مسرحية "الحلال".. تجربة طليعية ونموذج إبداعي لثقافة المواجهة "تقرير"

الفجر الفني

بوابة الفجر



في أمسيات بهيجة، للعين أن تسعد بشباب مصري يركض بخفة ورشاقة في ملعب الابداع المسرحي ويقدم بهدير الطموح المشروع والمطلوب رؤية جديدة وتجربة طليعية في مسرحية "الحلال" التي تعبر ضمنا عن تجليات ثورة 25 يناير 2011-30 يونيو 2013 وتخرج على "قانون الخسائر المتراكمة" الذي نال بابتذاله في السنوات الأخيرة من رأس المال الرمزي لمصر وثقافتها وتاريخها العريق في الفن.


فهذه المسرحية القصيرة التي جاءت كطلقة سحرية تجسد حقا معنى "ثقافة المواجهة"، لأنها تواجه بالإبداع انحرافات التطرف وشرور الارهاب وإفك التأويلات الخاطئة لصحيح الدين، فيما تبرهن بأن الفن الملتزم قادر دوما على جذب الجمهور الكبير والانتصار لقضايا شعب وانقاذ شباب مغرر به من أسر ثقافة السمع والطاعة التي تعتمد عليها تنظيمات الإرهاب عبر تأويلات أبعد ما تكون عن حقيقة الإسلام؛ دين الرحمة والحرية والتسامح.


ومؤلف مسرحية "الحلال"؛ أشرف حسني، خليق بالإشادة لأنه ابتعد بالنص المكثف عن الوقوع في فخ المباشرة والدعاية الفجة وتناول معطيات متعددة قد تدفع بعض الشباب لمستنقع الإرهاب ومن بينها المعالجات البيروقراطية الخاطئة والتي قد تخلق شعوراً بالظلم في النفوس وتفضي حتى بلا قصد لتغذية هذا المستنقع عبر تبني أفكار متطرفة.


ومن الدال ان مخرج مسرحية "الحلال" محمد ابراهيم قد درس العلوم الاسلامية ويحفظ القرآن الكريم وله تجارب شخصية مع جماعات التطرف ومن ثم شرع منذ شهر يوليو الماضي في التجهيز لتنفيذ المسرحية برؤية متعمقة لا تجافي صحيح الدين بقدر ما تفضح زور خطابات التطرف وشرور الارهاب.

أما الممثل مجدي رشوان الذي يقوم بدور البطولة في المسرحية مع زميله محمد صلاح، فهو أيضا رفض المشاركة في فيلم أمريكي لأنه وجد أن هذا الفيلم يسيء للإسلام كدين وللرسول الكريم وقرر العودة لبلاده بعد ان قضى فترة في أروقة السينما الأمريكية.


ويقول مجدي رشوان لوكالة أنباء الشرق الأوسط أنه كان في البداية متخوفا من خوض هذه التجربة وحتى العمل مع المخرج محمد إبراهيم مع أنه صديقه على المستوى الشخصي ولكنه يتسم أحيانا بالحدة مع فريق ممثليه حتى تخرج الأعمال في أفضل صورة ممكنة حسب رؤيته.


غير أن مجدي رشوان البالغ من العمر 40 عاما ما كان له إلا أن يوافق في نهاية المطاف على خوض تلك التجربة التي تدخل تحت عنوان "ثقافة المواجهة"، بقدر ما تشكل فنيا عملا له قيمة ثقافية وابداعية عالية. 
وشأنه شأن بقية رفاقه من المشاركين في هذه المسرحية، يشيد مجدي رشوان الذي درس التمثيل والإخراج في معهد الفنون المسرحية بأكاديمية الفنون برؤية المخرج محمد إبراهيم التي تفضح في نهاية المطاف أساليب وتكتيكات جماعات الارهاب في السيطرة على أتباعها والتغرير بهم تحت شعارات مضللة.


ومحمد صلاح الذي تقاسم بطولة المسرحية مع مجدي رشوان تخرج بدوره من قسم التمثيل والاخراج في معهد الفنون المسرحية عام 2004 وهو يرفض بقوة وحسم أي مبرر للإرهاب وقتل الأبرياء، معتبرا أن أي ارهابي هو شخص "يحمل بداخله مناطق مظلمة"، وقد تكون إحدى وظائف الفن كشف تلك المناطق.

