تفسير الآية« 105» من سورة المائدة «العناية بالنفس»

إسلاميات

بوابة الفجر


 
بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام ؛ الآية الخامسة بعد المئة من سورة المائدة، وهي قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)﴾
 قبل أن نمضي في شرح هذه الآية الكريمة لا بد من مقدمة تلقي ضواءً على هذه الآية.
 أيها الإخوة ؛ الإنسان مؤلف من نفس وروح وجسد ،نفسه هي ذاته، هي حقيقته، نفسه هي التي تؤمن أو تكفر، هي التي تسعد أو تشقى، هي التي ترضى أو تغضب، هي التي تذوق الموت ولا تموت.
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾
( سورة آل عمران: 185 )
 هي التي تخلد في جنةٍ يدوم نعيمها، أو في نارٍ لا ينفذُ عذابها.
 لكن الجسد ما هو إلاّ قالبٌ لهذه النفس، وعاءٌ يحتويها، ثيابٌ ترتديها فالنفس من خلال الجسد ترى، والنفس من خلال الجسد تسمع، والنفس من خلال الجسد تتحرك، وقد تبطش، وقد تحسن، فما الجسد إلا وعاءٌ أو قالبٌ لهذه النفس.
 والروح هي القوة المحركة، فلولا الروح لما رأى الإنسان بعينه، ولا سمع بأذنه، ولا تقلصت عضلاته، ولا عملت أجهزته.
 إذاً من باب التقريب والتوضيح، القوة المحركة للأجهزة الكهربائية هي الكهرباء، فإذا قطعت الكهرباء عن هذا الجهاز توقف.
 فصار الآن واضحًا أنّ النفس هي الأصل، هي ذات الإنسان، هي التي تسعد، هي التي تشقى، هي التي ترقى، هي التي تسمو، هي التي تخلد، هي الباقية، هي الخالدة، تذوق الموت ولا تموت.
 والجسد بمثابة ثيابٍ خلعتها. 
 والروح قوةٌ محركةٌ لهذا الجسد، فإذا انتهى أجل الإنسان، توقف الإمداد الروحي، فتعطل الجسد فخلعته النفس، فصعدت النفس إلى باريها.
 ربنا عز وجل يقول: 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾
 يعني إذا اعتنيت بالجسد، فالجسد فانٍ، اعتنيت، أكلت أطيب الأكل، وتمتعت بأجمل المناظر، وسكنت في أجمل البيوت، واقترنت بأجمل النساء، هذا الجسد مؤدَّاه إلى التراب، فكل عنايتك وكل طاقتك، وكل رعايتك لهذا الجسد خسارة، لأنه سينتهي إلى القبر، وإلى الفناء.
 الله سبحانه تعالى يقول: 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾
 اعتنِ بنفسك لأنها باقية، لأنها خالدة، لأنها في جنةٍ، أو في نار، لذلك يقول الله عز وجل:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
( سورة الشعراء: 88 ـ 89 )
 يقول سيدنا عمر رضي الله عنه: " تعَاهَدْ قلبك ".
 أمراض الجسد أيها الإخوة مهما تفاقمت تنتهي عند الموت، لكن أمراض النفس تبدأ بعد الموت، أمراض الجسد مهما كانت عضالة أو خطيرة، مرض خبيث فإذا مات الجسد انتهى أثرُ المرض، والموت يُنهي قوة القوي، وضعف الضعيف، وصحة الصحيح، ومرض المريض، وغنى الغني، وفقر الفقير، الموت ينهي كل شيءٍ، فأي عناية وأي جهدٍ منصَبٍّ على هذا الجسد فهو خسارة.
 يعني مثلاً إنسان ساكن في بيت أجرة، ومالكُ البيت بأية لحظة - حسب الأنظمة - بإمكانه أن يطرد المستأجر إلى خارج البيت، وهذا المستأجر له دخل كبير، هل من الحكمة أن ينفق هذا الدخل الكبير في تزيين هذا البيت، والعناية به، وطلائه، وتزيين سقفه، وبأي لحظة يخسر البيت، لكن العقل أن تزيِّن بيتك الأبدي، البيت النهائي.
 فربنا عز وجل يقول: