د.دينا أنور تكتب: اللي إسمه إسلام "هيتحبس"....!

مقالات الرأي

بوابة الفجر


خبر مزعج جديد بالقبض على رسام كاريكاتير موهوب يدعى"إسلام جاويش"، لاأظن بأنه يوجد أحد على مواقع التواصل الإجتماعي لم يبتسم من إحدى رسوماته الكاريكاتيرية خفيفة الظل، وبعد الإندهاش والإنتظار لمعرفة حيثيات القبض عليه تبين أنها تهم لن تكون بالتأكيد محل إهتمام السلطات الأمنية لدولة مازال الإرهاب يتربص بأمنها ويزعزع إستقرارها وإقتصادها داخلياً وخارجياً.


إذن فالقبض هنا كان على ورقته وقلمه وليس على شخصه وممارساته التي لاتتعدى الكثير والكثير من أشكال خرق القانون التي يزدحم بها مجتمعنا ونعذر الأمن لتقصيره في ردعها بحجة انه منشغل في حربه ضد الإرهاب، أما إذا كان ثمن ذلك أن يتم القبض على الأفكار وتأييد الحريات وقمع الآراء، فنتوسل إلى حكومتنا الموقرة أن تنشغل بما هو أدعى وأخطر على الصالح العام.


لا أفهم مدى إصرار السلطات الحكومية على إعادة إستنساخ النظام القمعي رغم الدرس القاسي الذي تعلمناه من ثورة ٢٥ يناير بأن الشباب قنبلة موقوتة وأن سلب حريتهم وكمد طاقتهم في الإبداع يوقعهم فريسة تحت الأيادي الخارجية التي تسعى للتخريب ونشر الفوضى، ماذا يضيركم لو عبر شاب عن غضبه ، ألا تشاهدون صفحات الإخوان المسلمين  ومن يتبعونهم ومحاولاتهم المستمرة لكسر الجيش المصري وإختراق الدولة أمنياً، أليس هؤلاء أولى بإقتحام قواتكم وتفتيش أجهزتهم التي تتخابر مع الدول المعادية لمصر وللرئيس، بدلاً من بحثكم عن نسخ الحاسب المزيفة وحقوق الملكية الفكرية في دولة لا تستوعب حكومتها تفكير الناس ولا محاولتهم للتجديد.


أما بالنسبة لإسم "إسلام" الذي أصبح مدعاة للقلق هذه الأيام فلربما حرص كل من يحملون هذا الإسم أن يكمموا أفواههم ويقهروا أفكارهم، فهذا العام بدأ بحبس"إسلام بحيري" بسبب دعوته لتجديد الخطاب الديني، والآن وقبل إنتهاء أول شهر من العام إكتمل العبث بحبس "إسلام جاويش"، فلربما صار هذا الإسم خطراً على الأمن العام، ومن ثم يجب أن يحرص كل حامل لهذا الإسم أن لايعبر عن آرائه ولايفصح عن أفكاره لأن هذا العام يبدو أن الحرب ليست على الإرهاب بل على الأفكار والآراء وكل من قاده حظه العاثر أن يكون إسمه"إسلام" وله عقل يفكر به.


والورقة التي إشتهر بها "جاويش"لم تكن سياسية بالمقام الأول، بل كانت مجتمعية وفكاهية أغلب الأوقات، فأين الخطورة لو عبرت ريشته عن واقع لم يعجبه، إن الإعتراض المثمر بلا شك أفضل مراراً من التصفيق الواهي  والمبالغة في الإطراء، وإعادة إستنساخ مشهد "عسكراني" الذي كان يردد التحية للسلطان"مارينجوس الأول" أوتوماتيكياً دون تفكير هو قطعاً مشهد هزليٌ مثير للضحك ولايصلح أبداً أن نطلبه من شعب تمرد على القمع الديني و إنتخب رئيسه بعد ثورة أبهرت العالم وأطاحت بالإرهاب.


وأخيراً فإننا نرى أن هذه الممارسات تجاه المبدعين والمفكرين والشعراء والأدباء هي وصمات عار على جبين حضارة مصر التي أصبحت تحتضر وتنازع للبقاء دون جدوى، فحتماً من يستحق القبض عليه هو حامل السلاح لا حامل الريشة والقلم، وحتماً من ننتظر محاسبته هو من ساهم في جهل الناس وإغلاق عقولهم على القبح والتطرف وليس من يحاول تجديد الأفكار ونشر التنوير وإلقاء الضوء على السلبيات. 


لاتزيدوا الفجوة بينكم وبين الجمهور الغاضب بهذه الممارسات القمعية للأفكار، دعوا الأقلام حرة تكتب ماتكتب وأطلقوا العنان للخيال والتجديد ومساعي التنوير، فوالله لقد سئمنا إغراق وطننا في الظلام ودهس تاريخه الفني والحضاري ، إحذروا اللعنة التي قد تتسبب في رحيل المبدعين من أرض الوطن يوماً بعد يوم، فالذي يمتلك عقلاً حراً وخيالاً بلا قيود حتماً لن يزعزعه حبس أو خوف، والخاسر الوحيد هو وطننا الذي ستهاجر طيوره المثقفة إلى الخارج بحثاً عن الحرية في سماء جديدة.