سمر جابر تكتب: «الخامسة والعشرين» وأزمة منتصف الأحلام

مقالات الرأي

بوابة الفجر


تتردد أصوات المنبه بشدة هذه المرة، لاستيقظ بعد ساعات نوم متقطعة، وانظر إلى الساعة التي اقتربت من التاسعة، فيغلبني النوم لدقائق، ثم يعود المنبه مرة أخرى، إلى أن استسلم لطلباته، وأقوم لأواجه هذا العالم، من غرفتي التي تستوعبني، وقلمي، وطربيزتى، كل شيء عشوائي فيها، فأنا أعشق ذلك لا أحب التنظيم التام، فما بين أوراق مبعثرة وكتب وملفات وجرائد، أتعايش معها، فتمكنت أخيراً.. فوقت من غيبوبتي، لأبدأ يومي،  فنظرت إلى  اليوم، 5 فبراير، عيد ميلادي، أدركت حينها ولأول مرة إني كبرت، وإني نضجت بما يكفى، وأصبحت باردة في كثير من المواقف، وتغيرت مشاعري، لم أعد أثور وأنتقد ما لم يعجبني، بل زاد بداخلي راحة البال، التي كنت تمنيتها، فكم من أحلام لم تتحقق، أو بأحرى لم تكتمل، فمنذ طفولتي، وأمي من ألجأ إليها في جميع احتياجاتي، هي من تختار لي، هي من تأخذ قراراتي، إلى أن دخلت الثانوية، وأصبحت أختار بنفسي،  تسير معي الحياة كالقطار على محطة ثابتة، ما بين توقف، وسير سريع، أنما بانتظام، أعلم ماذا أريد وكيف أحقق.

ولكن بعدما تخرجت من الجامعة، فواجهتني الحياة بوجهها الأخر، بأحلام لم تكتمل، بوجوه سقطت قناعها، ببشاعة هذه الدنيا وتزيفها، فأحلامي في الصحافة، لم يتحقق منها سوى عضويتى بالنقابة، وما زالت باقي الأحلام لم تتحرك، ولكن في طريقي إليها، وعن حبي، الذي لم أعرفه، سوى في الأفلام، فثقتي به لم تكتمل، ما زلت أخشاه، فالحب الذي عرفته كان حب أحد أقاربي، لزوجته، الذي تعرف عليها في الجامعة، وأحبها بشدة، ورغم أن القدر لم يكمل السعادة بمنحهم أطفال، إلا أن قصتهم لا زالت مُسطرة بالحب، فإذا سألتني عن الحب!؟.. فإنه ثقة لا تتردد، وضوح،  تضحية، ورغبة في راحة الأخر، وليس أتعابه أو إرهاقه، الحب لم أجده سوى فى الأفلام، ولذا سئمت كل قصصه الفاشلة التي تفسد القلوب .  

هل تعلمي يا أمي كم كبرت.. لم أعد تلك الفتاة المدللة التي تلهو مع أطفال الجيران وتسعدها لعب الكرة، وقطع التشوكليت، لم أعد أحب أشياء الماضي كما كنت.. حتى حبي لركوب العجل قد تلاشى، هل تعلمي أن طيبتي أصبحت سذاجة لا تليق بي..هل تعلمي إني قد تعلمت في حياتي الكثير.. كبرت وشبت وابيضيت بعض شعيراتي، أصبحت أنظر للأمور من منظور العقل، أصبحت لا أثق بالحب، وكلما اقترب أبتعد، وأصبحت أراه تائهاً مزيفاً على لوح زجاجي ملئ بالتراب، أصبحت لا أصدق الحقائق بأنها ثابتة، لكثرة ما تشوه أمامي، أصبحت لا أجيد التعامل مع البشر كلما عرفتهم سئمت التعامل معهم، أصبحت أغلق جميع نوافذي، عما  يرهقني، ويثير متاعبي، أصبحت أنعزل، عندما تتكاثر على المشاكل، أصبحت لا أريد أن أرهق أحد من أحاسيسي  أو متاعبى، فقد أحكيها على ورقات أمامي، وأحتفظ بها بين طيات كتابى، أصحبت أصمت كثيراً، وأتمنى أن يشاركني أحد هذا الصمت دون حديث، دون فضفة قد ترهقني أكثر، أمام أحلامي المنتصفة، لم يدخل بى اليأس رغم ما مررت به من فشل، فأحلامي سوف تكتمل بمشيئة الله .

قرأت يوماً جملة لجان هاي " بإن أطول خمس سنوات في عمر المرأة تقع بين الخامسة والعشرين والثلاثين"، ولكن من وجهة نظري أنها الأسرع، الأقدر على التأثير، الأكثر قلقاً، والتي تبعث خوفنا، وخوف من يجاورنا علينا، وفى وسط متاهتي أبى وأمي وعائلتي هم من يحيوني على هذا الكوكب، فالحمد الله على وجودهم.