الحياء.. تاج الأخلاق

إسلاميات

بوابة الفجر


الحياء صفة إلهية.. عنه قال رسولنا صلى الله عليه وسلم "إن ربكم تبارك وتعالي حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرًا".

وهو أيضا صفة نبوية.. فقد كان عليه الصلاة والسلام أشد حياءً من العذراء في خدرها، وما رُئي مادًا رجليه بين صحابته قط..

الحياء والإيمان.. متلازمان

إن الحياء خلق يبعث على فعل كل مليح، وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة، وهو الدليل على الخير ومكارم الأخلاق؛ لما فيه من مزايا وفضائل، ولكل هذا فإنه يعد زينة الإيمان.. فالحياء والايمان متلازمان فلا يكتمل الإيمان بدون الحياء، فكلٌ منهما داعٍ إلى الخير مقرب منه، صارف عن الشر مبعدٌ عنه .

 وكما جاءنا في حديث النبي "صلى الله عليه وسلم": "إن لكل دين خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء".

وفى الصحيحين أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال : "الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".

وفي الحديث أيضًا: "الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر".

وقال "صلى الله عليه وسلم": "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت".

صور وأشكال الحياء:

للحياء صور وأشكال كثيرة منها:  

1- الحياء من الله

حين يستقر في نفس العبد أن الله يراه، وأنه سبحانه معه في كل حين، فإنه يستحي من الله أن يراه مقصرًا في فريضة، أو مرتكبًا لمعصية.. قال الله عز وجل: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)[العلق:14]. وقال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)[ق:16].

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "استحيوا من الله حق الحياء. فقالوا: يا رسول الله! إنا نستحي. قال: ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء".

2- الحياء من الملائكة

وعن هذا قال الصحابة : إن معكم من لايفارقكم ,فاستحيوا منهم وأكرموهم .

وقد نبه سبحانه على هذا المعنى بقوله: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10- 12].

وقد قال ابن القيم رحمه الله : [ أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثل عمله، فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟! ]

3- الحياء من الناس

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس.

وقال مجاهد: لو أن المسلم لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه.

وقد نصب النبي "صلى الله عليه وسلم" هذا الحياء حكمًا على أفعال المرء وجعله ضابطًا وميزانًا، فقال: "ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت".

4- الحياء من النفس.

كيف بمن استحيا من الناس ولم يستحِ من نفسه ؟؟  فهل نفسه أقل عنده من غيره ؟؟ فإذا هم  الشخص بقبيح وتصور نفسه وكأن شخصًا آخر يراه، فسيرجع فورًا، ويكون هذا الحياء من النفس بالعفة وصيانة الخلوات وحُسن السريرة.

فإذا كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره.

قال بعض السلف: من عمل في السر عملًا يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر.

حياء نساء وبنات النبي

- رأينا من نساء وبنات النبي صورًا من أجمل صور الحياء، فهاهي عائشة تقول بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وسلم": كنتُ أدخل بيتي الذي دُفِنَ فيه رسول الله وأبي، فأضع ثوبي، فأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلمَّا دُفِنَ عمر معهم، فوالله ما دخلتُ إلاَّ وأنا مشدودة عليَّ ثيابي؛ حياءً من عمر.

أما فاطمة الزهراء رضي الله عنها، فحين مرضت مرض الموت الذي توفيت فيه، دخلت عليها أسماء بنت عميس رضي الله عنها تعودها وتزورها فقالت لها فاطمة: والله إني لأستحي أن أخرج غدا (أي إذا مت) على الرجال بجسمي من خلال هذا النعش.

وكانت النعوش آنذاك عبارة عن خشبة مصفحة يوضع عليها الميت، ثم يطرح على الجثة ثوب ولكنه كان يصف حجم الجسم ، فقالت لها أسماء: أو لا نصنع لك شيئاً رأيته في الحبشة ؟

فصنعت لها النعش المغطى من جوانبه بما يشبه الصندوق ودعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت على النعش ثوبًا فضفاضًا واسعًا، فكان لا يصف فلما رأته  فاطمة  قالت لـها: سترك الله كماسترتني.

حياء عثمان 
ولايسعنا أن نذكر الحياء دون أن نذكر اسمًا قد لازم الحياء ولازمه الحياء حتى أصبح صفة يعرف بها وتعرف به.. وهو سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه الذى قال عنه النبي "صلى الله عليه وسلم": "أصدق أمتي حياءً عثمان"

فقد كان لشدة حيائه رضي الله عنه، إذا اغتسل يغتسل جالسًا لئلا يكشف شيء منه حتى أمام نفسه.


وقد شهد الرسول بحيائه حين همَّ عثمان بالدخول عليه فاعتدل "صلى الله عليه وسلم" في جلسته ، وقال مقولته الشهيرة: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة".

قالوا عن الحياء

قال وهب بن منبه: الإيمان عريان، ولباسه التقوى، وزينته الحياء.

وقيل أيضًا: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه... وربَّ قبيحةٍ ما حال بيني.. ... ..وبين ركوبها إلا الحياءُ