عم حسن «حايك الأشولة».. «عايش على حس الفقرا»

تقارير وحوارات

عم حسن
عم حسن


بوجه يملأه الرضا، يرتسم بضحكة ممزوجة بالأمل، يفتح «عم حسن المنصوري»، ذو الخمسين عامًا، شباك حجرته البسيطة كل صباح، ينظر بعيون أمله إلى السماء، يداعب نور الشمس، داعيًا ربه بحمد كثير أن يديم عليه العديد من النعم التي كانت تغفل عنه أو ربما لا يعلم أنها تحمل العديد من الخير له.

يسرح قليلاً ليتذكر كيف وهبه الله القوة التي استطاع بها أن يواجه إرهاق المهنة الشاقة ومصدر رزقه الوحيد، بالرغم من ضعف بصره، والربو وآلام ظهره ورقبته المزمنة، نتيجة جلوسه لساعات عديدة بحياكة «الأجولة»، بل جعل مهنته مفتاح لصبر الحياة لتكون نفسها شعاع النور الذي يبعث بارقة الأمل لدى أولاده الثلاثة.

بتجاعيد يديه العتيقة من مصافحته الدائمة للإبرة والخيط، يجلس عم حسن المنصوري على ماكينته المتهالكة بمحله الصغير، ووسط المئات من الأجولة المتربة، ليبدأ يومه بسماع محطة القرآن الكريم وعلى صوت عبدالباسط عبد الصمد، يبدأ بنسج خيوط «الأجولة» مع تراتيل آيات الله، ليكرمه الله بالرزق.

في تمام الساعة السابعة صباحًا، يذهب «عم حسن»، إلى محله الصغير بنفس المنزل، وعن مهنته تحدث بنوع من التقدير، فقال: «صناعة الأجولة والمعروفة لدى الجميع بالشكاير مهنة كانت بطريقة بدائية وأولية وبسيطة، ثم تطورت مع تطور التقنيات وأصبحت تعمل عن طريق الماكينة الكهربائية».

ويبين أنه ورث من والده المهنة، فقد عرف الابن الطريق للمحل وعمره 12 عامًا ليساعد والده في عمله، ثم راحت خبرة الصغير تزيد مع الأيام ويتردد عليه الزبائن باستمرار ويعلمون مكانه جيدًا فقرر أن يتخذ من خياطة الأجولة مهنته رغم  قلة الدخل، قائلاً: «الدخل يوم فيه ويوم مفيش، وباخد على الحتة من 4 إلى 8 جنيهات».

وبمداعبته بالسؤال عن متى ستندثر مهنته كما اندثر غيرها من مهن الزمن القديم، يرد بثقة: «خياط الأجولة موجود طول ما الفقير عايش في البلد دي، لأن دول غلابة ومش هيدفعوا كتير حتى مع توافر الوسائل التكنولوجية الحديثة».

وعن معاناته وهو يمارس المهنة من عمر 12 سنة، أضاف بعد أن أخذ نفس عميق وهو يمسح جبهته من عفرة «الأجولة» وبكُحة كادت أن تذبح صدره: «هذه المهنة أخذت من شبابي وطاقتي كل شيء جميل، ولم استمتع بجمال الحياة وسعادتها كنت آلة تعمل ليل نهار من أجل توفير قوت العيال، ده غير المرض فأنا مريض ربو ومنعني الأطباء من ممارسة المهنة ولكني لا أستطيع فهذا مصدر رزقي الوحيد، ومع ذلك عايش على الأدوية ومتحمل».

وبسؤاله عن الحركة الكبيرة للمحل أي موسم الأجولة، يجيب بحسرة: «الشكاير تستخدم طوال السنة ولكن بموسم الأرز، والغلة بيكون الشغل أكتر، وللأمانة مفيش طلبيات بمستوى كبير، اعتمد على الأفراد".

وعن السبب، يضيف: «أظن أن الأجولة الجاهزة أثرت سلبًا علينا، لأنها أصبحت متوفرة ولكنها أغلى، وقد دخل كعامل جديد في معادلة السوق؛ فهذا الزمن هو الأسوأ لمهنة الأجولة في مصر على الإطلاق، ففي الماضي كانت الأسابيع التي تسبق المواسم تمتلئ ورشتي بالزبائن، وكانوا من مختلف شرائح المجتمع بينهم أغنياء ومحدودي دخل، أما الآن فيتحسر على ذلك الزمن»، قائلًا: «خسرت الكثير منهم، واللي بيتردد عليا في الغالب الفقراء اللي يصعب عليهم شراء الجاهز».