«الباعة الجائلين» يحملون الحكومة الفشل في تأمين ظروفهم المعيشية.. وأمين النقابة: على الدولة مراعتهم

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


بالرغم من قيام المسئولين بنقل «الباعة الجائلين» من الميادين، من أجل نظافتها، إلا أنهم لم يأخذوا في اعتبارهم مدى تأثير هذا القرار على الظروف المعيشية لهؤلاء الباعة الذين باتوا يعانوا تباعات هذا القرار.

وكانت محافظة القاهرة قد انتهت العام الماضي من إنشاء عدة أسواق لتسكين الباعة، إلا إنها لم تلق نجاحًا كما كان متوقعا، حيث تم نقل الباعة الجائلين من منطقة وسط القاهرة والإسعاف ورمسيس إلى سوق أحمد حلمي والترجمان، وتم تجهيزهما بجمالونات وباكيات لوضع البضائع بها والتعاقد مع شركتي أمن ونظافة لضمان رعايتهما؛ ولكن تحول سوق أحمد حلمي إلى سجناً يعزل البائعين عن العالم الخارجي.

قرار النقل عشوائي

استهل «علي يوسف»، بائع إكسسورات في منطقة أحمد حلمي، حديثة لـ«الفجر» قائلاً: «اتنقلنا في يوم 25 إبريل 2015، وكان القرار يعتبر الهدف منه النظافة، لكن من المفترض قبل ذلك كان لابد من الأخذ في الحسبان الراجل الغلبان مش يجو علينا»، معتبرًا هذا القرار عشوائي غير مدروس من قبيل المحافظ، فالمكان والباكات يعتبروا مهجورين والكهرباء ضعيفة واللي شغال لمبة واحدة ولو طالبنا أخرى يردوا بممنوع، لافتًا إلى أنه لا يوجد عقد كهرباء ولا حتى في أبواب وحاليا في الشتاء الوضع لا يحتمل.

ويطالب «يوسف»، بمكان ثابت؛ لأن هذا المكان يعتبر غير دائم، ووجود عدادات للكهرباء، مضيفًا: "مستعدون لدفع تأمين وكهرباء وإيجار للدولة؛ فهي تستفاد، وأنا استفاد، لكن كل المؤشرات بتقول أن في خطة لنقلنا مرة أخرى وعدم الاستقرار متوهنا وإحنا غلابة، طول اليوم ما بيع بـ100 جنيه".

قرار ظالم والحكومة المتحملة المسؤولية

 ووصف حلمي، ذو السبعون عام، وهو أكبر البائعين عمرًا، الوضع بأنه ظلم بين، قائلاً: « إن  من وقت ما جينا أحمد حلمي وحالنا واقف، إن طلعنا نشوف رزقنا نجيب حتى جنيهين نجيب بهم رغفين لولادنا، ولا شويه فول مش هنقول لحمة يروح ينزلوا ورانا على الرصيف ياخدونا ويحبسونا، متسائلاً "على إيه وأنا لاقي راحة يعني دنا لو لاقي نصف العمى هنا هفضل مش ههين نفسي علشان تجري ورايا تأخد شوية البضاعة وأنا في هذا السن وتهاجمني بحدية".

ويضيف حلمي،« أنا فاتح بيت هأكل عيالي ازاي لما أنت مستحوذ على كل حاجه، إديني حقي علشان أديك حقك»، لافتًا إلى أن أنت بطالبني بفاتورة الكهرباء والمياه، وأنا بسعى على الجنية مش لاقيه، حرام ولا حلال!".

ورداً على الاتهامات التي وجهها عم حلمي للأمن المتواجد بالميدان، أكد «بديع السيد» أحد مسئولي الأمن بالسوق أنهم مُكلفين بحماية الباكيات فقط، وليس من مهام عملهم حماية البضائع، مردفًا أن كل بائع عليه حماية ممتلكاته وبضائعه، وبعدين مش مشكلة البضاعة تتسرق المهم الباكيات".

رجعنا لأيام زمان

ويقول حسين محمود، أحد البائعين، «إحنا عندنا بهذه المنطقة ما يقرب من 60 بائع، والاتجاه الأخر أكثر من 100  بائع، ناس قديمة وكبيرة في السن ولديها أطفال؛ طبعًا اتظلموا بهذه القرارات التعسفية، وبدوا ينزلوا تاني الميدان ويتبهدلوا وتتاخد البضاعة ويتسجنوا»، متسائلاً إذن أين الحل؟ وماهي الفائدة العائدة علينا؟!، ولكن كل ما حدث أنهم أتوا بشباب بعد الثورة احتلوا المكان بدون دفع لا كهرباء ولا مياه والأصل قاعدين متشردين تحت الكباري بلا مأوى، يعني رجعنا لأيام زمان".

