محمد مسعود يكتب: شادية أقوى من الزمن

مقالات الرأي



عندما تعتزل الفنانة، فمن الطبيعى، أن يهجرها المحبون، والمعجبون، وربما العاشقون.

وقتها تنحسر الأضواء وتقل المساحات الإعلامية، والأخبار المنشورة، إلى أن تدخل بشكل روتينى فى دوامة النسيان، فالحياة عامة لن تقف على أحد.. وأفيشات الأفلام والمسرحيات وتيترات المسلسلات لن تكون عاجزة عن إيجاد البديل، المناسب.. أو الأرخص.

أما فى حالة شادية، فكل يوم يمر على اعتزالها تزيد مكانتها وحبها فى القلوب، ويدعو لها الجميع بأن يمد الله فى عمرها، كونها مصدر السعادة والحب والبهجة والأمل فى حياة المصريين لعشرات السنين.

شادية، ليست مجرد ممثلة كبيرة، أو مطربة رصينة، أو حتى يمكن أن تضعها فى خانة فنانة لها إنجازات وإخفاقات، وبورصة تحدد صعود نجمها الفنى أو هبوطه، إنما هى فى الحقيقة حالة كاملة، تعبر عن جزء أصيل فى الفن المصرى، من بلاتوهات التمثيل مرورا باستوديوهات الصوت، وصولا لخشبة المسرح.

شادية هى النسخة الأصلية للفنانة التى هزمت الزمن، أو بالأحرى هى أقوى من الزمن، إذ حصلت منه على ما تشاء وقتما شاءت، منذ أن كانت طفلة منع والدها، شقيقتها الكبرى «عفاف» من دخول الوسط الفنى خشية عليها، فعرفت شادية، أو الطفلة «فتوش»، كيف تقنع جدتها لتقدمها للمطرب التركى الشهير– صديق العائلة– منير نور الدين الذى أثنى على موهبتها، وأقنع والدها بدخولها الوسط الفنى.

دخلت الوسط بموهبتها وذكائها وخرجت منه بمحض إرادتها، وفى التوقيت الذى رأت أنه المناسب، للانسحاب.. ذهبت عن الأضواء بغير رجعة، لم تكن ممن تقاضين مئات الآلاف من الدولارات للاعتزال وارتداء الحجاب والمتاجرة به، كأخريات.. منزوعات الحياء، كما كن منزوعات الموهبة.

ذكاء شادية التى أتمت عامها الخامس والثمانين فى الأسبوع الماضى، حولها من ممثلة لأدوار خفيفة، لنجمة من الوزن الثقيل بداية من فيلم «المرأة المجهولة» وبعده أفلام «اللص والكلاب» الذى أنتجته بنفسها، و«الطريق والمعجزة وزقاق المدق»، كما كانت شديدة الذكاء فى التعامل مع الملحن العبقرى الراحل بليغ حمدى الذى قدمت معه أغنيات خالدة مثل «يا حبيبتى يا مصر»، و«قولوا لعين الشمس» وغيرهما.

شادية قررت الاعتزال والتوارى عن الأضواء قبل 30 سنة كاملة، أعلنت أنها تعتزل وهى فى قمة النضج الفنى، كونها تريد الحفاظ على الصورة التى رسمها لها معجبوها، لكنها فى حقيقة الأمر فضلت الابتعاد عن الأضواء لتتفرغ إلى العبادة، والتقرب إلى الله.. فالفن غادر، وهى متأكدة من ذلك.. بينما الله خير وأبقي.

رأت شادية أنها بهذه الطريقة تشترى آخرتها، بعد أن وصلت فى الدنيا إلى مكانة «معبودة الجماهير» وهى حقيقة، فكانت صاحبة جمهور يعشقها إلى حد الجنون.. ووجدت أن الوقت قد حان للانسحاب.. بعد غنائها «خد بإيدى» فى الليلة المحمدية، ورأت أن قرارها غناء الأغنيات الدينية فقط، لم يكن قرارا سليما، كونها غير قادرة على الحفظ.. ففسرت ذلك– بمعاونة من الشيخ الجليل متولى الشعراوى- بأنها رسالة من الله الذى ناجته بـ«خد بإيدى»، فأخذ بيديها إلى طريق التوبة.

مراحل عشق «الست شادية» بدأت بكونها الفتاة الشقية المرحة التى تشعر المشاهد بأنها شقيقته أو ابنته، ثم المرأة المحبة العاشقة التى تضحى بكل شىء من أجل الحب، والأم المكلومة على ابنها الذى أبعدوه عنها عنوة.. فى الفرح تجدها بـ«يا دبلة الخطوبة»، فى المناسبات الوطنية «يا حبيبتى يا مصر»، و«أقوى من الزمن».

شادية بالفعل.. أقوى من الزمن.