وجراحون عرب وأجانب غير محليين يحظر الاختلاط بهم، وكان التنظيم قد جندهم خصيصًا لتلك المهمة بالذات، فى الوقت الذى يكون فيه الإعدام الفورى هو عقوبة أى طبيب يتمرد ويرفض تنفيذ الأوامر.

ثم يأتى بعد ذلك دور التحالف بين داعش وعصابات الجريمة المنظمة فى مهمة بيع الكلى والأكباد والقلوب البشرية، وتوريدها لتركيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وربما إلى إسرائيل نفسها، فى ظل إعلان الحكومة العراقية أكثر من مرة عن عثورها على مقابر جماعية تابعة لداعش تضم ضحايا مشقوقة الظهرمنزوعة أو مفقودة الأعضاء البشرية.

4

عصابات تهريب الأفارقة لإسرائيل فى خدمة «أنصار بيت المقدس»

النسخة الداعشية فى مصر، تنظيم أنصار بيت المقدس، وثيق الصلة بدوره أيضا بالعالم السرى للجريمة، خاصة مع اعتمادها فى جلب السلاح والمقاتلين الأجانب بصفة خاصة على طرق وعصابات التهريب سواء عبر البحر المتوسط بمواجهة سواحل العريش أو من خلال أنفاق غزة، إضافة إلى استخدام أساليب وطرق تهريب الأفارقة إلى إسرائيل عبر سيناء، من مدقات ودروب جبلية غير مطروقة.

وكشفت الأجهزة الأمنية مؤخرًا أن عددًا من الإرهابيين المقبوض عليهم قد حصلوا على جوازات سفر مزورة عبر عصابات إجرام منظم من وسط آسيا. وفى السياق نفسه سبق أن كشفت الشرطة الإسبانية إسقاط عصابات لتجارة الآثار مجال نشاطها فى الإسكندرية وتذهب نسب من أرباحها لصالح العمليات الإرهابية فى المنطقة.

5

مستر مارلبورو.. زعيم تنظيم المرابطين

المشهد ذاته يتكرر بين الإرهابيين والمهربين المستوطنين للمناطق الحدودية التونسية المعدمة والفقيرة مع الجزائر وليبيا، عبر مايطلق عليهم «البارونات» وهم أصحاب القصور من كبار المهربين الذين جمعوا ثرواتهم من أعمال السمسرة وتجارة السلاح والمؤن والأدوية خاصة فى الجنوب التونسى بمناطق بوشبكة والذهبية، كما ثبت تورط جماعة «أنصارالشريعة» التونسية والمجموعات السلفية، بل تنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى"، فى عمليات تهريب واسعة النطاق للمخدرات وتحديدًا الكوكايين فضلا عن السلاح، وهو وضع يتكرر كذلك على الحدود الجزائرية مع النيجير ومالى وليبيا. وكان تحالف تعاون قد تم إقراره بداية العام الجارى بين عدد من شبكات التهريب الإفريقية تضم عناصر من بلاد المغرب العربى إلى جانب آخرين من دول بعينها كالسودان والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد ومالى وبنين، وبين عدد من التنظيمات الإرهابية المسلحة كأنصار الشريعة التونسية وواعدة المغرب العربى وداعش ليبيا فضلا عن «المرابطين».

مختار بلمختار زعيم تنظيم المرابطين نفسه تحول إلى ماركة مسجلة فى العلاقة الحرام بين الإرهاب وجريمة تهريب البضائع والسلاح، فيما أصبح يعرف بلقب «السيد مارلبورو»، ويشار إليه كأحد أساطير تهريب السجائر والسلاح من مالى والنيجر إلى دول الشمال الإفريقى.