وتابع محمود، "أنا بائع منذ 12عام والشرطة عارفني في قسم الأزبكية، جيت هنا اترميت بعشة داخلية بلا لازمة، وحالياً بشتغل باليومية، وأنا راجل صاحب عيال وساكن بالإيجار، ويقولولك نضافة، الأول نضفوا البلد وغيري يسرق؛ كده مفيش إصلاح خالص»، مضيفاً :«الحل أنهم ينقلونا لكوبري أكتوبر من جوه وهي هيا 600 باكية نفسها، وكمان شكل حضاري وأنضف وهناكل عيش لكن حالياً الزبون مش عارف مكاني فين".

ويقول «عمرو شعبان»، أحد البائعين: « أنا بقالي أكثر من 30 سنة بياع في ميدان رمسيس، وجيت من الصعيد أنا وعيالي وبشتغل وبكسب وكانوا بيعملوا محاضر يومياً ليا من أول شرطة المرافق لحد الاشغالات، والمطافئ هي الجهة الوحيدة التي لم تحرر لنا محاضر»، مضيفًا «مفيش رخص ويعتبر وضعنا مثل الشارع، ايه الفرق حالياً ومن قبل كما هو، والباكيات اللي أخدنها راكدة مكانها دون نافعة".

 أما «أم أحمد»، أقدم بائعات رمسيس تصر يوميًا على حمل بضاعتها على رأسها ذهابًا وإيابًا خوفًا من تركها بالموقف حتى لا تُسرق، وخاصة أن النموذج الخاص بالباكية مفتوح من جميع الجوانب ولا يوجد تأمين عليه، وتابعت: «بشتري بضاعتي بالأجل ولو أتسرقت هتسجن ومحدش هيعول أسرتي الـمكونة من 12 فردًا أعيلهم جميعًا وطبعاً ميرضيش ربنا ولا يرضى الرئيس السيسي اللي بيحصل فينا ده".

البلطجية تسيطر على المكان

فيما أشار «أحمد منصور»، وهو أحد الباعة الذين حصلوا على ترخيص من الحي، إلى أنه رغم ترخيصه إلا أنه يدفع «إتاوة للبلطجية» لكي يبيع بأمان لما خربت بيوتهم، وذهب أكثر من مرة لرئيس الحي ولكن دون جدوى، لافتًا إلى تقاعس رئيس الحي معه فعندما يذهب له يرد: «فوت علينا كمان كم يوم، وعلى الحال هذا من رمضان للحين»، ساخراً هو أنا بيبع بكام علشان أدفع للبلطجية؟!.

علاء خيري: الباعة الجائلين لهم حق المراعاة من الدولة

من جانبه قال «علاء خيري»، الأمين العام لنقابة الباعة الجائلين، خلال تواجده بموقف أحمد حلمي، إن الوضع الحالي بالموقف خيب آمال الباعة الجائلين، الذين أثبتوا أنهم على قدر المسؤولية باستجابتهم للدولة والحكومة في التحرك من أماكنهم برمسيس إلى أحمد حلمي، دون إثارة مشكلات لأنهم يؤمنون أن ما حدث حق من حقوق الدولة وعليهم حمايته.

 وأضاف «خيري»، أنهم أيضًا لهم حق على الدولة لابد أن تراعيهم فيه، فهم ليسوا بلطجية أو قطاع طريق، إنما جاءوا من قراهم ونجوعهم إلى القاهرة بحثاً عن لقمة العيش، فهم يطلبون مكان أمن لممارسة عملية البيع والشراء بعيداً عن المشاكل، مشيرًا إلى أن ما يحدث اليوم في موقف أحمد حلمي، قد يؤدى إلى نتائج لا يحمد عقباها، حيث أن أغلب الباعة هنا من الصعيد، وأن سوء توزيع الحي للباعة قد يزيد من العداوة والعنف بين الباعة، الأمر الذى سيؤدى إلى نشوب خلافات ومشكلات.

دواعي أمنية

وفي ذات السياق قال اللواء« أحمد ضيف»، نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشمالية: إنهم وفروا كل وسائل الراحة لهم وليس لديهم حجة كي يتحججون بها حتى يحصلون على أكثر من حقوقهم، لافتًا إلى أن من المستحيل أن يتم فتح مدخل لهم من ناحية نفق شبرا لدواع أمنية؛ نظرًا لحيوية المكان، أما عن توفير دعاية مناسبة لهم فيمكن فيما بعد دراسة ذلك.

الحل يكمن بتوفير بدائل ملموسة

ويرى الدكتور «رشاد عبده» الخبير الاقتصادي، أن الحل في توفير وظائف حكومية لهم في ضوء تخصصاتهم، وتوفير أيضًا فرص عمل في القطاع الخاص مناسبة ودائمة لهم، إضافة لإقامة أكشاك خاصة بهم بالقرب من محطات المترو والأتوبيس، وإيجاد أماكن مخصصة لهم بداخل الأسواق الشعبية لترويج منتجاتهم كـ« سوق الخميس، وسوق العبور»، وإقامة أسواق جديدة بالقرب من المناطق الشعبية سعيًا من الحكومة لزيادة رزقهم، لافتًا إلى أهمية توفير خطوط مواصلات سهلة ورخيصة لتسهيل عملية الوصول للأسواق وخلق حركة بيع ورواج للبائعين.