وفيما قال وزير الثقافة حلمي النمنم ان أهمية هذا العمل المسرحي تكمن في تناوله الابداعي لقضية الارهاب، مؤكدا -عن حق- ان الفن وسيلة قوية لمواجهة الأفكار المتطرفة، يرى الفنان محمد صلاح ان الثقافة عنصر محوري في القوة الشاملة لأي دولة فإنه يدعو الدولة للمضي قدما بقوة في دعم الثقافة الجادة والأعمال الفنية الابداعية الملتزمة بقضايا الجماهير.


وفي عصر العولمة كان لشباب مصري أن يحاول الاستفادة من ايجابيات لا تخلو منها العولمة، ومنهم الممثل مجدي رشوان الذي اتجه للدراسة عام 2002 في أكاديمية الفيلم بهوليوود، بل انه شارك في فيلم "الملوك الثلاثة" لجورج كلوني وايس كيوب ومارك ولبيرج حيث جسد شخصية ضابط عراقي.


وفيما شارك مجدي رشوان أيضا في مسلسلات تلفزيونية واذاعية امريكية فضلا عن مسرحية "وفاة بائع متجول" للكاتب آرثر ميلر، فقد عرف طريقه كممثل شاب للشاشة المصرية عبر مسلسل "الدالي" الذي قام ببطولته الراحل العظيم نور الشريف ويصفه مجدي رشوان بأنه مثله الأعلى في الفن كنموذج مضيء للفنان المثقف والملتزم بقضايا شعبه، كما يكشف عن ان نور الشريف كان قد اطلع قبيل وفاته على فكرة مسرحية "الحلال" وتحمس لها وتوقع ان تحقق نجاحا كبيرا.


وإذ شارك من قبل في مسرحية "ياغولة عينك حمرا" مع العظيم نور الشريف تشكل مسرحية "الحلال" نقلة جديدة في مسيرة مجدي رشوان الذي شارك من قبل في المسلسل التلفزيوني "الهاربة" ومسلسل "رجل الأقدار" والجزء الثالث من مسلسل "الكبير أوي"، فضلا عن عدة أفلام سينمائية هي: "ليلة البيبي دول"، و"الحب كده"، و"مهمة صعبة"، وفيلم "تسعة" الذي اخرجه ايهاب راضي عن نص مقتبس من رواية لكاتبة الجريمة الشهيرة آجاثا كريستي.


ومن الدال حقا ان زميله محمد صلاح يقاسمه الاعجاب أيضا بالنجم الراحل نور الشريف معربا عن امله في ان يقدم المزيد من الأدوار الهادفة والتي تحمل رسالة ايجابية في المسرح، وإن كان لا يخفي عشقه للسينما في المقام الأول، مشيرا الى أنه شارك في فيلم "أسد سينا" الذي ينتظر عرضه قريبا.

ولئن حق القول ان هذه المسرحية "تجربة ثقافية طليعية" على مسرح الطليعة في قلب القاهرة، فإن هذا المسرح الذي يديره الآن محمد الدسوقي كان ومازال بمثابة بؤرة ثقافية ابداعية في مصر والعالم العربي. 


وإذ أدى دور المدرس بإجادة، يرى الممثل الشاب حسن نوح ان التعليم بالفعل هو الأمل في غد أفضل بمصر ولعل زميلته الممثلة الشابة نهى العدل وكذلك الممثلة الواعدة رحمة تتفقان معه في تلك الرؤية، ناهيك عن محمد صلاح الذي يتطلع للمشاركة في فيلم يتناول هموم وقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة.


وواقع الحال ان كل العناصر اكتملت في منظومة ابداعية تشكل هذه المسرحية التي أخرجها محمد ابراهيم مع فريق أجادت فيه هبة عبد الحميد في الديكور وسماح مبارح، في التعبير الحركي، فيما لا يجوز تناسي أو اغفال أسماء المساعدين مثل نهال القاضي وزينب ابراهيم ورجل الإضاءة محمد محمود.


لا تنسى مساعد المخرج نهال القاضي أجواء التوتر أثناء الإعداد لهذه المسرحية خشية ألا تكون على مستوى التوقعات المأمولة، ويحق لها الآن ان تسعد مع كل زملائها، بعد أن حقق العمل نجاحا لافتا.


ويحق القول في ضوء تلك التجربة المسرحية الشبابية والثرية حقا ان الوقت ينمو في جسد مصر كإبداع، وان المصابيح لن تنطفيء في ربوع مصر المحروسة مادام هناك شباب يرنو لسماء الإبداع الفسيحة.. نعم لن تنطفيء المصابيح ولن تموت أصوات الفرحة.